ماتقوله أصوات اليمنيين لرئيسهم الجديد

كتب
الجمعة ، ٢٤ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١٢:١٢ صباحاً

مصطفى راجح

في أكثر من لحظة تاريخية فاصلة أثبت الوعي الشعبي اليمني تقدمه وتجاوزه لوعي «النخب» وإدراكه لحقائق الواقع الملموس دونما ضجيج أو كلام كثير وجمل ادعائية ملتبسة..
خرج اليمنيون بكثافة لم تألفها الانتخابات الديكورية في العقدين الماضيين.. ذهبوا الى صناديق الاقتراع ليؤكسوا على مرحلة كابوسية أسقطوها، وليمنحوا الرئيس التوافقي شرعية شعبية هي شرط نجاحه وفاعليته في أداء دوره ومهامه لما بعد 21 فبراير.
هذه المشاركة التي فاقت كل التوقعات تعطي الرئيس الجديد والتسوية السياسية عموماً الأرضية الصلبة التي يقف عليها بثبات ، شرعية شعبية كاسحة لم يسبق لها مثيل في تاريخ اليمن.
لم تكن هذه المشاركة الواسعة التي فاقت كل التوقعات مضمونة، فقد كانت كل الاحتمالات قائمة وممكنة بما فيها احتمال العزوف عن المشاركه في انتخابات بمرشح وحيد. لكن الصورة بانت تدريجياً من صباح الثلاثاء عن وضع مختلف ، ومرد اختلافه ليس دعاية المشترك ولا ادعاءات المؤتمر الكاريكاتورية، بل الوعي العميق بمجرى التاريخ ومتطلباته الذي يختزنه الوعي الشعبي البسيط ويعبر عنه بهدوء في اللحظة الفاصلة دونما مزايدات أو إدعاءات نخبوية فارغة المعنى ومفتقرة للمسؤولية الاخلاقية كالتي أصمتنا بها أسماء منتفخة كنا نظنها كبيرة.
مثل هكذا نتيجة أفرزتها المشاركة الواسعة والمكثفة لليمنيين تقذف بالكرة مباشرة إلى ملعب الرئيس الجديد الذي يتحمل المسؤولية الأولى في إنفاذ الإرادة الشعبية باعتباره رأس الدولة ورأس حربة التسوية السياسية ومحورها في المرحلة الانتقالية الثانية.
وخلاصة هذه الرسالة الشعبية أن الرئيس الجديد لم يعد لديه أي حيثيات يمكن أن يستند إليها للقبول بتعطيل فعاليته، والتباطؤ في السير نحو تنفيذ برنامج إصلاح اليمن، من خلال عناوينه في مضامين الآلية المزمنة، وأهداف الثورة الشعبية السلمية كإطار عام باعتبارها الأصل والتسوية السياسية هي الفرع الذي وجد لترجمة أهداف الثورة وتحقيقها بصيغة سياسية.
لقد تابع اليمنيون أداء هادي خلال الأشهر الماضية وهو يخطو بحذر كمن يمشي في حقل ألغام كان حذراً وصبوراً ، ومعذوراً في حذره وصبره وهدوئه وهي نفسها الصفات التي زادت مستوى ثقة الناس فيه وقدمته لهم بخلاف ما كان متوقعاً لدى بعض الأوساط التي ثابرت على تثبيط تفاؤل اليمنيين به ومراهناتهم على صبر الرجل وحكمته ومهنيته كقائد عسكري محترف .
كل ذلك يختلف الآن مع هذا التأييد الشعبي الكاسح، مواصلة الرئيس الجديد سلوك الحذر أو القبول بتعطيل صلاحياته بعد أن أصبح رئيساً لليمن ، ومدعوماً بهذه الشرعية الشعبية القوية سيكون له رد فعل عكسي ، وسيبرز إذا ما حدث كعامل سلبي مؤثر على مرحلة يزدحم جدول أعمالها بمهام تأسيسية كبرى، دولة القانون والحوار الوطني في قمتها.
كلمة السر في فعالية الرئيس عبد ربه ومفتاح نجاحه لهما عنوان واحد: استعادة مؤسسة الجيش، وتحريرها من الإرتهان للإرادة الفردية العائلية ، لتكون محكومة بالإرادة الوطنية ومصلحة البلد ، والأداة الفاعلة لإنفاذ هذه الإرادة الوطنيه الجامعة.
يحتاج الرئيس الذي باركته إرادة الشعب الى استيعاب وضعه الجديد كصاحب قرار كامل ونافذ وليس مجرد شرطي مرور بين الفرقة والحرس. ومن دون توحيد الجيش واستعادته من بين مخالب العائلة سيبقى الرئيس ومؤتمر الحوار الوطني والمسار السياسي عموماً تحت رحمة المسيطرين على المؤسسة الوطنية الكبرى والتي حولها صالح الى إقطاعيات خاصة لأبنائه وأقاربه.
ولن يكون بإمكان الرئيس الجديد أن يستوعب دوره ومكانته المحورية مالم ينطلق في تفكيره من الإقرار بواقع انتصار الثورة الشعبية السلمية التي قفزت به من الهامش الى واجهة البلد وحولته من صفر على شمال صالح إلى الرقم واحد في اليمن . مثل هكذا حدث ثورة كبرى وليست الأزمة الى نتاج لأساليب صالح التي أفرط فيها في محاولته تجنب سقوطه المحتوم بفعل الثورة .
فخامة الرئيس الرصين: أنت الأقوى الآن، لأنك في سدة المركز السيادي للبلد ...فقط استوعب هذه الحقيقة واعترف بثورة الشعب الذي منحك تأييده الكاسح وبادر بترجمة التغيير إلى قرارات جمهورية....

الحجر الصحفي في زمن الحوثي