المغترب اليمني بين إهمال مسؤولي الحكومة وإبتزاز مسؤولي المنفذ الحدودي ( 1 - 2 )

علي هيثم الميسري
الجمعة ، ٠٢ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ١١:١١ مساءً

بادئ ذي بدء أود أن أبعث لعناتي ولعنات الشعب اليمني لكل جندي وقائد عسكري في النقاط العسكرية ومنفذ الطوال الحدودي إستغل حاجة المغتربين اليمنيين للمغادرة لأعمالهم في السعودية وإبتزهم وسلبهم أموال دون وجه حق ، ولعناتي ولعنات الشعب اليمني لكل مسؤول شاهد تلك المعاناة والمآسي لأولئك المغتربين العائدين للمهجر لطلب لقمة العيش التي لم يجدوها في وطنهم المنهك منذُ زمن عصابة عفاش الفاشي إلى أن جاء لهم العربان لينكلوا بهم في عقر دارهم المسمى بالوطن اليمني ولم يحركوا ساكناً ولو بمناشدة زائفة وعلى إستحياء ، ماذا عساي أن أقول ؟ لن أقول إلا هذه العبارة الشائعة : الوطن الذي يتزاحم فيه مواطنيه لمغادرته بفرح لا يـُعـَد وطناً .

     سأروي لكم حكاية معاناة عشت واقعها : عندما أقرت حكومة المملكة العربية السعودية السماح بعودة المقيمين على أرضها وإشترطت على الراغبين بالعودة إستخراج وثيقة تثبت خلوهم من فيروس كورونا لا تتعدى صلاحيتها ال 48 ساعة من توقيت إستلام الوثيقة حتى الوصول إلى منفذ المغادرة ، وكنت من ضمن أوائل المهرولين وراء هذه الوثيقة لي ولأفراد أسرتي ، فذهبت لمختبر مستشفى الجمهورية ووجدت هناك أولى المعاناة حينما شاهدت جمهور كبير من المراجعين ، كان القائمين على الفحص يعملون بعشوائية مفرطة ولم يكترثوا لآلام الناس وحاجتهم لهذه الوثيقة ولا للزحام الذي إكتض به أولئك على أبواب مختبر مستشفى الجمهورية .

     ذهبت أولاً مصطحباً معي ولدي لأتحسس شروط الحصول على هذه الوثيقة فوجدت زحاماً لا يُطاق يصعُب عليَّ إصطحاب بناتي معي ، فقلت في نفسي يجب إيجاد حل أو واسطة تدخلني وأفراد أسرتي فخطر في بالي أحد أقاربي وهاتفته وقال لي إذهب لسكرتيرة المدير وقل لها أنا من طرف فلان ، وبالفعل ذهبت إليها لمكتبها ووجدت موظفين وموظفات في مكتبها يتحدثون ويثرثرون وكأنهم في منازلهم أو مكان عام وليس في مواقع عملهم غير مبالين بما يحصل في الخارج من فوضى عارمة ، فقلت لها أنا من طرف فلان وأرغب بالحصول على الوثيقة المطلوبة لي ولأفراد أسرتي ، فقالت لي تعال غداً وإذهب للمختبر وإفحص ولم تكترث للواسطة ، فحاولت أن أسألها سؤالاً آخراً لولا أن قاطعني رجل طاعناً بالسن كان جالساً في هذا المقهى وقال لي يا رجل الموضوع عادي ولا يحتاج لكثر الكلام فشعرت حينها أنني قاطعتهم في موضوعهم المهم الذي يتعلق بكيفية طباخة الزربيان العدني فحاول أن يصرفني ليعودوا لموضوعهم المهم جداً جداً .

     غادرت المكتب ممتعضاً من كل ما يحصل من حولي من إهمال ولا مبالاة لمعاناة من في الخارج ، وعند وصولي لبوابة المبنى وجدت فوضى ولغط  وكان هناك عسكري يحاول دفع الناس لعدم الدخول إلا بالدور ، ولكن للأسف كان المراجعين يتزاحمون كل منهم يريد أن يدخل أولاً ووجدت عجز كبير لهذا الجندي فقلت له في أذنه أتريد المساعدة ؟ فرد مسرعاً وقال : والله ياريت وحينها صرخت بصوت قوي لكل المتزاحمين وكأنني مسؤول كبير في المختبر وقلت : أقسم بالله لن يدخل أحد إلا بالدور ، إصطفوا لتدخلوا بالدور وإلا سأغلق الباب ، فسمعت لغط من أفواه المتزاحمين والكثير منهم ينادونني يا دكتور أنا أولاً وآخرين يدفعون لي بما حوزتهم من ملفات لأرى مابها ، فصرخت مجدداً لن يدخل أحد وإلتفتُّ للعسكري وقلت له بصوت الصارخ أغلق الباب وبالفعل أغلق الباب بمساعدتي .

