شو يعنى بشر شو يعنى ضمير ؟

كتب
الأحد ، ٠١ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٢ صباحاً
غاده البخيتى

 الإنسان أكثر قداسة من الأرض ولو أنها مقدسة. أمام الهجوم على الإنسان ,تبدو هذه الأرض حجارة وخشبا" الفيلسوف الفرنسي عمانويل ليفيناس "

"أن تهد الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم" حديث شريف في إحدى المرات التي تواجدت فيها في المشفى الميداني...أثناء استقبالنا للإصابات الناتجة عن استهداف المسيرات السلمية كالمعتاد (موت مجاني اعتدنا عليه...يا للغرابة)!!!!..

توافدت الحالات إلى المشفى ..بحالة أكثر من سيئة..إصابات مباشرة للرأس والرقبة..أعضاء مبتورة..جراء استهداف بمضادات للطائرات للمدنيين العزل!!!! وأثناء محاولتنا لإيقاف النزيف و إرسال الحالات للمشافي الأكثر تخصصا وقدرة على التعامل مع الحالات الأشد خطورة... يحدث أحيانا أن افقد قدرتي على العمل أمام كل هذا الموت...وهذه الإصابات المهولة....يحدث أن أطبب الجراح والعين يحجب نظرها غمام من الدمع...

أفك الشال الذي ربطت به ساق احدهم...فأوشك أن اسقط من هول المنظر...عظم منهرس باللحم.. ولا شيء يوصل طرف الساق بأعلاها سوى أطراف جلدية...أضمدها سريعا محاولة الحفاظ على ارتباط الساق ببعضها..وأقوم بتحويله إلى المشفى الخاص!!

في لحظات كهذه افقد إحساسي الطبي...مهما زعمت باني كنت أحب العمل الجراحي ..وان قلبي كان قويا خلال فترة تدريبي في قسم الجراحة العام الفائت...إلا أني بت اكرهها أمام كل هذه الدماء...وهذه الإصابات اللا منطقية التي اشعر كم أنا عاجزة أمامها....

كنت لا أزال أتسائل ...سؤالي الذي لا يغادرني...لماذا... لماذا...لماذا نقتل بدم بارد...بأيدي بعضنا..وبوحشية كهذه ؟.. حين اقتربت مني صحفية أجنبية مبتسمة...سألتني إن كنت طبيبة..اومات لها براسي إيجابا...فعرفتني بنفسها...مراسلة أميركية لدى نيويورك تايمز..

تسألني عن رأيي بما أرى...بالطبع فقدت لساني وكلماتي...ليس لاني لا أجيد محادثتها بالانجليزية التي بدأتني بها..لكن لأنها جاءتني في لحظة كنت اتامل الزاوية الشرقية لقاعة المشفى حيث اعتادوا وضع الشهداء ليتمكن ذويهم من التعرف إليهم ورؤيتهم...ويتسنى لوسائل الإعلام المتهافتة تغطية عرس دمائنا...! وفي لحظة محادثتها لي كان احد الشهداء قد أضيف إلى القافلة المتزايدة أعدادها...شهيدا أخر دون راس... كنت أزم شفتاي محاولة عدم الاستسلام لدموعي التي تخنقني... تماسكت لأكمل حواري معها...أجبتها بكلمة واحدة... رأيي....كارثة..!

واصلت أسئلتها..برأيك ما السبب وراء كل هذا..؟ لم افهم أو هكذا تظاهرت لحظتها...أعدت عليها السؤال باستغراب ..ما السبب وراء هذا القتل..؟ أجابتني نعم...ما هو المبرر؟؟ حدقت بها للحظات قبل أن أجيبها بسؤال اختصر كل شيء... قلت لها " قولي لي أنت هل تجدين في هذا العالم سببا يبرر قتل الأبرياء العزل..هل من سبب يجيز هذا؟

صمتت وقد احمر وجهها قليلا...كانت عيناها قد بدأت تلمع بدمع خفيف...فأكملت حديثي مستغلة دخول شهيد أخر إلى الزاوية المشؤمة...كنت انظر هناك فحولت نظرها إلى زاوية نظري..قلت لها..كل هذا العنف ..وهذه الجثث المشوهة المفقودة الأطراف والرأس...بأسلحة لا يجوز استخدامها ضد تجمعات بشرية عزلاء في داخل المدن...هل له مبرر ؟؟ هل له منطق؟؟ خبريني.. ازداد الدمع في عينيها...ونبست بكلمة واحدة...”لا “! ثم أكملت...أتعلمين.. حين كنت في بلدي..لم يحدث أن شاهدت جريمة تحدث أمامي...لم أرى ميتا بحياتي...حتى جئت إلى هنا...وشاهدت الموت والقتل يحدث أمام عيناي..

فجأة انعكس الموقف وأصبحت أنا الصحفية التي تستجوب الأخر..سألتها...اشهدتي إحدى هذه الجرائم..؟ أشارت برأسها نعم... ثم أكملت: أنا هنا منذ فبراير الماضي...وقد صورت مشاهد لمسلحين ولقوات الأمن وهم يطلقون النيران مباشرة على المتظاهرين... قاطعتها...و ارسلتي الصور.؟ كتبتي عن كل هذا كما رايتيه لدى صحيفتك؟ أجابتني ...نعم كتبت و أرسلت الصور...............! بقيت اتاملها...و فكري يتساءل أي منطق إنساني لدى هذا الضمير المسمى بالعالمي...ليرى ويسمع بكل هذه الانتهاكات ولا يحرك ساكنا...؟!! مراسليه من أبناء جلدته يصورون ويكتبون...لا فرق لديه...أم أنهم لا يقرؤون... لا يشاهدون....!

تحضرني كلمات جوليا بطرس..."ماعم بافهم عربي كتير...فهمني شو يعني ضمير...هالكلمة صارت منسية بقاموس العالم ملغية....وليش بيحكوا فيها كتير...؟؟؟ لا عتب... ربما كان عليا أن لا أتذكر كل هذا أو اكتب عنه وأنا استعد مع أصدقائي بالفريق لتدشين حفل الختام لرسالتنا التي بداناها منذ اشهر...رسالة إلى الضمير الإنساني...

يحدث في لحظات كهذه أن اشك بوجود ضمير إنساني لدى العالم...ولدى الفئة الصامتة التي بعضها يدعي مناصرته للثورة ولم يحرك ساكنا سوى ثرثرة بالية...وتنظير عقيم...فإلى أين...إلى أين يا ضمير العالم..إلى أين أيتها الإنسانية.؟؟ لا أمل لكم أيها الثوار سوى الله...وثورتكم....بعدها ستغيرون للإنسانية مفاهيمها الكاذبة...وتمحون كل هذا العهر الصامت..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي