قتل السفير الأميركي إسـاءة أكبر للرسول والإسلام

كتب
الأحد ، ١٦ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٣٥ صباحاً

بقلم: نبيل سبيع
يبدو أن فيلم "سذاجة المسلمين"، الذي لم نطلع عليه بعد، حمل إساءة كبيرة للرسول الكريم، ولكل مسلم ومسلمة على وجه الأرض، وهذا أمر لا نستشفه من هوية مموليه ومؤيديه المتعصبين فقط، وإنما أيضا من عنوان الفيلم الساذج أصلا. لكن الفيلم الساذج والمسيء نجح، كما يبدو، في تحقيق ما هو أبعد من هدفه الإستراتيجي المتمثل في الإساءة لنبي الإسلام ودينه، وتشويههما: لقد دفع بعض المسلمين إلى المشاركة بأنفسهم في وليمة الإساءة لنبيهم ومبادئ وقيم دينهم، وتشويههما بصورة أشد.

بعض ردود الفعل الإسلامية على الفيلم، الذي موله متعصبون يهود، وأيده متعصبون مسيحيون، أعادتنا إلى بعض ردود الفعل الإسلامية على قضية الرسوم الدانمركية المسيئة لنبي الإسلام صلوات الله عليه. وشخصياً، أعادتني ردود الفعل هذه إلى أحد مقالين علقت فيهما قبل سنوات على قضية الرسوم المسيئة، وكان موضوع أحدهما يدور حول النقطة نفسها التي يدور حولها هذا المقال. لم أعد أتذكر عنوان ذلك المقال على وجه الدقة، لكنه تمحور مع متن المقال نفسه حول نقطة جوهرية تتمثل في أن المسلمين الذين انتفضوا ثورة وثأرا لنبي الإسلام ورسالته السامية، وهاجموا بعض السفارات الدانمركية في عدد من البلدان الإسلامية، وجهوا للرسول ولرسالته إساءة أخرى أكبر، وقد أعادني المشهد البشع والوحشي للاعتداء على السفارة الأميركية في ليبيا، وقتل السفير جي كريستوفر ستيفنز، مع 3 دبلوماسيين آخرين، إلى أجواء مقالي المنشور قبل سنوات عديدة.

نقطة ارتكاز مقالي ذاك تمثلت في أن الاعتداء على السفارات والبعثات الدبلوماسية، بدعوى الاقتصاص لصورة الرسول الكريم وصورة الإسلام اللتين تعرضتا للإساءة والإهانة من قبل رسام الكاريكاتير والصحف التي نشرت الرسوم، مثّل إساءة إضافية أشد للرسول والإسلام. فالدبلوماسية الحديثة المتمثلة في السفارات والقنصليات، كما كتبت يومها، ما هي إلا شكل من أشكال الدبلوماسية القديمة التي كانت ممثلة بشكل رئيسي في مبعوثي الملوك والممالك، وحملة رسائلهم إلى الملوك والممالك الأخرى، أي: "الرُّسُل".

سفراء اليوم، وأي موظف دبلوماسي مبعوث من أية دولة للعمل في أية دولة أخرى، هم الشكل العصري الحديث لـ"رُسُل الأمس". وإذا كانت حماية واحترام "الرسُل" قد شكلت إحدى القيم العظيمة التي أكد عليها الرسول الكريم باعتبارها قيمة أساسية وجوهرية من القيم التي قامت عليها رسالته، فلابد أن الاعتداء على "رُسُل اليوم" -المتمثلين في السفراء ومبعوثي البلدان الأخرى المقيمين في بلداننا العربية والإسلامية- يشكل عملا جبانا وبشعا ووحشيا يتنافى كليا مع قيم محمد بن عبدالله (ص) ورسالته السامية.

مهاجمة وإحراق السفارة الأميركية في ليبيا بالصواريخ، ومشهد السفير الأميركي مقتولا، لا يمكن وصفهما سوى بأنهما اعتداءان وحشيان ليس على سفارة واشنطن وسفيرها كريستوفر ستيفنز فقط، وإنما على رسول الإسلام وديننا أيضا. فالاعتداء على "رُسُل اليوم" هو أمر ما كان محمد بن عبدالله (ص) ليقبل به على الإطلاق، وأكاد أن أجزم بهذا لو لم يكن القطع في مسألة كهذه غير موضوعي.

حُرْمَة السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين الغربيين وغير الغربيين في البلدان العربية والإسلامية، يجب أن تكون خطاً أحمر. وهي يجب أن تكون هكذا ليس لكونها قيمة إسلامية أساسية حثَّنا الرسول على عدم انتهاكها تحت أي ظرف وأي مبرر فحسب، وإنما أيضا لأنها قيمة أساسية حثت كل الرسالات والتشريعات السماوية والأرضية على احترامها. إنها قيمة إنسانية سامية وعظيمة تسابقت كل التشريعات السماوية والأرضية على وضعها في موضع يرقى إلى "المقدسات"، وكثيرا ما كانت ورقة تباهٍ تاريخية في أيدي الأمم. أليست الأدبيات التاريخية العربية من أكثر الأدبيات تباهيا بقيمة احترام الرسُل؟

إذا كان السفراء والمبعوثون الدبلوماسيون يمثلون الشكل العصري الحديث لـ"رُسُـل الأمس" الذين حرمت كل الرسالات والتشريعات السماوية والأرضية دماءهم في أي ظرف، وتحت أي مبرر، فإن "الحصانة العالمية" الممنوحة لـ"رُسُل اليوم" تمثل الشكل العصري والحديث للأعراف والقوانين التي حرمت قتل الرسُل أو المساس بهم في أي ظرف، وتحت أي مبرر كان. إن حصانة السفير والمبعوث الدبلوماسي الحديث تشكل امتداداً لحرمة دم وكرامة الرسول القديم، التي أكدت عليها كل الرسالات والتشريعات السماوية والأرضية منذ الأزل. هذه كانت نقطة أخرى أكد عليها مقالي الذي علقت فيه على ردود الفعل الإسلامية على الرسوم الدنمركية، قبل عدة سنوات، وهي نقطة أحياها مشهد الاعتداء البشع والوحشي على سفارة واشنطن، وقتل السفير وعدد من موظفيه في مدينة بنغازي الليبية اليوم.

لم يرشح إلينا من تفاصيل فيلم "سذاجة المسلمين" المسيء للرسول والإسلام، سوى النزر اليسير من مضمون الإساءة التي حملها الفيلم. فقد حرص الإعلام الناطق بالعربية على عدم الغوص في تفاصيل الفيلم، لكن من الواضح أن مضمون الإساءة ركز على العلاقة بين الإسلام والإرهاب، النقطة التي باتت تشكل "كَعْب أخيل" بالنسبة لهذا الدين، ومدخلا بالتالي لمهاجمته بلا هوادة من قبل المتطرفين اليهود والمسيحيين. لكن هذا لا يشكل سوى الخبر السيئ فقط في قصة الإساءة والتشويه اللتين حاول فيلم متدني المستوى إلحاقها بالإسلام ونبيه.

الخبر الأسوأ يتمثل في عمليتي الإساءة والتشويه اللتين تعرض لهما الإسلام ونبيه على أيدي بعض المتطرفين المسلمين المتوحشين من أدعياء حب الرسول واتباع ملته. فإذا كان الفيلم سيئ الصيت حاول إلصاق صفة البشاعة والوحشية بصورة الرسول الكريم ورسالة الإسلام، عبر عمل سينمائي يبدو متدني المستوى، فإنه قد فعل ذلك نظريا مهما بلغت درجتا الإساءة والتشويه.

في المقابل، وفي حين أن قتلة بنغازي المتوحشين لم ينجحوا عبر فعلتهم الإجرامية النكراء بإسقاط عمليتي الإساءة والتشويه النظريتين اللتين حاول الفيلم إلحاقهما بالنبي ورسالته، فقد نجحوا بصورة أكثر فاعلية وأبلغ أثرا في سباق محاولة إلصاق الإساءة والتشويه النظريين بالرسول، من اقترفوا جريمتهم الوحشية باسمه، وبدعوى الاقتصاص له وإنصافه. بعبارة أخرى، إذا كان فيلم "سذاجة المسلمين" حاول الإساءة للرسول والإسلام، وتشويههما نظريا، فقد فعل متوحشو بنغازي الأمر نفسه، ولكن بدرجة أشد وأبلغ، وبصورة عملية أيضا. وقد فاقم من الأمر أنهم أساؤوا للرسول والإسلام، وشوهوا صورتيهما عمليا تحت دعوى "نصرتهما".

غير أن "نصرة" الرسول والإسلام لا يمكنهما أن تتما بقتل رسول بلد ما في بلد إسلامي على هذا النحو البشع والوحشي، إلا إذا لم يكن محمد بن عبدالله هو محمد بن عبدالله، والإسلام هو الإسلام.

عن صحيفة الاولى

الحجر الصحفي في زمن الحوثي