كيف أنجو بعقلي! (على لسان مغرر حوثي)

فكرية شحرة
الجمعة ، ٠٢ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٧:٤٨ مساءً

 

عندما قرأت مرة، عن طريق الصدفة، عن الحشاشين في قلعة الموت، وما كان يفعله حسن الصباح لتغييب عقول أتباعه، كنت أظنها مبالغة تاريخية!

لكنني عشت أياما تشبه تلك الأيام؛ منذ التحقت بجيش السيد، الذي يبدو لي الآن صورة مهزوزة من الحسن الصباح ذاته!

لن أحكي لك كيف التحقت بـ"أنصار الله" واللجان الشعبية، فأنا لا أدري كيف تدرج الأمر حتى وجدت نفسي في ساحة القتال؛ بين الرصاص والغبار والموت الذي ينسكب انسكاب المطر على تخوم مأرب.

كانت البداية دورة تثقيفية، أو تدريبية، لم أحفل كثيرا بالتسمية يومها، لأنني كنت أجد نفسي قارئا ومثقفا، لكنها كانت مفروضة على المدرسين في مدارس منطقتنا.

كما أن المبالغ التي ترصد لمن يذهب، كانت بديلة عن مرتباتنا المستحقة، وأنا مثل كل اليمنيين تضطرنا الحاجة والفقر بقبول أي عمل من أجل لقمة العيش! كما أن المعلم الذي يرفض الذهاب معهم، لأي حجة، كانت توضع حوله ألف دائرة شك وتحييد، ويعامل معاملة العدو! لذا ذهبت بكل رضا كي أوفر على نفسي أية مضايقات مستقبلية.

ذهبت وأنا على قناعة أن لا شيء غير منطقي سيؤثر على عقلي. رغم أن أسلوب الذهاب أثار مخاوفي: البدرومات المكتومة التي تقام فيها الدورات، وتلك الحالة من الكتمان، والتشديد، ومنع الخروج حتى تنتهي أيام الدورة.

ومرت أيام الدورة المغلقة بحماسة لم أتوقعها.. كانت تلقى علينا دروس مكثفة من ملازم حسين بدر الدين الحوثي، ومحاضرات كلها تتحدث عن الجهاد وعظمة هذا الدين، بالإضافة لخطب ومحاضرات عبدالملك الحوثي. 

ولولا فكرة تكفير الآخرين التي لم تعجبني، إلا أنها كانت محاضرات تبعث العزة ووجوب قتال العدوان. وجدت نفسي مندفعا للجهاد والقتال من أجل اليمن، فأنا رافض لتدخل المملكة وما تفعله في بلدي. خلال أشهر في معسكرات أنصار الله، وجدت أن الدفاع عن البلاد كان عبر العقول المخدرة!

المخدر الذي تتجنبه بكامل قواك العقلية، لمعرفة أخطاره، يصبح في معسكرات الحوثي صرفا عسكريا، لزم استخدامه بأوامر عسكرية! فقط من أجل سلب إرادتك، وإنعاش معنوياتك في مواجهة الحرب، بحجة أنها حبوب تمنع الخوف أو النزيف عند إصابة أحد!

المخدرات تغزو شباب اليمن على أيدي الحوثيين. هذا أصبح أمرا معروفا للكثيرين؛ لكن الكثيرين أيضا ينبذونها لمعرفة خطرها، وأنا منهم. المخدرات طريقة الحاكم الظالم ليسلبك حقوقك وحياتك وأنت تضحك في وجهه منتشيا، وتهتف أيضا بالروح بالدم نفديك يا سيدي. طريقة قديمة ومتداولة في أقطار كثيرة، لهذا بدأت تنتشر في مناطق الحوثيين من أجل سلب الشباب عقولهم!

"الشمة" أو "البُردقان"، الذي يصل من إيران، تشبه "الشمة" المعروفة، لكنني متأكد أنها مخلوطة بمواد مخدرة، أو حشيشة، وهي توزع علينا بانتظام في المعسكرات، فأي جيش هذا الذي يعيش خارج الواقع طوال يومه؟!

هذه "الشمة"، نوع من السحر الأسود، يمارس على عقل من يعاقرها، وتفقده إرادته.. لهذا ينصاع أفراد (اللجان الشعبية) للموت بكل استبسال، دون محاولة التفكير بصواب ما يفعلون!

البعض رأيتهم بعيني يقومون بأداء أعمال خارقة في المعارك دون أدنى شعور طبيعي بما يفعلون!

لقد كنت أتظاهر أني أتناول ما يعطونني لكنني أتلفها كل مرة.. لا أعتقد أن هناك فرقا كبيرا بين ما يقال لنا في الدورات التثقيفية من فكر مشحون بالطائفية وتكفير الآخرين، وبين هذه المخدرات التي توزع علينا ونحن مقبلون على المعارك.

حينها، قررت أن أنجو، ليس بنفسي وجسدي، بل بعقلي؛ أنجو بعقلي من كل هذا!

إن أصعب الأمور هنا: أن تعود من المعارك على قيد الحياة؛ يجب أن تعود شهيدا كي يرضوا عنك!

ما عرفته وأيقنت به أن الحوثيين لا يتركون أحدا كي يعود حيًا نابذاً فكرهم ومناصرتهم، فهم يسلطون أسلحتهم إلى عقلك قبل جسمك!

دوراتهم (التثقيفية)؛ تمهيد بسيط لدخول المخدرات بكافة أصنافها الغريبة، إلى رأسك، فكيف ستنفذ منهم، وتعود لممارسة حياتك وفقرك وتعلن فشلهم عليك؟!

لا أدري كيف أعود إلى منطقتي وفقري، بكامل وعييّ وكامل جسدي! فالموت على أبواب مأرب دفن الكثير..  إننا نموت بلا معنى، أو عقول..! كالقطعان يسوقون الشباب، وصغار السن، إلى الموت دون أي ضمير!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي