دور التشريعات الوطنية في الحماية وتمكين النساء على ضوء القرار 1325

هدى الصراري
الاربعاء ، ٢٨ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ١٢:٥٤ صباحاً

 

تمر علينا الذكرى العشرين لصدور القرار 1325 حول المرأة والامن والسلام وما زالت اليمن تخوض نزاع مسلح للعام السادس على التوالي تراجع فيه وضع النساء في اليمن وتعرضن لشتى أنواع العنف الممنهج واندثرت كل الإنجازات التي كنا نحظى بها على الرغم من محدوديتها .  وبالرغم من ذلك فأننا نحظى بدعم وحراك نسوي كبير ونحتفل بذكرى صدور القرار ضمن (مجموعة التسعة) بالشراكة الفاعلة والجادة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فيما يلي سوف اتحدث عن أثر القرار على واقع المرأة اليمنية في ظل النزاع المسلح ومسألة حمايتها من جميع أشكال العنف واتخاذ إجراءات بذلك وضمان مشاركتها السياسية .

يعتبر قرار الأمم المتحدة رقم 1325 الصادر من مجلس الامن لعام 2000 م من أهم الالتزامات التي صدرت عن المجتمع الدولي بالنسبة لمشاركة المرأة في المحافظة على الامن والسلام وبصفته صادراً عن مجلس الامن فانه يعتبر جزءا من القانون الدولي .

دعا القرار كل الأطراف التي توافق على اتفاقيات السلام الى تبني وتطبيق المنظور الجنساني في محاور تتضمنها عملية السلام وأهمها تلك التي تدعو أطراف النزاع الى حماية النساء والفتيات من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي والذي اعتبره القانون الدولي الإنساني من جرائم الحرب (كالاغتصاب ) والسعي الحثيث لإدانة أطراف النزاع واسقاط الحصانة من الإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن كافة جرائم الحرب ومنها المتعلقة بالعنف الجنسي وكافة أشكال العنف الأخرى ضد النساء والفتيات . 

 في اليمن تتحمل  كافة الأطراف مسؤولية الانتهاكات التي تجري ضد النساء والفتيات كما تتحمل مسؤولية حمايتهن وطلب المساعدة من وكالات الأمم المتحدة العاملة في هذا المجال ومن أجل تحقيق السلام ينبغي لزاماً الضغط على أطراف النزاع في اليمن بإشراك النساء في حل النزاعات وتوفير الحماية والمساعدة والتدريب لمن هن بحاجة لذلك، كما يحتاج التصدي لكافة أشكال العنف ضد المرأة التمسك بكل الوسائل عن طريق القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية وتعزيز مفهوم المسائلة الجنائية للجرائم التي ترتكب في النزاعات المسلحة. 

أولا/ حماية النساء في التشريعات الوطنية : 

لا تزال الحماية القانونية للمرأة ضعيفة على أرض الواقع مع الاعتراف بوجود بعض المحاولات ومشاريع قوانين جُمدت بفعل النزاع المسلح ، فلا يوجد تشريع قانوني خاص يجرم العنف ضد النساء في اليمن ويتم الاستناد فيما يخص حالات العنف ضد المرأة الى نصوص قانون الجرائم والعقوبات دون مراعاة الأوضاع والاحتياجات الخاصة للنساء والمعنفات وفي الأخير يتم تكييف الجرائم بشكل خاطئ يسقط حق المرأة في القصاص من الجاني او التبرير له كونه ولي أمرها . 

وهناك جرائم تُرتكب بحق النساء تٌعد من جرائم الحرب اثناء النزاع المسلح (كالاغتصاب) ففي الأحوال المشددة للعقوبة تجرم المادة (269) الاغتصاب بعقوبة (7) سنوات تصل الى (15) سنة اذا كانت الضحية قاصراً، أما الاحكام اليمنية في الاعتداءات الواقعة بحق النساء أو ما يسمى بجرائم الشرف فأن النصوص التشريعية تسوق فكرة القتل والاعتداء من أجل حماية العرض والشرف وتشجع على ارتكاب العنف الاسري وهذا بنص المادة (232) من قانون الجرائم والعقوبات، ولا يوجد تعريف واضح للعنف ضد النساء وللقضاة الحق في استخدام سلطتهم التقديرية في تقييم حالات العنف وتكييفها وفقاً للسلطة المخولة للقاضي وتتحكم المفاهيم المتعلقة بالنوع الاجتماعي لدى أعضاء السلطة القضائية على حساب حقوق النساء وسلامتهن الشخصية . 

فيما يخص جرائم الاتجار بالبشر بأشكاله المتعددة في بلد مثل اليمن  في ظل النزاع المسلح تعاني النساء والفتيات من هذه الانتهاكات بشكل متكرر وبصورة قسرية بينما لا يوجد تشريع خاص بجرائم الاتجار. وهناك صور مختلفة من الاعتداءات المصنفة بالعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي وتمارسها الأسر وفق العادات والتقاليد (كختان الاناث) وتلحق ضرر نفسي وبدني كبيرين بالفتيات وللأسف هذه الممارسات لا تجرمها القوانين اليمنية بناء على الدراسات والتقارير المنشورة بخصوصها .

يعتبر الزواج المبكر من الانتهاكات التي تمارس في اليمن في حال السلم كما   في الحرب ويٌمارس على نطاق واسع ومؤخراً ارتفعت وتيرته بسبب النزاع المسلح نظراً للفقر وسوء الاقتصاد وتوقف موارد البلد واستغلال المدارس كثكنات عسكرية في مناطق النزاع وتهجير الأسر ونزوحها ولا يوجد في التشريعات اليمنية تحديد للسن الأدنى للزواج بالنسبة للفتيات كما ويعطي القانون ولي أمر الفتاة  الحق بعقد زواجها وهي طفلة. كرس قانون الأحوال الشخصية نصوص تمييزية ضد النساء بحيث تبقى الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع دون مراعاة خصوصية النساء وحقوقهن من وجهة نظر المشرع الرجل، وعادة ما يتم تعطيل مؤسسات انفاذ القانون في النزاعات المسلحة ومنها تعطيل العمل بالتشريعات الوطنية وتبرز الجماعات الدينية والمسلحة التي ترتكب انتهاكات وتهدد أمن وحياة النساء وتعطل الحياة العامة وتبث الخوف والرعب بالإضافة الى سطوة الخطاب الديني المتشدد استغلالاً للفجوة القانونية وغياب مؤسسات الحماية . 

ثانيا / حماية النساء في التشريعات الدولية: 

يتضمن القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف الأربع) بعض المواد المتعلقة بحماية النساء في النزاعات المسلحة وتشير هذه البنود الى ضرورة ضمان الحماية الخاصة للنساء والأطفال ضمن المسؤوليات العامة لحماية المدنيين ، بينما يتم اعطاءهن معاملة اكثر تفضيلاً على سائر المدنيين في بعض مواد القانون فيما يتعلق بتوفير الحماية للحوامل وتوفير الأغذية للحوامل والمرضعات واحتجاز النساء عند الضرورة وتفتيشهن والاشراف عليهن من قبل النساء وأهم المواد  هي المادة (27) التي توجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن و لا سيما الاغتصاب والاكراه على الدعارة أو هتك العرض.

تظل  الاتفاقيات والمعاهدات حبراً على ورق ويسمو الدستور عليها بالتالي لا يتم الاعتداد بها اثناء التقاضي نظراً لضعف وعي السلطة القضائية بالاتفاقيات المتعلقة بالمرأة وعدم موائمتها بالتشريعات الوطنية، كما لا تعتبر القوانين الوطنية المرأة كياناً مستقلاً بل مجرد (تابعة) هذا أدى  الى وجود ثغرة بين القوانين والمبادئ وبين الالتزامات القانونية وفقا للقرار 1325 واتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة وكافة المواثيق والاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان من جهة أخرى، وعلى الصعيد الآخر لا يتم تفعيل آليات حماية النساء اثناء النزاعات المسلحة وما بعدها خاصة للنازحات واللاجئات وفقدان الدعم الأسري والمجتمعي ولا توجد مؤسسات أو هيئات لتطبيق القانوني الإنساني الدولي على صعيد الحماية ولا يتم دمج النساء في هذه الاليات. 

ثالثا / المشاركة السياسية للنساء: 

تظهر مستويات مشاركة النساء في الهيئات التشريعية والمنتخبة في اليمن أدنى مستوياته وكذلك في على كافة مستويات صنع القرار في الحكومة، فلا يوجد أي تحسن بالرغم من الحقوق التي خرجت بها النساء بعد مؤتمر الحوار الوطني بإقرار تمثيل النساء بما لا يقل عن 30% في كافة مواقع صنع القرار وهناك معوقات لوصول النساء ترجع لاستمرار الحرب بالإضافة الى معوقات ثقافية ولا تدعم الأحزاب السياسية ترشحهن للانتخابات وكافة التعينات تتم عبر المحاصصة السياسية، نحتاج في اليمن لمعالجة هذا الموضوع قانونياً لحث والزام المسؤولين على اتخاذ قرار حاسم بتعيين النساء في جميع مستويات صنع القرار عبر تطبيق نظام الكوتا لضمان وصولهن وتغيير مفاهيم مرتبطة بأنماط النوع الاجتماعي.

وتهمش النساء اثناء مفاوضات السلام التي تتبناها الأمم المتحدة بين طرفي النزاع وذلك فيه تجاوز للقرار  1325 الذي يقضي بأشراك النساء بشكل واسع في كافة مساقات السلام. 

ومن خلال ما تقدم فأنه ينبغي تطبيق القرار 1325 على الصعيد الوطني لحماية حقوق النساء في حالات النزاع المسلحة من خلال الإصلاح التشريعي بدأ بتغيير النصوص التمييزية واجراء الدراسات القانونية لتطبيق منهجية شاملة للتغيير وسن قوانين جديدة تحمي حقوق النساء مع الغاء كافة النصوص التمييزية ضد المرأة ورفع سقف حماية المرأة من العنف وجرائم الشرف والختان والعنف الاسري وسد الفجوات في هذه التشريعات التي تعطي الحق لولي الامر أو من في مقامه  لممارسة الجرائم والايذاء البدني وإلغاء أي نصوص تكافئ المنتهكين. كما يجب مراجعة القوانين التي تمس بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاجئين ووضع اليات توفر الحماية للنساء اللاجئات وتطبيق القرار 1325 فيما يخص حماية المدنيين في النزاعات المسلحة خاصة تلك المتعلقة بمراعاة احتياجات النساء بما فيها المادة (27) الهادفة الى حماية النساء والفتيات من العنف والاعتداءات. أيضاً مراجعة سريان قانون الجنسية فيما يخص منح اليمنية جنسيتها لأولادها بأثر رجعي وليس من تاريخ صدوره. اعداد دراسات وقواعد بيانات تختص بمنهجية انتهاكات حقوق النساء بما في ذلك الانتهاكات التشريعية. 

*هدى الصراري رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات ( أعدت المادة للدورة التدريبية التي نظمتها" شبكة أصوات السلام النسوية" خلال الفترة من 21  – 24 أكتوبر 2020م بمناسبة مرور الذكرى العشرون على القرار 1325).

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي