التشويه.. السلاح الإمامي القديم الجديد

همدان العليي
الاربعاء ، ١١ نوفمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٤٣ صباحاً

ما تزال الشّائعات وحملات تشويه صورة الأحرار وقواميس البذاءة ومفردات التكفير، واحدة من أبرز الأسلحة التي تستخدمها الإمامة -بنسخها وأشكالها المتعددة- في مواجهة اليمنيين الذين يرفضون عنصريتها وجرائمها وعمليات النهب المستمرة منذ أكثر من ألف عام حتى هذه اللحظة.

وقد أتاح التطور التكنولوجي وثورة الاتصال والمعلومات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى فرصة لعصابة الحوثي، باعتبارها الإمامة بنسختها الأخيرة، في خداع وتضليل اليمنيين وغيرهم مستغلين البنية التحتية الإعلامية الضخمة التي سطوا عليها بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومدن أخرى، من مؤسسات حكومية وخاصة تحتوي على ذاكرة البلد الثقافية، وقنوات وصحف، بالإضافة إلى سيطرتهم على شركات الاتصالات السلكية واللا سلكية.

استغل الحوثيون هذه الإمكانيات إلى جانب دعم المنظومة الإعلامية الشيعية في الخارج، في رمي كل من يقف ضد الحوثيين من اليمنيين بتهم الارتزاق والعمالة، بهدف إرهاب وإسكات كثير من اليمنيين في الداخل والخارج خوفاً من أن يبطش بهم الحوثيون وينهبوا أموالهم أو يفجروا منازلهم بناءً على هذه التهم والأكاذيب.

ذرائع متقلبة 

بدأ الحوثيون حربهم في صعدة 2004 بذريعة محاربة الجنود الذين يعملون مع النظام اليمني العميل لأمريكا وإسرائيل، بحسب زعمهم. فجروا منازل المواطنين وقتلوا كثيراً منهم وهجّروا البقية ونهبوا أموالهم، لأنهم يوالون "هذا النظام العميل"!! وفي 2011، اقتحموا مؤسسات الدولة في صعدة وسيطروا على المحافظة، بتواطؤ من بعض الأطراف، بذريعة أن النظام الحاكم فاسد. وخلال 2013 -2014 قاموا بحصار آلاف المدنيين في مدينة دماج في صعدة ومنعوا عنهم الماء والغذاء والدواء وقصفوهم بمختلف الأسلحة ثم قاموا بتهجيرهم، بعدما أشاعوا بأن سكان هذه المدينة عبارة عن "تكفيريين ومتطرفين".

ثم بدأت عملية التحريض ضد قبائل عمران التي أشاعت بين الناس بأن هذه القبائل "قوى تقليدية ويجب اجتثاثها لأنها سبب توقف التنمية والأمن والاستقرار"، وصولاً إلى القول بأن محافظ محافظة عمران، محمد حسن دماج، والعميد الركن حميد القشيبي قائد اللواء 310 مدرع، عبارة عن فاسدين ويجب إسقاطهما، وجعلت ذلك مبرراً لشن حرب على المحافظة استمرت لأيام وراح ضحيتها آلاف المدنيين والعسكريين. أحاطت مليشيات الحوثي بالعاصمة صنعاء بعدما حرضت السكان ضد الحكومة اليمنية متخذة ذريعة "الجرعة" ورفع الأسعار، وأشاعت بأنها ستدخل صنعاء لتنهي فساد آل الأحمر وعلي محسن وتطرف جامعة الإيمان وتحول معسكر الفرقة الأولى مدرع إلى حديقة ثم تعود أدراجها إلى صعدة، لكنها وبعد ما سيطرت على صنعاء، رفعت مبرراً جديداً وأشاعت بين الناس بأن سكان محافظة البيضاء ينتمون لتنظيم القاعدة لتبرر حربها على المدنيين وتمارس أبشع الجرائم ضدهم.

وبعد سيطرتهم على البيضاء، توجهت العصابة إلى المناطق الوسطى وتعز بعدما نشرت عبر وسائل إعلامها بأن كل من يرفضون انقلابها على الحكومة الشرعية عبارة عن "دواعش"، جاعلة هذه الأكذوبة مبرراً جديداً لقتل الناس ونهبهم وتفجير منازلهم حتى يوم 26 مارس 2015 وهو اليوم الذي أعلنت فيه دول عربية مختلفة تدخلها العسكري في اليمن لاستعادة الشرعية استجابة لدعوة الرئيس عبدربه منصور هادي، ومنذ ذلك الحين بدأت مليشيات الحوثي استخدام تهم وأكاذيب جديدة لتشويه صورة الأحرار الرافضين لها وتبرر قتل اليمنيين وتهجيرهم واختطافهم واستحلال أعراضهم وأموالهم.

"دواعش، مرتزقة، وخونة، وعملاء للعدوان الخارجي" كانت هذه أبرز الأكاذيب التي استخدمتها لتبرر قتل وسجن ومحاكمة ومطاردة كل من لا يتفق معها فكرياً وسياسياً، وتدفع كثيراً من اليمنيين للصمت وعدم ممارسة حقوقهم في رفض الكهنوت العنصري السلالي كي لا يكونوا هدفاً لها.

في 2017، وبعد ظهور ملامح الخلاف المؤتمري الحوثي، طرأ خطاب جديد واستخدمت مسميات جديدة لتشويه صورة كل من يرفض انتهاكات الحوثيين وجرائمهم من المؤتمريين، فوصفتهم بـ"المنافقين والطابور الخامس ومن باعوا ضمائرهم بالمال الأجنبي" إضافة إلى سيمفونية الأكاذيب السابقة "الخونة والعملاء للخارج". وبعد استشهاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبدء تشكيل قوات حراس الجمهورية في الساحل الغربي، بدأت العصابة الحوثية باستخدام مصطلح "المرتزقة" بشكل واسع كوسيلة جديدة لإرهاب الناس وتحقير كل حر يغادر مناطق سيطرة الحوثيين مضطراً للالتحاق بجبهات القتال أو بقية اليمنيين في الخارج لدعم جهود تحرير اليمن واستعادة الجمهورية واغتيالهم معنوياً. استخدمت عصابة الحوثي هذه الأكاذيب والشائعات لتشويه صورة وسمعة كل جمهوري حر يرفض العبودية للسلالة التي تدعي بأنها مميزة عن غيرها من البشر، بالرغم من أن نسبة من الأحرار الذين وقفوا ضدها هم من فئة الأكاديميين والسياسيين والعسكريين المعروفين والعلماء والمعلمين والصحفيين والحقوقيين والأدباء والشعراء والرسامين والمحامين وغيرهم.

تلميع الكهنة واللصوص

في مقابل ذلك، استخدمت الحوثية آلتها الإعلامية في قلب الحق باطلا والباطل حقا، وذلك من خلال تصوير العنصريين واللصوص وقطاع الطرق وأصحاب السوابق والفاشلين في تعليمهم والانتهازيين والفاسدين على أنهم ثوار وأحرار يدافعون عن كرامة اليمن وسيادتها، بالرغم من أنهم يخرجون من منازلهم ويحملون أسلحتهم على أكتافهم ويقطعون مسافات بعيدة ليقوموا بالاعتداء على اليمنيين الآمنين في منازلهم في تعز وعدن ومأرب والحديدة والجوف والبيضاء والضالع وشبوة ويقتلون كل من يرفض ظلمهم ويفجرون منازلهم بعد سرقة أموالهم.

يعرف اليمنيون بأن الحوثي وأخاه يحيى لم يحصلا قط على شهادة علمية وإنما تعلما دروساً مذهبية على يد والدهم المتطرف. يعرف اليمنيون بأن المدعو أبو علي الحاكم متهم بقضايا سرقة، وأن فارس مناع تاجر سلاح، وأن عبدالسلام فليته تاجر سوق سوداء للغاز والنفط، وأن دغسان أحمد دغسان مهرب مبيدات زراعية محرمة دوليا، وأن معظم قيادات هذه الجماعة كانوا ولا يزالون يهربون القات والحشيش لدول الجوار وأن أغلب اللصوص وأصحاب السوابق والفاشلين والانتهازيين في الأحياء والقرى اليمنية بل والمحكوم عليهم في قضايا جنائية أصبحوا هم جيش الحوثيين اليوم، وأن المتعلم منهم ينتمي للسلالة الهاشمية التي تزعم بأنها أحق بحكم اليمن واصطف مع الحوثيين بداعٍ عرقي. منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، بث الإعلام العسكري للقوات المشتركة في الساحل الغربي اليمني، فيديو للاعترافات الكاملة لخلية حوثية تعمل ضمن شبكة تهريب الأسلحة الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني وهم: (علي الحلحلي وعلوان فتيني غياث، محمد عبده جنيد). يومها كشف العقيد يحيى أبو حاتم وهو مستشار بوزارة الدفاع، بأن عناصر هذه الخلية كانوا مطلوبين للأجهزة الأمنية، قبيل الحرب، في قضايا تهريب ممنوعات عن طريق المخا وغليفقة والجاح وخبت البقر وصولاً إلى حيس والجراحي، مؤكدا بأنه سبق وألقى القبض عليهم تاريخ 14/7/2010 أثناء عمله قائداً للانتشار الأمني في الساحل الغربي وضابط أمن الخوخة وتم تسليمهم لإدارة أمن الحديدة في حينها.

رمتني بدائها وانسلت

وحول الشائعات وتشوية صورة الأحرار في اليمن، صدر عن الباحث اليمني المتمكن الدكتور ثابت الأحمدي كتاب بعنوان "الهادوية في اليمن - تاريخ من الافتراء" استطاع من خلاله التأكيد على استخدام هذه السلالة لسلاح تشويه صورة الأحرار الرافضين لجرائمهم.

يقول الكاتب في بداية كتابة بأن "أما الشائعات فعادة ما تستهدف الخصم أو العدو؛ إذ ترميه بكل نقيصة، وتلصق به كل رزية، ازدراءً منه وتهويناً من شأنه، وهي تفعل فعل السحر إذا ما أتيح لها أن تستشري وتتسع يوماً بعد يوم، وتصبح مع مرور الأيام عقيدة في ذهنية البعض".

ويؤكد المؤلف بأن أجداد الحوثيين استخدموا هذا السلاح ضد كثير من أحرار وأبطال اليمن أمثال الشيخ الدعام وهو من أكبر الشخصيات اليمنية في حينه والذي عرف برفضه لحكم يحيى حسين الرسي. كما استخدموا سلاح تشويه الأحرار من بلاد "الأعصوم" وهي منطقة على مسير يوم من خيوان.

وعمل أبناء الرسي على تشويه صورة الثائر اليمني علي بن الفضل. ثم جاء من نسلهم السفاح عبدالله بن حمزة من أشهر أئمة الهادوية الجارودية في اليمن والذي استخدم الشائعات والأكاذيب "كمقدمة لاستحلال الأرواح والأموال والأعراض، وكثيرا استباح الأئمة أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، وقد ألّبوا العامة على خصومهم بالشائعات والتحريضات التي تُعتبر أداة حربية من أدواتهم عبر التاريخ".

ولم يسلم علماء اليمن ورموزهم من إساءة هذه السلالة ومحاولة تشويه صورتهم أمام اليمنيين مثل أبو محمد الحسن الهمداني ونشوان الحميري والإمام محمد بن علي الشوكاني والفقيه سعيد بن ياسين والأكوع والنعمان والزبيري والإرياني "وغيرهم من الشباب الذين تأثروا بالمتغيرات الجديدة كان أمضى سلاح واجههم به الإمام يحيى أمامَ الشعب الذي يعيش عزلته التاريخية آنذاك أن هؤلاء الشباب هم من "العصريين" الذين يريدون "اختصار القرآن الكريم" وترك الصلاة والصيام، وهم من المتأثرين بالنصارى وبالغرب الكافر؛ أما صفة "الدستوريين" ــ المدسترين باللهجة الصّنعانية ومن يشربون الخمور والملحدين وغيرها من الشائعات والأكاذيب".

تشويه يطال الأعراض 

بل إن "من الملاحظ أن المرأة اليمنية كانت من أبرز ضحايا هذا السلاح، فقد تركزت شائعاتهم سابقا في الجانب الأخلاقي بصورة ملحوظة من لدن المجرم الأول يحيى حسين الرسي وأحفاده تتكرر اليوم تجاه الناشطات من النساء بدرجة رئيسية؛ حيث تم اتهامهن بتهم أخلاقية، لحساسيّة المجتمع اليمني تجاه هذا القضية، ولنزع الثقة عنهن من قبل المجتمع؛ ذلك أن الناشطات الحقوقيات والسياسيات من النساء قد برزن في البداية صوتاً مرفوعًا ضد تصرفات الحوثي الهمجية. وقد استقصى تقرير الخبراء التابع للأمم المتحدة هذه الحالة بعد أن صرحت بعض الناشطات بما يجري في سجون الحوثي، والذي تم تقديمه في يناير كانون الثاني 2020م، حيث قال: "في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تُستهدف النساءُ بشكل مباشر وغير مباشر عندما يكن، أو يعتبر أنهن يشكلن تهديدًا لحكم الحوثيين. وقد وثق الفريق نمط قمع متزايد للنساء. وفي الحالات التي وثقها الفريق ومجموعها أحد عشر حالة، تعرضت النساء للاعتقال، والاحتجاز، والضرب، والتعذيب و/أو الاعتداء الجنسي بسبب انتماءاتهن السياسية أو مشاركتهن في أنشطة سياسية أو احتجاجات عامة. وتم تهديد هؤلاء النساء بتوجيه تهمة البغاء أو تهمة الجريمة المنظمة إليهن في حال استمرارهن في القيام بأنشطة ضد الحوثيين".

خلاصة ما سبق، يمكن القول بأن هذا السلاح الإمامي القديم/الجديد أصبح ضعيفاً اليوم أمام وعي اليمنيين وفهمهم لما يحدث.

على هذه العصابة أن تدرك بأن جيل الجمهورية اليوم قادر على مواجهة الخرافة وسيل الشائعات والأكاذيب وماكنة التحريض الإيراني ضد الأحرار الرافضين للنازية السلالية.. والله المستعان.  

الحجر الصحفي في زمن الحوثي