ميركل أسطورة لن تتكرر في تاريخ السياسة الألمانية والأوروبية على السواء!!

د. عبدالحي علي قاسم
الخميس ، ٢٩ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٣:٣٠ مساءً

    لا شك لدي أن المستشارة ميركل هي فلتة، وظاهرة من النجاح لن تكررها مصانع السياسة الأوروبية لا سيما الألمانية، لقد عقمت أوروبا أن تنتج رجلا بحجم ميركل وليس امرأة، وربما العالم. ترى الفرق شاسعا، ومهولا، عندما تولي بطرفك السياسي للجارة المغبونة فرنسا، بشقاء، وتخبط رئيس من المفترض أنه متفرغ لموضوع مصالح، ومهام وطنية أكبر من أن يضع بيضه السياسي في مسخرة رسام كاريكاتوري موتور، ويفرط بمصالح بلده الإستراتيجية حول العالم. إنها لعنة الاختيار الشعبي عندما تخطئ التقييم، وتنجر بسذاجة وراء شكل فارغ الحكمة، والمحتوى السياسي، والتدبيري. 

    هنا! وهنا فقط! يقف العقل التحليلي منبهرا، وعاجزا عن نظم لغة التحليل والوصف، ولا يسعف حتى منهج صانع القرار، واقتراب القيادة، والعاقل الفاعل في صنع السياسة، لفهم أسلوب ميركل السلس، وعالي الكفاءة في محيطها الداخلي، وبيئة التأثير في صناعة كل تلك القرارات المدروسة، والتي تثبت الأرقام والوقائع نجاعتها، وحنكتها، وتوقيتها زمانا ومكانا، بدونما صخب، واستثمار في فتات الأصوات، واستجداء ودغدغة عواطف التشنج ممن يعيشوا خارج المنطق، ومعطيات التعايش والعصر.

    ميركل المرأة العاقل الفاعل في منهجية السياسة الأكاديمية الأمريكية المفقودة في واقع البيت الأبيض، جاءة من مختبرات الكيمياء متسلحة صبرا على النتائج عندما تكون المدخلات مدروسة بعناية، وهذه نظرية ناجحة، استلهمت نقلها بعناية من المعامل إلى مطابخ صناعة القرار بالشراكة.

ميركل قيادية لا تعيش وهم البروباجندا العقيمة، والمنفوخة، والممجوجة بالأكاذيب، وعبثا أن تفكر بالوصولية التي يدمنها غالبية ساسة العالم على حساب الآخرين، مثلما هي في غنا عن ميدان الانتهازية السياسية، والشحن العاطفي للهروب من ركام التخبط والفشل، وصناعة الأزمات الخارجية، وخلق الثارات وإحياء صراع الحضارات للفت أنضار الشعب عن واقع تردي الأوضاع، وفشل المعالجات، وتحديدا مع جائحة كورونا العالمية.

ميركل أثبتت الجائحة أنها حكيمة زمان السياسة، ورائدة إدارة الأزمة، التي سقط في براثنها الأوروبي المتقدم والعربي على السواء.   وبوعي الشعب الألماني العريق، والتزامه، ومثابرته وتعاونه، سوف تخرج ألمانيا الأقوى، والأقدر على تجاوز، وتخطي آثارها النفسية والاقتصادية.

حقيقة الشعب بالقائد، والقائد أكثر نجاحا بشعبه، وهذه سر لغة القوة الألمانية وماكنتها الإبداعية. ميركل هي القائد الأكثر إنسانية وبلا منازع أوروبيا وعالميا. والآخرين في الغالب شعارات أكثر منها حقائق وأرقام، هي الأكثر نضجا ونجاحا وعطاء والتزاما تجاه شعبها ومحيطها الأوروبي، وقد لمسه الألماني وغيرهم من المهاجرين في ألمانيا طوال مدة الجائحة، فهل هذه الفلتة السياسية والإنسانية قابلة للتكرار في أوروبا والعالم، صدقوني أشك في ذلك، وليس بوسعي أن أتخيل إمرأة تكررها وتصنعها السياسة بحجم ميركل. هذا رأيي وربما يشاركني ويختلف معي فيه الآخرين لكن ميركل قائد وعطاء سيتذكرها الألمان والعالم بإعجاب وإجلال، ولولا أنها قد عزمت الرحيل عن الاستشارية في وقت ألمانيا وأوروبا والعالم بأمس الحاجة لبقاءها لكنها سنة التداول وثقافة الديمقراطية التي يكفر بها المستبدين.  

أخيرا، أقول ميركل أسطورة قيادية لن تتكرر ألمانيا وأوروبيا، وأما إنسانية لا تضاهى في التاريخ المعاصر.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي