وأصبح الجزار قائداً للحوار

كتب
الخميس ، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٣٧ صباحاً

بقلم: جاكلين أحمد -

كثيراً ما أسمع هذا المثل (شجن قتل العجوز) والذي يحكي مأساة عجوز شاهدت بالمصادفة مجموعة من الناس.. فقادها الفضول إلى أن تحشر نفسها بينهم لتعرف ما الموضوع حتى ماتت دهساً دون أن يشعر بها أحد..

وهكذا هو شعبنا العزيز (شجن الحوار قتله)..الجميع يلتقط أقرب جملة قيلت ولو حتى لم تكن أكيدة..أو أن قائلها متجنِ..

يعدون أنفاس الحوار.. وهم حقيقة لا يهتمون كثيراً لما سينتج عنه.. وهل سيكون نافعاً أم مخيباً للآمال.. لأني أظنهم عرفوا مقدماً خيبة أملهم فيه..لكنهم وبكل حماسة ينظرون بأعين ثاقبة نحو قتال الإخوة الأعداء في لجنة الحوار ومن سيليهم..

والحقيقة الوحيدة التي يؤمنون بها أنها إنما نظرة محاصصة ليس أكثر.. فكل مترقب منهم ينتظر أن ينتصر ذلك العضو الهمام الذي ينتمي في الأساس إلى تكتله أو حزبه.. وينتظر بلهفة عميقة زلة قدم الطرف الآخر.. (فزلة قدم خير من ألف حوار) ولأن زلة( القدم واللسان) في بلادنا أصبحت مشروعاً قومياً يتمناه كل طرف للآخر ليصبح بعدها (لكل حوار كبوة) ويصبح الإخوة المتحاورون (لقمة) طرية تتقاذفها السن الشعب العظيم..

ويبدو مبدأ الحوار هنا أكثر بشاعة مما كان مخططاً له.. ليس لأنه لا قيمة له.. بل لأنه أصبح حجة من لا حجة له.. ولكل حجة عمياء لقيطة ألف باب تقود الداخل فيها إلى عالم التوهان المتعمد والمقصود..

فتلك الجماعة أو الحزب لا ينوي الدخول في مجمل الحوار الوطني، لأن تلك الجماعة أو الحزب موجودة ويفترض أن لا تكون حاضرة هنا لأنهم لا يتنازلون بوضع أيديهم في يد العدو.. لم يعد العدو خارجياً إذاً بقدر ما هو داخلي المبدأ والمنشأ..

وإن نوقشت نقطة كبداية لجر الحوار المهترئ نحو نقطة الجدية..ولم تعجب تلك النقطة فئة من الفئات..تبدأ تلك الفئة بنصب الكمائن وتصيد الأخطاء للجهة الأخرى التي تبنت النقطة..تماماً كما حدث مع (الناشطة أمل الباشا)..عندما تقدمت بطلب قانون يحدد فيه سن الزواج للقاصرات.. وكان المطلب شعبياً حقاً.. وأنثوياً بالدرجة الأولى.. وكحد لما تعانيه القاصرات في وطني من عدم مبالاة ذويهم لما قد يؤول إليه حالهم من تدهور صحي أو موت..لأن ثماني من القاصرات اليمنيات على الأقل يمتن يومياً بسبب الزواج المبكر حسب التقرير الرسمي الذي نشره (المركز الدولي للدراسات).

ولأن الفكرة لم ترق لكثير ممن يبيعون ويشترون فينا.. ولأننا مشروع قابل للمساومة في نظر أولي الأمر، فهم لا يقبلون فينا مساومة إلا بإذنهم.. بدأ التربص بالناشطة (أمل الباشا).. وأصبحت فريستهم بكل المقاييس.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم نضوج فكرة الحوار لدى الطرف الآخر، ومهما كانت مسمياته وتوجهاته.. فلا فضل لطرف على طرف إلا بالأقاويل والخطط المحاكة ومدى نجاحها في إيذاء الآخرين..

لم تكن رحلة حوار كهذا يفترض بها أن تمثل وطناً وتقوده نحو الخلاص، رحلة سيئة أو غير مجدية.. لكن الفكرة التي حولته إلى جحيم هي مبدأ المحاصصة والمتاجرة في حلم شعب وضع ثقته وأمله فيهم..

والفكرة الأكثر خطورة.. هو أن يمثل ذلك الحوار أشخاصاً كانوا هم سبباً رئيساً في قمع حياة شعب بأكمله.. لم يتركوا حيلة يقتلون بها وينهبون عالمنا إلا وسلكوها..

خرج المواطن المسكين نحو الشارع وكله أمل أن معاناته ستنتهي بنهايتهم

وأنه سيصنع غده المأمول بقوة وإصرار وعزيمة..

..وإذا به يجدهم يقفون على رأسه يحركونها، كيفما شاءوا في جميع الاتجاهات ليشتتوه ويرهقوه.. يرمون له الطعم.. ويقفون يتفرجون كيف سيلتقطه ثم يوزعه على البقية كما يريدون هم.. وجدهم هم أنفسهم من سرقوه يقودون حوار مستقبله الآتي..ولم تثمر كل صرخاته بجديد..

إذ لم يترفع أولئك الأشخاص صانعو مجد الفساد السابق عن صنعه مجدداً.. وتحويل كل نقاط الحوار إلى مناحرات شخصية.. وعبث جديد لم يعد يطيقه أحد..

لم يأت إذاً الحوار بجديد، فلا هيكلة للجيش.. ولا إزالة لرموز فساد مضى.. ولا وطن جديد.. إنما كره وعداوة واستعداء للجميع.. ونشر الفرقة بين أبناء الوطن الواحد... والاستحواذ قدر الإمكان على الآخرين.. ونفيهم.. واغتيالهم.. واللهو كيف يحلو لهم..

وهنا لم يعد يخفى علينا جميعاً من هو المسؤول الرئيس عن كل هذا العبث.. جميعهم يعرفون أنفسهم.. ولم يخرجوا بالوطن كما وعدوا نحو النور.. بل قادوه نحو ظلام جديد ومتاهة أخرى لا يعلم أحد متى تنقذنا منها الصدفة المحضة بالخروج.. ولنا في ما يحدث في ريدة عبرة من الآتي المجهول.

عن صحيفة الاولى

الحجر الصحفي في زمن الحوثي