     بعد أن أغلقنا الباب قلت للعسكري هاه ما رأيك ؟ فإبتسم لي ضاحكاً وقال : أنا أشكرك جئت في وقتك لقد تعبت معهم ، ثم إنشغلت مع ولدي بحديث جانبي وقلت له سنخرج ونعود مجدداً وما إن هميت للخروج حتى وجدت العسكري يتناول من عسكري آخر قنبلتين أو ثلاث ليدخل إلى أحد المكاتب ، فقلت له هذه قنابل فقال نعم أخذتها منه ليعود ويأخذها فما وجدت نفسي إلا وأنا أقول له أسمع يا صاحبي أنا سأغادر ولو سمحت إن إنفجرت القنابل أتصل بي فضحك وقال وهل ستتركني ؟ فقلت له المعذرة أنا مستعجل ، فخرجت من باب المبنى وإصطحبني أحد المغادرين ومعه وثائق وقال لي لو سمحت يا دكتور أنا معي فلم أدعه يـُكمل وقاطعته وأنا واضعاً ذراعي في ظهره وممسكاً كتفه الأيمن بأصابع يدي وسحبته عدة خطوات وقلت له : لو قلت لك كلام قد لا تصدقني أنا يا صاحبي مُراجع مثلك ولا علاقة لي بالمختبر .. فإلتفت لي سريعاً وصرخ بلهجة أضحكتني أيه تقول ؟ فقلت له ضاحكاً مثل ما سمعت وغادرته مسرعاً قبل أن يـُسمـِعني كلام وأعود إليه لنتشابك بالأيدي .

     بعد مغادرتي المبنى قلت لولدي ما العمل ؟ وحينما كنت أكلمه تذكرت بأن أحد أخوالي موظف بنفس المبنى ولكنه لا يداوم له فترة طويلة ولأنه رجل شريف وعفيف ونزيه ونظيف أوقفه المدير عن العمل مع إستلامه لراتبه ، فقلت لولدي سنذهب لخالي صلاح إلى بيته وهو الذي سيحل لنا هذه المعضلة وكان الوقت حينها حوالي الثانية عشر ظهراً وإتفقنا أن نذهب إليه بعد العصر ، فذهبنا إلى السوق ولحسن حظي وجدت خالي هناك وأخبرته بكل شيء فقال لي يا إبني أنا لي فترة طويلة لا أداوم ومعظم الموظفين مستحدثين لا يعرفونني ولا أريد أن يراني المدير ، فقلت له أنا في وجهك يا خال فوافق مكرهاً وإتفقنا أن نذهب بعد صلاة العصر وغادرنا كلاً منا إلى وجهته ، وقبل صلاة العصر إتصل بي ولدي البكر وقال لي أنا وخالك قادمين إليكم الآن لنذهب للمختبر فلو سمحت إجهزوا حتى ننتهي من الأمر سريعاً ، ومع أني كنت مرهقاً تجهزنا جميعاً وحضر ولدي وخالي وذهبنا سوياً لتبدأ معاناة أخرى .

     وصلنا لمختبر مستشفى الجمهورية وتفاجأ خالي بالزحام ولكنه بدأ إتصالاته بزملائه القدامى لأنه وجد أن القائمين على الفحص لا يعرفهم ولا يعرفونه ، وبعد إتصالات أخبره أحدهم بأن يذهب للدكتورة ناهد القائمة على فحص النساء بالقسم النسائي ، وفي هذه الأثناء شاهدنا زحام كبير على قسم الرجال منهم من يريد يفحص وآخرون يبحثون عن نتيجة الفحص ، وفي آخر المطاف إستطاع خالي أن يدخلنا جميعاً لقسم النساء بعد أن أقنعهم بأنه لابد أن نستلم نتيجة الفحص بوقت واحد لأن سفرنا سيكون بعد يومين ، وبعد فحصنا جميعاً دفعنا 60 ألف ريال رسوم الفحص بحساب 10 آلاف لكل فرد ، وعندما غادرنا المختبر وجدت أن هذه الفوضى لا مبرر لها ويبدو أنها كانت متعمدة لأنه حينما تم فحصنا جميعاً لم يأخذ زمن الفحص لكل واحد منا أقل من دقيقة ، يعني إن شاءت إدارة المختبر أن تقضي على الفوضى لإستطاعت من خلال ترتيب المراجعين بالدور في زمن ومكان الفحص وزمن ومكان تسليم نتيجة الفحص ، ولكن طالما وأن الأمر له علاقة بالسمسرة يصنعون الفوضى ليبتزون الناس ويتاجرون بمعاناتهم ومن ثم يسلبون أموالهم فتباً لهم من مخلوقات حقيرة ، مع العلم على الرغم من أن خالي وظيفته هو مدير قسم الحسابات إلا أنه أبى أن يكشف موقعه ومكانته فظنوه سمساراً .. 

وللحديث بقية فإنتظرونا لتعرفوا معاناتنا وماقابلتنا من مواقف أليمة .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي