تحويل الجنوب إلى نقطة ضعف للرئيس

كتب
الثلاثاء ، ٠٩ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٣٨ صباحاً

بقلم: محمد عايش -

المشكلة في الجنوب ليست "علي سالم البيض"، بل لها أسماء أخرى من مثل "صادق الأحمر".

حين وقف هذا وسط حشد القبائل المؤتمرة في الحصبة، مهددا بالحرب على الحراك الجنوبي؛ لم يكن يهدد الحراك بالفعل، بل كانت رسالته موجهة على عنوان الرئيس عبد ربه منصور هادي.

يريد الأحمر، ومن يمثلهم، تذكير هادي بأن بأيديهم الكثير من الأوراق القادرة على خلط كل أوراقه في حال فكر في تجاوزهم أو التقليل من شأنهم، وفي مقدمة هذه الأوراق ورقة الجنوب؛ فبالتأكيد لن يكون الجنوبيون مسرورين برئيس منهم (كما قال هو في مؤتمره الصحفي مع المستشارة الألمانية في برلين)، ومع ذلك يتم تهديدهم بالحرب في ظله من نفس القبائل التي حاربتهم في ظل سلفه: علي عبدالله صالح.

هذه إحدى مشاكل أن تكون رئيسا "جديدا" بمراكز قوى "قديمة"، أو أن تكون خليفة لصالح، ولكن بالتحالف مع نفس أدوات صالح، حيث عليك أن تتوقع ليس وراثة الكرسي فحسب، ولكن جملة مشاكل سلفك التي أدت في النهاية إلى الإطاحة به.

بإمكان الجنوبيين أن يتصالحوا مع فكرة أن الرئيس هادي كان جزءا من حرب 94، ذلك أن شراكته هناك يمكن أن تكون بنظرهم امتدادا فقط للصراعات الجنوبية الجنوبية التي عاشها الجنوب منذ الاستقلال، لكن ما لا يمكن أن يتعايش معه الجنوبيون، هو أن تكون أذرع نظام هادي هي نفسها الأذرع التي وجهت لهم احتقارا تاريخيا بانقلابها على الوحدة، وسطوها لاحقا على الجنوب.

سيقفز "صادق" أو "حميد" أو "حسين" أو "علي محسن" أو "صعتر" أو "اليدومي"، في كل لحظة خلاف أو مجرد سوء فهم مع هادي؛ ليلعبوا لعبة "الابتزاز" نفسها عبر نكء الجرح الجنوبي. وكل مساعي هؤلاء الآن واضحة نحو تحويل الجنوب إلى نقطة ضعف رئيسية لدى هادي، إنها النقطة المثالية التي يسهل الضغط عليها في أي وقت، ولو بمجرد تصريح إعلامي يشعل النيران التي يحاول الرئيس إطفاءها.

...

الذين يريدون هادي رئيسا قويا هم فقط شعب صامت، أو قوى يريد الجميع رميها في خانة "التهمة" كالحراك الجنوبي.

وفي المقابل: كل القوى تسعى لإضعافه وإبقائه تحت السيطرة، واحتشادات الشيخ الأحمر هي جزء من وسائل الضغط على الرئيس، والقول له "نحن هنا". وقد كان الأحمر فجاً وهو يشكو من "التهميش والإقصاء"، ويحذر منه، وهو يعني طبعا إقصاءه وإقصاء أشقائه (مع أن أحدا لم يلحظ حتى الآن مثل هذا الإقصاء).

ردا على الاحتفاء الكبير الذي تلقاه هادي في أمريكا وعواصم أوروبا؛ خرج اللواء علي محسن الأحمر، بدون موعد، ليعلن للجميع أنه كان "الرجل الأول" في نظام صالح، بينما أطل صادق الأحمر، من قناة "السعيدة" ليتباهى بأن علي عبدالله صالح لم يكن يفعل شيئا خلال حكمه بدون "حاشد ومشائخها".

لم يكن الأحمر اللواء، والأحمر الشيخ، مكترثين لحقيقة أن تصريحاتهما تمثل إدانة عميقة لهما، وما كان يهمهما هو فقط التأكيد لهادي أن عليه ألا يفكر بالابتعاد بضعة أمتار عن خياراتهما، أو أن يركن إلى الإسناد الدولي غير المسبوق له.

فحوى رسالة اللواء الأحمر، كما فهمتها مختلف الأوساط السياسية، هو أنه لن يقبل مع هادي بأقل من الموقع الذي كان عليه مع صالح.

فيما صادق الأحمر، ومن خلفه أشقاؤه وحلفاؤهم، وبينهم بالطبع علي محسن، يجاهدون للتأكيد على أن "القبيلة أساس المجتمع اليمني"، وهذا ما قاله صادق حرفيا في كلمته أمام مؤتمر القبائل، وحين يقول "القبيلة" فإنه يعني بالتأكيد "حاشد"، أما حين يقول "المجتمع اليمني" فهو يعني "النظام السياسي"، ولكم أن تتخيلوا الرئيس هادي وهو يحكم بواسطة حاشد!

إن هذا ضد المنطق، ولكن متى كانوا يحفلون بالمنطق أصلا!

في فترة وجيزة؛ نجح هادي في الإطاحة بأية إمكانية لخدش استقلاله من قبل صالح وأبنائه. وبسرعة فائقة، بالفعل، تمكن من إسقاط مقولة "رئيس الرئيس"، ومن يلتفت الآن إلى الأيام التي كانت تتردد فيها مثل هذه المقولات، سيكتشف كم ما كان يبدو صلبا أمام هادي تبين أنه بالغ الهشاشة.

يمكن لبقية رؤوس مراكز القوى أن يتحول وجودهم إلى وجود فائض وهش، كما هو حال وجود أحمد علي عبدالله صالح أو أي من أقاربه، وفي الواقع فإن إضعاف صالح ينبغي أن يكون بوابة رئيسية لإضعاف كل مراكز القوى التي ستفقد الكثير من مبررات هيمنتها بسقوط آخر معاقل صالح (وهذا ما ينبغي أن ينجزه هادي، وقد تأخر إنجازه بالفعل).

لم يقل أحد إن مهمة هادي سهلة، لكن أيضا لا أحد يستطيع أن يدعي أن كل الخيارات مغلقة أمام الرئيس، باستثناء خيارات علي محسن أو الإخوان أو حاشد أو صالح وعائلته. وإذا لم نكن قادرين حتى اللحظة على تحديد ملامح "الخيارات الأخرى" الممكنة لهادي، فذلك لأنه هو المعني الأول بالبحث عنها أو ابتكارها من العدم، فالزعامة اللائقة باللحظة التاريخية التي تهيأت له، تعني بالضبط أن يكون قادرا على تحريك كل الرواكد، وفتح آفاق ومسالك لم تكن متوقعة أو لم تكن في وارد التفكير.

الدعم الدولي الكبير له، وبشكل لم يتوفر حتى الآن لأي من رؤساء الربيع العربي، هو أحد المنافذ إلى خيارات أوسع ورئاسة أكثر استقلالا وقوة. وبين الخيارات الأخرى، وعلى رأسها، "الجنوب"؛ الجنوب الذي يمكن له أن يكون عنوان "اللحظة السياسية" وموجه دفتها، وبالجنوب فقط قد تنصلح أحوال الشمال والجنوب.

فخامة الرئيس: يريدون تحويل الجنوب إلى نقطة ضعفك، ونراهن أنك تعرف كيف تحول الجنوب إلى نقطة قوتك.. وقوة اليمن أيضا.

عن الاولى

الحجر الصحفي في زمن الحوثي