البيض المفترى عليه

كتب
الاثنين ، ٠٨ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:١٧ صباحاً

بقلم: سامي غالب -

تتركز الحملة على علي سالم البيض, الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني ونائب الرئيس اليمني السابق, في كونه ورط الجنوب (اليمن الجنوبي) في الوحدة, وقرر منفردا توقيع اتفاقية 30 نوفمبر 1989, التي ادت إلى اعلان الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990.

من عناصر هذه الحملة تظهير السمات السلبية في شخصية البيض بما هو شخص عاطفي وانفعالي, حاد المزاج ومغاضب عنيد... الخ. وقد تبلغ الحملة ذرى بعيدة كالتعريض بسلوكه الشخصي أو التلميح إلى تأثيرات محيطه الأسري والاجتماعي.

علي سالم البيض, مثله مثل ناقديه العقلانين جدا الآن, هو ابن بار لتيار القومية العربية في الخمسينات والستينات, وهو, مثله مثل رفاقه, كان ماخوذا بالحتميات الوحدوية, يمنية وعربية, تلبستهم جميعا روح التبشيرية كأي قومي عربي في القرن الماضي حتى وهم يتبنون الماركسية اللينينية لاحقا, او يتمركسون بحسب التوصيف التعريضي المفضل للقوميين العرب الصامدين أو الماركسيين الاصلاء.

لا اثر للعقلانية الجنوبية, بما هي المقابل للهمجية الشمالية, في التاريخ الحديث للجنوب. والمصير الذي آل إليه البيض بالوحدة ليس أشد سوءا من مصائر سابقيه في قيادة الدولة الجنوبية وامانة الحزب الاشتراكي (قحطان الشعبي, فيصل عبداللطيف, سالم ربيع علي, عبدالفتاح اسماعيل, علي ناصر محمد). عند هذه النقطة يمكن البحث عن دوافع محض شخصية وراء قرار البيض التعجيل بقرار الوحدة على النحو الذي تم نهاية الثمانينات.

ليست هذه مرافعة دفاعية عن الرجل, بل عن الانصاف والنزاهة. وشخصيا اختلف كليا مع البيض منذ الشهر الثاني على خروجه من عزلته في عمان. ولا ارى في "فك الارتباط" إلا ضربا من التبشيرية التي لا تزال تستحوذ على القوميين واليساريين اليمنيين حتى وهم ينفضون عنهم دثار اليسار ويكفرون بالقومية العربية.
يقول ناقدوه العقلانيون جدا, أن البيض اخذ الجنوبيين إلى الوحدة, وهذا قول يستدعي التمحيص, فالبيض كان الاول في الحزب بحكم موقعه, لكن اول بين انداد. وبحسب شهادات عديدة استمعت إليها من شخصيات مشاركة في قيادة الحزب والدولة, فإن البيض اتخذ القرار فعلا, لكن رفاقه جميعا, باستثناء واحد أو اثنين منهم, تعاملوا مع القرار بإيجابية باعتباره يحقق تطلعات اليمنيين ومن شانه وقف دوامة العنف داخل كل بلد على حده, وبينهما.

المؤكد ان الآليات الحمائية للدولتين القطريتين في اليمن التاريخي, استنزفتا القدرة على البقاء, وذلك ما يفسر تلك الانسيابية التي سارت عليها الامور عقب قرار البيض. ولو ان البيض جاء امرا نكرا لكانت وجهة الاحداث أخذت مسارا عنفيا في الجنوب اولا, وإلا لصببنا اللعنات أيضا على سالم ربيع علي (سالمين) الذي نمجده الآن كما نفعل مع ابراهيم الحمدي, وكلاهما عمل من اجل وحدة تدرجية وفق اتفاق قعطبة في فبراير 1977, ولو ان البيض أغتيل غداة اتفاقية نوفمبر 1989 لكان الآن موضع التمجيد والفخار الوطني, جنوبا وشمالا!

عند التحضير لإعلان الجمهورية اليمنية لم يسمع اي صوت ناقد أو متشكك أو منشق, باستثناء صوت الشاعر اليمني عبدالله البردوني الذي لم يكن, من حيث المبدا ضد الوحدة فهو شديد الإيمان بالشعب اليمني الواحد, بل أراد التنبيه إلى عدم مصداقية احد الطرفين (نظام صالح) ونواياه المبيتة للغدر بشريكه.

تتالت الاجراءات الوحدوية وتسارعت وتيرتها في الأشهر الأولى من عام 1990, واختصرت المرحلة التحضيرية المقررة من عان إلى نصف عام, واعلنت الجمهورية الجديدة في 22 مايو 90, ثم تم عرض مشروع الدستور على اليمنيين بعد عام (15 مايو 1991) وحاز على 98% من أصوات المشاركين في الجنوب والشمال. ما يعني ان البيض كان يعبر عن تطلعات اغلب اليمنيين في الجنوب والشمال, ولم يكن محض مغامر خرج على الخط العام لحزبه ووطنه كما يقال الآن.

إن نقطة الاساس التي يمكن بحثها في مسالة الجنوب هي حرب 1994 التي شنت من علي عبدالله صالح وحلفائه الاصلاحيين والزمرويين وكل الاعداء التاريخيين للحزب الاشتراكي اليمني (الفضلي والسلاطين والتحريريين والجهاديين), وهي حرب استهدفت الاستحواذ على السلطة والقضاء على الوحدات العسكرية الجنوبية (التي كانت ما تزال خاضعة لامرة الحزب) وذلك للحؤول دون حدوث اية مفاجئات من شانها قلب الموازين المستقرة في الشمال لصالح القوى الجديدة. الذهاب إلى نقطة زمنية سابقة على حرب 1994 سيعني فتح هوة جنوبية لا قرار لها, ولن يكون البيض هو الضحية الوحيدة للشعبوية المزدهرة جنوبا, بل كل أسلافه بل الجنوب ذاته.

من حائط الكاتب على الفيس بوك 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي