التخلص من "صالح" وتكريس حالته

كتب
الأحد ، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٠٠ صباحاً

بقلم : عبدالله دوبله

تحتاج البلد إلى الانتقال من حالة "الثورة" الآن، بقدر وربما أكثر من حاجتها إلى "الثورة" ذاتها عند انطلاقها مطلع العام 2011، ولذات الأهداف الموضوعية التي قامت الثورة لأجلها أيضا.

قد تبدو هذه الجملة غريبة بعض الشيء، إلا أنه يمكن تفسيرها بالقول أنه بعد توقيع المبادرة الخليجية والانتقال إلى شرعيتها التوافقية، والشرعية الانتخابية لرئيس الجمهورية بعد ذلك، لم يعد الأمر هنا مسألة "ثورية محضة" كما هي في حالتها الأولى التي لا يزال البعض يتمثلها، وإنما هي امتداد لها في "عملية سياسية انتقالية"، يفترض، بل يجب، أن تقوم هي بتحقيق "أهداف الثورة"، كونها نتيجتها.

الفارق الذي يجب أن يتنبه له هو أن تحقيق هذه الأهداف "الثورية" ينبغي أن يكون بأدوات "العملية السياسية" وفق حاجة "الدولة الجديدة" التي تريدها الثورة، وليس بأدوات "الثورة" وحاجتها في حالتها الأولى التي عبر عنها من خلال الاحتجاج والاعتصام في الساحات، أو ما استدعته في مرحلة أخرى من تحالفات مع قوى كانت جزءا أصيلا في النظام الذي قامت الثورة لأجل إسقاطه.

في غاية الأهمية التنبه لهذا الفارق، و"الانتقال الذهني" والعملي من "حالة الثورة" التي مرت بها البلد منذ فبراير 2011، كمرحلة أولى، بأدواتها وتحالفاتها، إلى حالة "العملية السياسية الانتقالية" كمرحلة ثانية منذ توقيع المبادرة الخليجية وانتخاب رئيس الجمهورية حتى الآن،.. ولا يعني هذا أن المرحلة الراهنة على قطيعة مع "الثورة"، فهي بطبيعة الحال نتيجتها، ومرحلة أخرى اقتضتها طبيعة التجربة الثورية في اليمن. ليس التمييز بينهما إلا لضرورة التفريق بين مرحلتين لكل منهما ظروفها وأدواتها الخاصة، كما لها حاجتها الخاصة أيضا، حاجة "الثورة"، مقابل حاجة "الدولة"، إذ لا يخلو الخلط بينهما واستدعاء أولاهما إلى الأخرى من "كارثة".

لوضوح "الفكرة" أكثر، كان إسقاط نظام "صالح" وما يمثله من مرحلة عموما الهدف الأول الذي قامت الثورة لأجله، لأجل بناء الدولة اليمنية الحديثة، دولة المواطنة والديمقراطية.. إلا أنها ولطبيعة التجربة في اليمن اضطرت إلى التحالف مع القوى التي كانت تمثل جوهرا أساسيا في طبيعة وأداء ذلك "النظام الماضوي" الذي قامت الثورة لأجل إسقاطه، باتجاه إسقاط أكثر المناطق رمزية فيه وهي شخص "رئيس الجمهورية" السابق وعائلته الأقرب في الجيش والسلطة.

الغرق الآن في مسألة تقليم أظافر "صالح" الرمز للحالة التي يمثلها، وإحلال بدلاء منها لمجرد أنهم يوالون الثورة أو يوالون "هادي"، بما يمثلوه من ذلك القديم، أو إحلال موظفين جنوبيين لمجرد أنهم كذلك وفق أحدى نقاط اللجنة الفنية للحوار، بدون التنبه لذلك "الجديد" الذي نريد إقامته بديلا، وإعطاء الأهمية له كـ" فكرة ومفهوم"، ربما كان كفيلا بإخراج "صالح" الرمز، إلا أنه لن يكن كافيا لإخراج "صالح" الحالة والمرحلة بطبيعتها وطريقة أداءها، بل يكرسها تحت حجة الدعاوي الثورية نفسها التي كان يفترض أنها تنهيها.

لم أعد أشك في أن التخلص مما تبقى من صالح "الرمز" لا يتطلب الآن أكثر من الوقت، إلا أن ما أخشاه فعلا هو أن يكن ذلك البديل الذي يتم إحلاله وفق مفهوم التخلص من "صالح" كحاجة ثورية، وتحت تبريراتها أيضا، أن يكرس الماضي القديم كواقع في نهاية الأمر. أو كمحاصصات جديدة يتم الترويج لها تحت حجج الشراكة والوفاق.
إذ ليس الأشخاص سواء كان "صالح" أو عائلته، أو حتى أولئك الذين كانوا جزئا جوهريا في نظامه وانظموا إلى الثورة، إلا التعبيرات الرمزية والمجردة لحالة ومفهوم أعمق نحسه ونعاني منه ولا نراه، تعامل الثورات مع رموز الحالات التي قامت ضدها عادة ما يكن الجانب السهل في المهمة، وعادة ما تنتهي إلى هناك.

ثار الضباط الأحرار في شمال اليمن ضد "حالة الإمام" التي كانت تعاني منها البلد، وكان التخلص منه كشخص ورمز للحالة الجانب الأسهل في المهمة، كما كان الأمر في مقاومة منع عودة شخوص الإمامة ورموزها المجردة كالبدر ومحمد بن الحسين الأمر الأسهل أيضا في الحروب مع الملكية التي استمرت من العام 62 إلى العام 67، لينهي مؤتمر "حرض" التصالحي تماما مسألة عودتهم وليتم تكريس الإمامة كحالة في أداء وطبيعة المرحلة الجديدة، وفي عناوين ثورية وجمهورية بدت في ظاهرها أنها على النقيض منها تماما. وظلت تستهلك حتى الآن.

بقاء "صالح" كشبح يهدد بالانقضاض على "الثورة"، خاصة مع بقاء نجله أحمد علي في قيادة الحرس الجمهوري، يستدعي انتباه الثورة إليه كرمز للحالة التي يمثلها على حساب الانتباه "للحالة"، فهو واضح الملامح ويوجد في الجهة المقابلة لاصطفاف الثورة، لذا يسهل تحديده ومحاصرته والانقضاض عليه. غير أنه كحالة غير واضح الملامح ويوجد بتبرير الحاجة لمكافحته في التحالف الثوري لإسقاطه أيضا، أخطر ما في الأمر أن تقضي الثورة على "صالح" الرمز و أن تكرسه كحالة. غير أنه لا يزال ممكنا تجنب هذا المآل؟!..

[email protected]

الحجر الصحفي في زمن الحوثي