إلى أطراف الحوار الوطني القادم

كتب
الأحد ، ٠٥ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٤:١٢ صباحاً
   
د.دحان النجار
د.دحان النجار

فليكن حل القضية الجنوبية ومشكل صعده وغيرها مدخلا لبناء دولتنا المدنية الموحدة والمتنوعة

الثورة الشبابية الشعبية السلمية مثلت منعطفا تاريخيا مهما في مراجعة قضايانا ومشاكلنا الوطنية المؤجلة لقرون هروبا من وضعها على المحك وحلها تاريخيا بما يظمن إستمرار الشراكة في الوطن وفي صنع مستقبله وإستغلال خيراته على اساس التكافؤ والعداله في توزيع الثروة ومزاولة الحكم. عدم الثقة وشراسة الصراع السياسي بين قوى المجتمع المدني الحديث والقوى التقليدية التي قاومت قيام الدولة المعاصرة وفرضت نموذج ما قبل الدولة قد أفضى إلى ضعف الشعور الوحدوي بل وتلاشيه تماما عند بعض القوى مما قد يؤدي إلى إنهيار الدولة الموحدة وقيام دويلات شطرية أو جهوية على أنقاض المشروع الوطني الوحدوي الذي حلم به معظم اليمنيون في الماضي ولا يزالون يحلمون به اليوم.

ومن أجل إنقاذ الحلم الوطني من الإنهيار لا بد من تناول أهم المشاكل الساخنة في عموم الساحة بشفافية تامة وبقدرا عال من المصارحة والمكاشفة وعدم الإستقوى أو الإستغباء لأي من أطراف العملية السياسية مهما كان المشروع الذي يحمله والعمل على الوصول إلى صيغة وطنية شاملة تنقذ الوطن والشعب من التشرذم وتفتح افاق المستقبل في قيام الدولة المدنية الحديثة التي تشبع رغبات وتظمن مصالح الغالبية من أطراف العملية الساسية الوطنية وطبقات الشعب وفئاته الإجتماعية الممثلة فيها. ولعل الأهم من القضايا الوطنية الساخنة والتي تحتل أولوية في حوارنا الوطني القادم هي القضية الجنوبية ومشكل صعده ومطالب إقليم تهامة والإقليم الأوسط (كما بداء يطرح في الوقت الراهن).  ومن أجل الحفاظ على اليمن موحدا ومتنوعا يجب أن تراعى خصوصيات كل إقليم وجعل تلك الخصوصيات مصدر قوة وتوحد لا ضعف وتمزق وتسخيرها لخدمة الإنسان اليمني وعزته وعيشه الكريم لا لإذلاله وتكدير عيشه.

1.القضية الجنوبية (إقليم عدن وحضوموت):

القضية الحنوبية ليسة وليدة ما بعد 22 مايو 1990م ,بل هي جزء أساسي ومكون للتأريخ اليمني الحديث والمعاصر حيث كانت ولا زالت الدولة اليمنية تتمدد وتنكمش طبقا للظروف المحيطة محليا وإقليميا ودوليا ولوعي القوى الإجتماعية والسياسية المكونة لها. والمجال هنى لا يتسع لسرد تجارب الدول اليمنية التي قامت على مناطق واقاليم مختلفة شمالية وجنوبية أو عليهما معا, على أن الأهم منها وما يعنينا اليوم هي تحربة الوحدة بين شطري اليمن المعاصرين المتمثلان بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية التي قامت في 22 مايو 1990م وتعرضة لنكسة تأريخية عندما شن أحد أطرافها حربا ظالمة ضد الطرف الآخر وفرضة نموذج الوحدة القسرية والتي أفضت إلى بروز الشعور الإنفصالي في أسواء الحالات والإصلاحي لمسار تلك الوحدة في أحسنها وتمثل أهمها في بروز الحراك السلمي الجنوبي بكل مكوناته المتعددة في نظرتها وفهمها لحل القضية الحنوبية أحيانا في إطار الوحدة وأحيانا أخرى في فك الإرتباط أي العودة إلى ما قبل ال22 من مايو 1990م.

كان الحراك الجنوبي مقدمه حضارية  عملية لإشعال الثورة  الشبابية الشعبية السلمية ضد دولة الفساد والأفساد ,حيث ألهم الكثير كيف يمكن أن يقاوم الفساد والديكتاتورية بصدور عارية ويرفع مطالب مشروعه تفقد الطغاه صوابهم وتجعلهم يفقدون حيلتهم في تزييف  الرأي العام واللعب على حبال الكذب إلى ما لا نهاية. بداء الحراك الجنوبي على شكل مطالب مبسطه تتركز حول إصلاح مسار الوحده  على المستوى الوطني وعندما لم تتم الإستجابة لذلك لا من قبل الحكام ولا من قبل المعارضة بل أدينة مطالبه مما دفع ببعض ا لقائمين عليه إلى رفع سقف مطالبهم و تركيزها على العودة إلى الشراكة التي أقرتها الإتفاقيات الوحدوية وعودة المسرحين من عسكريين ومدنيين إلى مواقعهم ووظائفهم وكذا إعادة ما تم نهبه من ممتلكات أثناء حرب صيف 1994م( اللا وحدوية والإقصائية) لأهله الشرعيين . وعندما تم رفض مطالب إصلاحية مشروعة كهذه  أتجه بعض قادة الحراك بعد أن يئسوا من تجاوب الشركاء الشماليين سلطة "ومعارضة" إلى المناداة بفك الإرتباط (ا لأمر الذي لا نريده جميعا لا سمح الله) كردت فعل غاضبه نتيجة لعدم الإهتمام بالحلول التي طرحوها ولم تلقى  غير آذان صنجا وأدمغة متجمدة وعيون لا تريد أن ترى الحقيقة  وتتعامل معها من منطلق وطني مسؤول . فهل حان الوقت للحلول التأريخية؟

عندما وقعا شريكي الوحده الإتفاقيات التي أفظة إلى قيام اليمن الموحد في 22 مايو 1990م كان أمل الجميع هوا قيام الدولة المدنية الحضارية ( التي ينادي بها شباب الثورة اليوم),لكن القوى التقليدية والمحافظة" بلا حدود"- ومنها من هوا اليوم في صف الثورة سفهة مشروع الدولة المدنية واعتبرته خروجا وتنكرا للعاداة والتقاليد والعقيدة وهي بذلك تدافع  عن مصالحها التي يظمنها شكل اللا دوله وإحلال العرف القبلي والفوضى الإجتماعية محل النظام والقانون والمساواة في الحقوق والواجبات لكل مواطني الدولة اليمنية الموحدة.

 القوى التقليدية غيرة نمط حياة الجنوبيين تعد الحرب على هواها  دون مراعاة ما ألفوه وأعتادوا عليه . كان الجنوبيون يحتكمون لمؤسسات الدولة فأرادة لهم أن يحتكموا للعرف والقبيلة, كان لديهم سجلا مدنيا فأرادة لهم تطبيق نظام عاقل الحارة والشيخ وتحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات للجباية والإثراء الغير مشروع لحفنة من الفاسدين على حساب الغالبية العظمى من طبقات الشعب وفئاته  الإجتماعية.

حاول دعاة الدولة المدنية الموحدة إنقاذها عن طريق إقرار وثيقة العهد والإتفاق التي تم التوقيع عليها في العاصمة الأردنية عمان في مارس 1994م والتي تكفل الخصوصية الإدارية والإجتماعية لكل مكونات الشعب اليمني على اساس التعددية في ظل الدولة اللامركزية الإتحادية ,لكن القوى الشمولية أنقلبت على الوثيقة وشنة حربا ضروسا قضت على مشروع الوحدة الطوعية والدولة المدنية وفرضة نموذج اللا دولة بدلا من الأخذ بالأفضل من تجارب الشطرين وتعميمها على طريق بناء الدولة اليمنية الحديثة,بل وسمية الوثيقة "بوثيقة الخيانة والنفاق", وبذلك خسرة القوى المدنية المعركة شمالا وجنوبا.

الجنوبيون ليسوا أقل من الشماليين حبا للوحدة وللدولة المدنية المعاصرة التي ينشدها شباب الثورة السلمية في الساحات اليوم ,بل هم أكثر منهم كرها للفوضى واللادولة لأنهم لم يعتادوا عليها حتى لو لم يكن لديهم دولة عادلة " كما صنفها البعض" لكنها كانت دولة مؤسسات, فلماذا لم يقال لهم تعالوا نحافظ على وحدة اليمن في ظل التعددية واللامركزية( الفيدرالية), ودعونا نستفيد من تطبيقكم لنظام الدولة المدنية كنموذج لبقية أقاليم الوطن الموحد. اليوم هناك تغيير إيجابي في الفكر السياسي والإجتماعي في الشمال والذي تجلى بقيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية المنادية بقيام الدولة المدنية و التي انظمت إليها قوى عسكرية وقبلية وإجتماعية مختلفة كانة في الماضي ترفض الدولة المدنية المعاصرة من حيث المبداء . الثورة غيرة الكثير من المفاهيم التقليدية البالية فيجب إعطائها الفرصة لكي تفعل فعلها في تهيئة الأوساط الأكثر رفضا للدولة للقبول بها عن طريق التفاعل وليس العزل.

ويجب أن يقال للقوى التقليدية التي تبالغ بوحدويتها " من وجهة نظرها القرون وسطوية " بأن حب الوطن يتطلب منها تقديم التنازلات للشركاء في الوحده والوطن (جنوبيون وشماليون) والقبول بالدولة المدنية التي تحترم خصوصيات الجميع في ظل التعددية السياسية والإجتماعية والإدارية وعدم ممارسة الإقصاء تحت أي مبرر, وان الدولة بمؤسساتها الفاعلة هي المظلة الكبرى التي يستظل بها الجميع وليس مؤسسات القبيلة والثأر والتمييز ضد الآخر وإحتقاره,وإقلاق السكينة العامة وتدمير المؤسسات الخدمية والتعليمية من أجل مطالب مادية غير مشروعة لا تجوز شرعا ولا إخلاقا.

 درجة الوعي بدور مؤسسات الدوله المفصلي في تسيير شؤون الناس اليوميه والعمل على توفير فرص حياة أفضل للأجيال القادمة يختلف من إقليم إلى آخر. فهناك في بعض مناطق الشمال (مثلا في بعض مناطق الجوف ومارب وصعدة) من يرى بأن عرف القبيلة وإستعدادها الدائم للتسلح و الأخذ بالثأر وعدم الإنصياع للقوانين وقطع السبيل وإبتزاز الدولة والخطف "رجولة", وأن ممارسة التجارة  والزراعة ولبس "البنطلون" و"الكرفتة" عدم رجولة أو ضعف في النسب أو إنحلال إخلاقي بينما نجد في إقليم آخر (في عدن أو حضرموت مثلا) من يمارس الحياة المدنية منذ زمن طويل , فهناك ولع في الزراعة و التجارة والتعليم وممارسة الفنون  المختلفة وإستهجان للثأرات وإحتراف الحروب ومقت لحمل السلاح وإستخدامه. الأول يرى بأن الإنصياغ لمؤسسات الدولة ضعف وسلوك غير مقبول بينما الآخر يرى فيه ضرورة لتنظيم شؤن المجتمع في التجارة والصناعة والزراعة وحماية السكينة والأمن العام. بإختصار الأول يرى في الدولة خزينة يجب أن تفتح له ووسيلة للجباية والإثراء بينما الآخر يرى فيها مؤسسات أمنية ودفاعية وخدمية وتنموية تمول أجهزتها عن طريق فرض الضرائب وتحصيل الزكاة وإستثمار الثروات المحتلفة. فأي التموذجين يجب فرضه؟ مع قناعتي وقناعة شباب ومؤيدي الحراك السلمي و الثورة الشبابية الشعبية السلمية بالنموذج المدني إلا اننا نعي بأن أتباع النموذج الأول لن يقبلوا بسهولة بالإنتقال إلى الحياة المدنية دفعة واحدة, بل سيتحولون تدريجيا مع مرور الزمن. ولذلك لا يجب فرملة الوطن كله حتى يصل الجميع إلى نفس الدرجة من الوعي فلندع المجتمع الأكثر تمدنا في إقليمه يقيم النموذج المدني الذي يجب أن يحتذي به الطرف الآخر.

ردود الأفعال المتسرعة والآنية لا تؤدي إلى حلول جذرية شاملة لأي مشكل وطني ,بل تشكل قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي لحظة.القوى التقليدية ستظل متحالفة وستحاول إعادة إنتاج نفسها من جديد على مستوى الإقليم مهما خفت صوتها قليلا في اللحظة الراهنة لأن المصلحة تجمعها, ولذلك لابد لقوى التحديث من أن تظل متمسكة بمشروعها الوطني الأشمل وتؤازر بعضها البعض وتعترف بالمسلمات التأريخية في تناقض ووحدة المصالح. لن يستطيع دعاة المدنية بناء دولتهم "الفاضلة" وقبائل "الهون" تحيط بهم من كل حانب ولابد للأشكال "القرون وسطوية "من ولوج العصر واللحاق ببقية الأمم المتحضرة التي تعيش عصر الذرة والكمبيوتر والفضاء والإنترنت.

فلماذا لا نجعل من تنوعنا قوة؟ نحترم التنوع ونقبل بالآخر وحقه في بناء نموذجه المدني على جزء من أرض الوطن ونجعل منه شمعة تضئ الجزء الآخر؟ وما العيب في الفيدرالية؟

2. إقليم صعده (المسألة الحوثية):

مشكلة صعده من وجهة نظري (  كمجتهد ) ليست وليدة العقدين الماضيين ,بل لها جذور إجتماعية ومذهبية وجيو- سياسية عميقة . من الناحية المذهبية الحوثيون ينتمون إلى المذهب الزيدي مثلهم مثل أئمة بيت حميد الدين وغيرهم من البيوت الزيدية التي ترى الحق لها في إحياء الإمامة الزيدية  تبعا للشروط التي تظمنها المذهب نفسه (ولسنا هنى بصدد تناول ملائمتها للدستور أو التوحيد أم لا, ولا بصدد ما تتميز به طائفيا فيما يخص شؤون الحكم والعباده ). مع أن الحوثيون لا يمثلون كل أتباع المذهب الزيدي لكن نفوذهم أمتد إلى عدد من المحافظات الشمالية الغربية ويلقون تعاطفا في مناطق يمنية مختلفة بحكم تبنيهم لمطالب سياسية وإجتماعية وإقتصادية تلتقي ومطالب بقية فئاة الشعب الثائرة.

 في تأريخ اليمن الحديث والمعاصر الزيدية كمذهب ديني ونمط حكم سياسي شكلت أحد أهم لاعبيه الرئيسيين,حيث وصل نفوذ بعض الممالك الزيدية إلى حضرموت وما يتبعها من الناحية الجنوبية الشرقية وإلى جيزان ونجران من الناحية الشمالية الغربية.

الطائفة الزيدية تشكل حوالي30-35 % من سكان اليمن (وربما أكثر أو أقل حيث لا توجد لدي معلومات دقيقه حول الرقم الحقيقي) ولها حضور سياسي فعال في الحياة العامة لليمن مهما أختلف قادتها في رؤيتهم لنمط الحكم الذي يجب أن يسود في البلاد. مثلهم مثل الشوافع, هناك الجمهوريون والملكيون واليساريون واليمينيون والقوميون والإسلاميون  وغيرهم من حملة الأفكار السياسية والإجتماعية, لكنهم يشكلون مكونا أساسيا ومهما من مكونات المجتمع اليمني. إذا الحوثية ليست وليدة الظرف الراهن ,بل هي حركة مذهبية سياسية إجتماعية لها جذورها التأريخية في المجتمع اليمني.

لماذا صعده هي معقل الحوثية؟ الجواب بكل سهولة أن صعده تعكس كل تناقضات السياسة والمجتمع والمذاهب في اليمن فهي موطن المذهب الزيدي منذ  أن أستقر فيها الإمام زيد إبن علي  وأطلق منها دعوته الإصلاحية آنها. وبحكم الموقع الجيوسياسي والأجتماعي المميز من حيث بعدها عن مركز الدول  اليمنية المركزية حيث أن الدولة غائبة فعليا ما عدى حضور رمزي والغلبة هي للقبائل التي تبيع ولائها لمن يدفع أكثر(بعضها وليس كلها), وأيضا موقع صعده على الحدود اليمنية السعودية فقد شكل التأثير السعودي عاملا هاما في تسيير الأحداث فيها لما يخدم مصالحهم (السعوديين) كخط دفاعي متقدم امام رياح التغيير السياسي والإجتماعي القادمة من اليمن.

النظام أستغل الحالة المميزة لصعده لما سيق ذكره وحولها إلى حقل تجارب لسياسة "فرق تسد" أو إدارة البلد" بالأزمات" بمعنى أصح,  وأراد أن يوجد توازنات سياسية بحيث يدعم قوة ضد أخرى وتبقى خيوط اللعبة بيده. أستغل تحمس إمتداد الإخوان المسلمين والسلفيين في اليمن في عدائهم للإشتراكيين وللقوميين وغيرهم من قوى اليسار في معركته ضدهم حتى تسنى له إضعافهم . وتجلى إستغلاله لهذه القوى في دعمها له بحربه اللا وطنية وللاوحدوية في صيف 1994م ضد الإشتراكيين والجنوبيين  ومن تحالف معهم تحت مظلة "وثيقة العهد والإتفاق" والتي كان الغرض منها هوا  إفشال مشروع الدولة اللامركزية المدنية الحديثة التي أجمعت عليها تلك القوى الساسية الموقعة على تلك الوثيقة. لكن هذه القوى أصبحة تشكل عبئا عليه وعلى مشروعه "الأسري في الحكم" بعد أداء مهمتها في إضعاف اليسار والقوميين وأصبح لهم حضور قوي في أوساط القبائل اليمنية وبلأخص قبائل حاشد وبكيل وفي الأوساط الإجتماعية المختلفة وفي أجهزة الدولة ,فكعادته لكي يضعف نفوذ الإصلاح أتجه لدعم السلفيين (الوادعيين) ولكي يضعف نفوذ السلفيين أتجه لدعم الشباب المؤمن "الحوثيون" لكي يظل ماسكا بكل خيوط اللعبة السياسية بيده.

بعد إنتصار النظام في حرب صيف 94 الظالمه ضد الجنوب والإشتراكي ومن تحالف معهم ,وإستتاب الأمر له شمالا وجنوبا , برزة امامه الإستحقاقات الوطنية في تنفيذ ما تعهد به للداخل والخارج أثناء الحرب وقبيلها من إجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية هوا عاجز عن القيام بها لأنها لا تتناسب وما يريده, فكان لابد له من خلق بؤرة توتر أخرى يهرب إليها من هذه الإستحقاقات ألا وهي" المسألة الحوثية ". أراد النظام أن يبتزبها الداخل ليهرب من المطالب الإصلاحية المتنامية ويبتز بها العالم و الجيران وبالذات السعودية لينال الدعم المادي والمعنوي بحجة محاربته للنفوذ الشيعي الإيراني على الحدود اليمنية السعودية.

الحوثيون يلقون تعاطفا كبيرا ليس فقط في صعده وحجة وعمران والجوف وبقية مناطق سيادة المذهب الزيدي ,بل ينالون تعاطفا في مناطق أخرى كونهم قاوموا النظام الفاسد بشراسة ولذلك يعتبرون أحد مكونات الثورة اليمنية الحالية. ولأن الثورة السلمية الشبابية الشعبية ترفع شعارات الدولة المدنية التي تكفل التعددية السياسية والإحتماعية وعدم الإقصاء على أساس الإنتماء السياسي أو الجغرافي أو الطائفي فكيف يمكن التعامل مع الحركة الحوثية؟ الثورة المدنية السلمية لا تقبل في الإقصاء فكيف بالإلغاء؟

بعيدا عن الإفتاء الديني" والذي لا أريد الخوض فيه", الحوثيون ومن يتبعهم هم يمنيون ويشكلون شريحة واسعة من سكان اليمن ويعيشون على رقعة أرض يمنية مرموقة ولهم الحق في العيش عليها بكرامة والتعبير عن أرائهم كحق ديمقراطي لا ينتزع برغبة هذا الحزب أوذاك ولا هذه الطائفة أوتلك , بعيدا عن التخوين وتهم العمالة للخارج التي يمكن أن تستغل كسلاح ضد من يرفعه في وجه الآخرين بحكم التعامل مع القوى الإقليمية والدولية من قبل أكثر من طرف. فلا يمكن أن يحلل البعض لنفسة ما يحرمه على الآخرين ( مع مقتي للتعامل مع الخارج ضد مصلحة الوطن من قبل أي جهه). اليمنيون يجب عليهم القبول ليس فقط في التعددية الحزبية والثقافية ,بل بالتعددية المذهبية أيضا.

فهل تبتعد أطراف الحوار الوطني القادم عن أجندتها المذهبية والجهوية والحزبية وتتعامل مع مكونات المجتمع اليمني دون تمييز؟ المصلحة الوطنية تقتضي أن تتسع صدورنا لبعضناء البعض ونجعل من تنوعنا الطائفي والمذهبي عامل إثراء لخصوصيتنا اليمنية وتوحد لا عامل تصادم وتمزق. فلماذا لا يعطى لسكان صعده والجوف وعمران وحجه والمناطق الأخرى  الشبيهة بها حق الحفاظ على خصوصيتها المذهبية والإجتماعية في ظل اليمن المتعدد والمتنوع؟

 

. إقليم تهامه أو زبيد 3

في هذه الرؤية المتواضعة عن إقليم تهامه سأحاول تسليط الأضواء على بعض ما أعرفه عن الإقليم ومميزاته وليست  تغطية شاملة لهذه المميزات التي لا يعرفها بالدقة إلا أهل تهامة أنفسهم, ولذلك أرجو منهم ومن القراء الكرام المعذرة سلفا عن أي هفوات أو شح في المعلومة قد تصاحب إجتهادي هذا المتواضع, فهذا الإجتهاد ليس إلا مدخلا لفتح باب النقاش حول وضع إقليم تهامة في إطار اليمن الجديد كما نتصوره كأحد منجزات الثورة الشبابية الشعبية "المدنية".

تهامة هي الإقليم الغربي الساحلي لليمن ومنحدراته الجبلية الذي يمتد من الحدود السعودية شمالا إلى باب المندب جنوبا, وإقليم تهامه غني بثرواته المختلفه لعل من أهمها توفر المياه بكميات كبيره بحكم موقعه كمسقط للأودية اليمنية الشهيرة مثل وادي زبيد ووادي مور ووادي سردود وغيرها من الأودية التي تجري فيها السيول القادمة من الهضبة اليمنية التي تسقط عليها الأمطار شبه الإستوائية وبكميات لا باس بها. وهذا عامل مهم يعطي تهاهمة ليس فقط أهمية زراعية بل أهمية حيوية للتجمعات السكانية الكبيرة التي ستهجر منطقة الجبال مستقبلا بسبب نضوب مياه الشرب فيها حسب ما يؤكده الخبراء المعنيون وتتجه للعيش في سهول تهامة.أما الزراعة في تهامة فمن المعروف عنها بأنها تحوي مساحات زراعية شاسعة غاية في الخصوبة تنتج القطن والمانجو  والحبحب والموز والطماطم والمكسرات والأعلاف وغبرها من المزروعات التي تسد الإستهلاك المحلي وتفيض للتصدير إلى البلدان المجاورة وهي بحق "سلة اليمن الغذائية".

تهامة وبساحلها الممتد على البحر الأحمر وبجزرها فيه تحوي ثروة بحرية نادرة كا لأسماك المميزة التي تعيش في شعبها المرجانية وغيرها من الصدف البحرية المستخدمة في اغراض متعددة. وعلى سواحل تهامة تقع موانئ مهمه كا لحديدة  واللحية والخوخة وغيرها من مرافئ الصيد الصغيرة ومحطات كهروحرارية لتوليد الطاقة ومنتجعات سياحية رائعة على مدار العام.

وتهامة أيضا واعدة بالثروات المعدنية كا النفط والغاز كما تشير بعض التوقعات. وفي تهامة مخزون حضاري وثقافي  كبير مغيب بشكل شبه تام ومهمل إلى حد يثير الحزن والغبن في آن واحد. في مدينة "زبيد" أنشأة أول جامعة في العالم الإسلامي وعرفت هذه المدينة التأريخية بمدينة "العلماء", وهي مصنفة بحسب الأمم المتحدة (اليونسكو) أحدى مدن التراث الحضاري الإنساني. لكن مدينة "زبيد" معرضة  لإهمال غير مسبوق وبدد الفساد الكثير من الأموال التي رصدتها منظمة اليونسكو لإحياء تراثها حتى كادة هذه المنظمة (وهي قد هددت بالفعل) أن ترفع وصايتها عليها وتخرجها من التصنيف الدولي لها " كتراث إنساني" وما يترتب على ذلك من قطع للأموال المرصودة لإحياء التراث فيها والحفاظ على ما تبقى منه.

تهامة أيضا سكانها متشابهون في عاداتهم وتقاليدهم وفي لهجاتهم وسلوكهم وفي مناخ منطقتهم الحار وتضاريسها المنبسطة , فهم مسالمون يحترمون النظام و القانون  وعاملون يقتاتون  مما ينتجونه ويتمتعون بكثير من المهارات في الصيد والملاحة والزراعة والصناعة الحرفية والخزفية وغيرها. إلا أن أبناء تهامه دائما يشكون الإهمال اللا محدود وإستنزاف ثرواتهم دون توجيه جزء منها عادل  لتنميتها. الأراضي الزراعية الشاسعة تم الإستيلاء عليها من قبل المتنفذين القادمين من الجبال دون ان تعود علي أهلها بأي مردود  مجزي ,و كنتاج للمركزية الشديدة التي تمارس في كل البلاد  لا يوجد هناك نظام ضريبي عادل يحصل بموجبه سكان تهامة على نسبة كافية من الضرائب على العقارات والأراضي الزراعية و المنتجات الزراعية والصناعية والموانئ  من أجل تحسين ظروف السكان المعيشية والتنمية الشاملة للإقليم.

في إقليم تهامة لا تسود فقط علاقات إإقطاعية قاسية, بل هناك لا زالت بعض مظاهر العبودية وعلى مرأى ومسمع من الأجهزة الحكومية , بل إن النظام المتهالك شجع على إستمرارية وتعميق هذا النوع من العلاقات الإستبدادية. شجع المستبدين المحليين والوافدين المتنفذين على أهدار عائدات  وثروات الإقليم دون وازع ظمير أو متابعة قانونية. هناك من المتنفذين من يمتلك الأراضي الزراعية الشاسعة والتي تم الإستيلاء عليها بأثمان بخسة أو بالقوة غزيرة الإنتاج الذي يصدر إلى الخارج والداخل بدون تحصيل ضريبي عادل لصالح الإقليم وخاصة أن المتنفذين غير ملتزمين بدفعها كما أعتادوا.

 تهامة فيها أكبر المحطات الكهروحرارية ولكن معظم أريافها تعيش في ظلام دامس. أول الطرق المعبدة في اليمن وجدة في تهامه ولكن نسبتها اليوم فيها هي الأقل في الجمهورية. البنية التحتية في تهامه هي الأسواء في الوقت الذي يجب أن تكون هي الأفضل كون الإقليم منتج لكثير من الخيرات التي يحتاجها الوطن بأكمله وتضاريسه منبسطة تجعل كلفة إعدادها هي الأقل.

بعض ما ذكر هنا يعطي إنطباع أولي بأن إقليم تهامه له مميزات طبيعية وإجتماعية  وإقتصادية وإحتياجات خاصة به تجعله مميزا إلى حدا ما عن بقية مناطق الجمهورية , وقد تتم عملية تفعيلها وإيجاد الحلول لها عن طريق إعطاء الإقليم صلاحيات ذاتية في إدارة شؤونه وجعله نموذجا إيجابيا لبقية الأقاليم في المواطنة والتنمية. سكان تهامة هم الأكثر تفهما ٌ لإحتياجات إقليمهم ظمن إطار اليمن الواحد المتنوع والمتكامل وعندهم من الكفائة والإخلاص وحب العمل والتواضع ما يمكن إعتبارها عوامل ضرورية لقيام إدارة مدنية ناجحة.

 

4.الإقليم الأوسط (إقليم الجند وجبله):

           الإقليم الأوسط هو المنطقة الجغرافية التي تتوسط اليمن جيوسياسيا ويتمثل بشكل أساسي بمحافظات تعز و إب و البيضاء وغرب محافظة ذمار. هذا الإقليم يمثل أكثر مناطق اليمن إزدحاما بالسكان وهوا إقليم زراعي بالدرجة الأولى وتضاريسه جبليه معتدلة الحراره و ماطرة تخترقها الكثير من الوديان التي تصب في البحرين الأحمر والعربي وفي جباله وشعابه توجد الكثير من الخامات المعدنية المختلفة الواعدة.

 يقع هذا الإقليم بين ما كان يسمى اليمن الجنوبي واليمن الشمالي ولذلك هويته مشتركه ولأبنائه إسهام كبير في إعمار اليمن شماله وجنوبه وفي المشاركة الفعالة في كل الثورات القديم منها والجديد على مستوى الإقليم حيث لا توجد ساحة ثورية إلا وأبنائه (أبناء تعز بالذات) متواجدين فيها.

نسبة التعليم فية هي الأعلى في عموم اليمن وخاصة في محافظة تعز التي أعطاء أبنائها للتعليم إهتمام خاص حتى أنهم بنوا أول مدرسة ثانوية في الريف المني  في بداية السبعينات من القرن الماضي على حسابهم الخاص (في الأعبوس) في الوقت الذي كان لا توجد فيه ولا مدرسه ثانويه في عواصم بعض المحافظات الشماليه كصعدة والجوف وعمران وحجه آنها, حيث كان بعض  زعماء القبائل في هذه المناطق يستلمون مئات الملايين شهريا من الدولة ومن الخارج  لكنهم يمنعون التعليم على مواطنيهم خوفا من تمردهم عليهم وعلى نمط الحياة القبلي المتعصب الملئ بالثأرات والحروب اللا منتهية. و نتيجة للتأهيل وحب الكسب المشروع تجد أبناءالإقليم الأوسط يخدمون في كل مناطق اليمن من صعدة إلى المهرة.

قدم هذا الإقليم قوافل من الشهداء في ثورتي سبتمبر وإكتوبروما تلاهما من مراحل ا لصراع بين النظامين في الشمال والجنوب ,وظل لفترة طويله ولا يزال ساحة للصراع بين القوى الرافضة للدولة  الحديثة والقوى المنادية بها . كل أطراف الصراع رأت في هذا الإقليم ميدان لمعركتها المصيرية ودفعت بكل قواها إليه مما سبب لمواطنيه الكثير من المعاناة التي لا نرجوا أن تتكرر في اليمن الجديد- يمن  ثورة ال 11 من فبراير 2011م.

سكان الإقليم متشابهون إلى حد بعيد بعاداتهم وتقاليدهم ولهاجاتهم ونمط حياتهم الفلاحي بدرجة أولى والذي يتميز بالإستقرار وحب العمل والأرض ورفض للفوضى في الحياة العامة المتمثلة بالثأرات والحروب القبلية وقطع الطرقات وإبتزاز الدولة التي يمارسها بعض سكان المناطق الأكثر ولاء للقبيلة وعاداتها التي تشكل مظهرا من مظاهر اللا دولة أو ما قبل الدولة. وهذا لا يعني بأن الإقليم خال من الظواهر القبلية والإجتماعية المتخلفة (للقبيله جوانب إيجابية كثيرة لم يتم الأخذ بها بصورة متعمدة من قبل أصحاب المصالح  الغير مشروعة التي تكفلها الفوضى والفوضى الشاملة فقط) بل مورست سياسة متعمدة لإعادته إلى مرحلت ما قبل الدولة, لكنها لم تلقى تجاوبا تاما من غالبية السكان الذين أعتادوا على الإستقرار وإحترام شكل الدولة  أي كان نوعه, حتى أن السكان كانوا يتبادلون مقولة " لا تدوس على الدولة ولو كانت رماد".

في العصور القديمة أحتضن الإقليم الكثير من الحضارات والتي كان من أهمها الحضارة الحميرية وعاصمتها ظفار في  منطقة يريم, ويحوي الكثير من معالم تلك الحضارات التي تشكل متاحف طبيعية يمكن الإستفادة منها علميا وماديا وسياحيا كما هوا الحال في جبال العود ويريم وجبن والتعكر وحب وصبر ومذيخره وشخب  والمقاطرة وغيرها,وشكل الإقليم منطقة جذب لكل الحكام الإصلاحيين في العصور الحديثه الذين ارادوا للدولة المناخ الإجتماعي والإقتصادي والسياسي المناسب من أجل تأدية وضائفها الأمنية والتنموية بشكل أنجع بعيدا عن الإبتزاز المادي والإقلاق الأمني. العديد من تلك الدول الإصلاحية والتي أهتمت بالتنمية الإقتصادية والبشرية و كان لها بصمات واضحة في تطوير البنية التحتية و الزراعة والتجارة وتشجيع التعليم وتوفير الخدمات العامة للمواطنين ,وكانت هي الدول التي مدت نفوذها إلى معظم مناطق اليمن الكبرى بشكل لا مركزي أتخذة من تعز وعدن(الرسوليون) وجبلة ( الصليحيون) ورداع  (الطاهريون)عواصما لها.

للأقليم إسهام كبير لا يقارن في مجال التجارة وتراكم رأس المال الزراعي والصناعي والتجاري ,ولذلك يعتبر أكثر الأقاليم دفعا للضرائب والزكاة وفي تحويلات المهاجرين في  اليمن كله. هذا الإقليم متنوع في سكانه لأنه على مدى قرون شكل إقليم جذب للسكان الوافدين من المناطق الشحيحة الإنتاج والشبه جافة مناخيا وتعاني من حالة الفوضى الدائمة والذين وجدوا فيه أفضل مكان آمن للإثراء والإستقرار الدائم ,حتى أن بعض السلطات التي تشجع نظام القبيلة ونظام الفيد أستخدمت الإقليم وموارده وشؤون إدارته والتعيينات الوظيفية فيه كرشوة لمن يقلقها بمطالبه المادية أو لمن تريد أن تكسب ولائه السياسي والإجتماعي. هذا التصرف ولد شعورا المهانة والغبن لدى السكان الأمر الذي يدفعهم دائما للبحث عن الدولة الحديثة العادلة والتعطش لإدارة شؤونهم ذاتيا عن طريق الحكم اللا مركزي.  سكان هذا الإقليم مسالمون ومنتجون للكثير من الخيرات المادية و أكثر ولأء للدولة, بل وباحثون جادون عنها عند غيابها لسبب أو لآخر, ولذلك تجد أبناء هذا الإقليم دائما مع أي تغيير يقود إلى قيام الدولة الحديثة التي ترعى شؤون المواطن وتوفر له المناخ الآمن للحياة والعمل والتعليم والإستثمار.

نتيجة لظلم السلطات المركزية المتعاقبه وفرض الأتاوات على الإقليم وإذلال سكانه المطالبين ببعض الحقوق المدنية والعدل والشراكة في الحكم ,أتجه الكثير من أبنائه إلى الهجره إلى عدن أثناء الإحتلال الإنجليزي وإلى بقية اقطار الخليج العربي وشرق أفريقيا وإلى عدد من دول العالم المتحضر ما ساعدهم في التعلم والتجاره . ولذلك شكلوا النواة الأولى لفئة المثقفين والتجار في الشمال سابقا.

مناخيا يعتبر الإقليم أجمل مناطق شبه الجزيرة العربية مما يؤهله لأن يكون منطقة سياحية من الدرجة الأولى توفر فرص العمل والخير لسكانه وإدخال العملات الصعبة للبلاد التي تساعد في إنعاش الإقتصاد الوطني وتؤمن الرفاهية للوافدين إليه.

خلاصة القول: هذا الإقليم غني بموارده البشرية والطبيعية ويتوسط اليمن جغرافيا ويشكل منطقة جذب للسكان من أقاليم أخرى للعمل والإستثمار والعيش فيه, وفيه أمتزج اليمنيون من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب ومن كل الطوائف والمشارب ولذلك سيظل حلقة وصل بين كل أقاليم اليمن وسيظل يمد بقية المناطق بما تحتاج إليه من خبرات بشرية وخيرات مادية وسيكون نموذجا يحتذى به في بقية الأقاليم عندما يدار من قبل أبنائه ذات الكفائه والتواضع والقابلية للتغيير,وسيشكل مصدر جذب للسياح من بقية المناطق ومن دول العالم كافة, وسيكون مصدر قوي للإيرادات المختلفة لصالح  الإدارة المحلية ومركز الدولة الإتحادية معا, وسيساهم بفعالية أكبر في تنشيط الحياة الإقتصادية في عموم اليمن. وستكون أكبر مدنه (مدينة تعز) مركزا إقتصاديا وثقافيا فريدا من نوعه في شبه الجزيرة بفضل همة أبنائها وكفائتهم المهنية وسلوكهم المدني لتشكل مصدر فخر وإعتزاز لكل يمني  .

 

5.إقليم صنعاء (إقليم همدان):

                                      هذا الإقليم جغرافيا يمتد من مأرب شرقا إلى حجة والمحويت غربا ومن عمران والجوف شمالا إلى ذمار  وريمة جنوبا (حدود تقريبية  بحسب إجتهادي الشخصي ولا تمثل مسمى جغرافي متفق عليه). الإقليم يمثل قلب الهضبة اليمنية الوسطى  الأكثر إرتفاعا مع إمتداد إلى الصحراء الشرقيه في محافظتي مأرب والجوف . معظم مكونات هذا الإقليم كانت تدخل ظمن لواء "صنعاء"سابقا وما كان خارج لواء صنعاء مثل ذمار وضواحيها ومأرب وريمه والمحوبت فهيا الأقرب جغرافيا وترتبط بشبكة مواصلات تسهل من تواصلها و يعتبرمركز هذه الشبكه مدينة صنعاء.

إجتماعيا ومذهبيا الإقليم يشكل تنوع ملحوظ ومهم, ففيه توجد المناطق ذات المذاهب المختلطة"أكثر من مذهب" والنقية"مذهب واحد"وفيه  مناطق أشد إلتزاما للقبيلة وتمردا على الدولة (يحوي جزء مهم من فيدراليات قبيلتي حاشد وبكيل) ومناطق تدين للدولة بشكل مطلق (كما هوا الحال في ريمة والمحويت).  مكونات الإقليم تشكل تنوع جغرافي ما بين الصحراء والقمم الشاهقة شبه الجافة والسهول الخصبة والمنحدرات الجبلية الخضراء, وفيه الكثير من المواقع الأثرية والسياحية الهامة التي تكسبه أهمية خاصة وتجعله مركز جذب للسواح والمؤرخين والمستشرقين. ولعل من أبرز معالمه هيا العاصمة صنعاء وأريافها وما تحويه من تأريخ وفن معماري وإرث ثقافي وكذلك مارب وذماروغيرها من المناطق الأثرية.

الإقليم يعتبر زراعي في معظمه وخاصة لو توفرة فيه مياه الري , ومن أشهر منتجاته الفواكه مثل العنب و التفاح والبرتقال وغيرها والخضروات والحبوب, وفيه خامات معدنية متعددة تتراوح ما بين البترول والغاز والحديد والإسمنت وغيرها. وتشكل صنعاء العاصمة أكبر سوقا في البلاد ومركزا تجاريا وصناعيا هاما بحكم التدفق السكاني والمالي إليها من عموم الوطن حيث تشكل المدينة المليونية الوحيدة في البلاد حسب الإحصائيات الرسمية . وسكانها يشكلون مزيجا وطنيا يعكس الفسيفساء البشرية اليمنية بمختلف مكوناتها.

هذه المميزات في التنوع الإجتماعي والمناخي والمذهبي يتناسب ووظيفة العاصمة الإتحادية صنعاء كعاصمة لكل اليمنيين بمختلف إنتمائاتهم ويجب أن يساعد هذا التنوع في ظل التنافس في التنمية وفرض سيادة القانون مع بقية الأقاليم على تعزيز دور السلطات المدنية في الإقليم وجعل العاصمة أكثر مدنية وملاذ لكل من يبحث عن الدولة والنظام والقانون لا كما هوا الحال في الوقت الراهن الذي تحولت فيه العاصمة إلى حقل للأخذ بالثأرات وممارسة السرقات والنهب والقتل وغيرها من الممارسات الغير مشروعة. وبما أن العاصمة الإتحادية يجب أن تكون في بيئة آمنة ما لم سيتم نقلها إلى مكان آخر أكثر أمنا, على  سكان الإقليم أخذ هذا الأمر بجدية تامة وإحترام مهمتها في تحصينها من الممارسات الهمجية قبل أن يخسروا هذه الميزة الهامة.

النظام الفيدرالي سيخفف من أعباء الإزدحام البشري والعمراني في العاصمةلأنها سوف تتقاسم جزء من مهامها مع الأقاليم, ولكن هذا بدوره سيضعف من الإستثمار فيها ويقلل من فرص العمل المبالغ بهما في ظل المركزية الشديدة التي أفقدة السلطات المحلية وظائفها و ربطة قضاء حاجات المواطنين على بساطتها بالقدوم إلى صنعاء, وهذا يعني لابد من تغيير في ا لسلوكيات العبثية التي يمارسها الخارجون عن القانون ضد المستثمرين وإبتزازهم المستمر إلى إحترام ممتلكات الناس وتوفير البيئة الآمنة للعيش والإستثمار إذا ما أرادوا للعاصمة الإستمرار في الإزدهار عن طريق جعلها مركز جاذب وليس  طارد لتعويض ما قد تفقده جراء تقاسم وظائفها مع بقية الأقاليم.  وبحكم موقع هذا الإقليم الجغرافي الذي يتوسط عدد من الأقاليم, سيظل يلعب دورا توحيديا هاما إلى جانب الدور التوحيدي الذي تلعبه العاصمه.

 

ملاحظات عامة حول ما تناولته في إجتهادي المتواضع في الخمس الحلقات المنشورة حول النظام الإداري السياسي الإتحادي المنشود.

1.ما تم طرحه من أفكار لا تعتبر نهائية وإنما فقط  كمادة للتفكير للمتحاورين عند مناقشتهم لشكل النظام السياسي المناسب ليمن ما بعد الثورة كي نظمن وحدة وطنية دائمة و قائمة على الشراكة التامة في تقرير مصير اليمن أرضا وإنسانا :

2.حدود الأقاليم خاضعة للنقاش ولما ترتضيه الأطراف المعنية ولكنني حاولت أن لا تكون الحدود الإقليمية قائمة على أساس طائفي أو مذهبي أو قبلي:

3.فيما يخص الإقليم الجنوبي لم أتناول تفاصيله الداخلية نتيجة للحساسية المفرطة التي يتميز بها على الأقل في الوقت الراهن:

4.الأفكار المطروحة لا تمثل شكل من أشكال البحث العلمي بل إستنتاج من تجربتي الخاصة في العمل السياسي وفي الإهتمام بالتأريخ , ولا تمثل تجني على فئة  أو طائفة معينة وإنما محاولة للبحث عن مخرج تأريخي لأزمة النظام السياسي اليمني المتكررة منذ ما يقارب القرن. وأتوقع من المهتمين بالأمر إغناء هذه الأفكار المتواضعة بمالديهم من أراء ومخارج ناضجة وموضوعية لأزمة الوطن المستمرة:

5.هناك فئتان من اليمنيين  تعارض مبداء الدولة الإتحادية, الفئة الأولى لديها قناعات مبدائية وفكرية أو عقائدية (دينية), وفئة أخرى يقودها متسلطون ويعتبرون الوطن "فيد"  خاص بهم لا يمكن تقليصه:

6.الوحدة إذ لم تكن قائمة غلى أسا س توازن المصالح بين أطرافها سيكون مصيرها الفشل:

7. لا يجب أن نتحسس من أي طرف يطرح رؤيته تجاه شكل النطام السياسي القادم أو نخونه لأننا في مرحلة بناء وطن من جديد يتسع لكل أبنائه لكي نجنبه الأزمات المتكررة التي أدت إلى ضعف الولاء الوطني و الشعور الوطني الوحدوي بشكل عام:

8. التأريخ العالمي المعاصر وتأريخنا اليمني قديمه وحديثه أثبتا بأن شكل الدولة الأكثر إستقرارا وديمومة هوا الشكل اللامركزي الإتحادي الطوعي:

9. المواطنة المتساوية والمتكافئة لا تظمنها النيات الحسنة فقط والتي يمكن أن يتم الإلتفاف عليها عند تغيير شخص الحاكم, بل يجب أن يتم تأ كيدها في الدستور وفي خطوات عملية قانونية لا يمكن الإلتفاف عليها تحت أي مبرر:

10. يجب أن نتعامل مع التنوع المذهبي والإجتماعي والثقافي والمناخي  في اليمن بنوع من التفائل وكعامل قوة وإثراء للنظام السياسي القادم وأن نتجنب النظرة السوداوية للتنوع والتي تخدم فقط المتسلطين والتسلط:

11. الغاية من أي إعادة لترتيب أوضاع اليمن هيا إحترام حقوق الإنسان اليمني وكرامتة وعيشة الشريف وليس المباهاه بما يتعارض مع مصلحته ويهدر كرامته تحت أي مبرر.

12. أعتذر لكل من لا يرغب بما طرحته من أراء وؤأكد لهم بأن قصدي ليس الإسائة بل البحث عن مخرج تأريخي لأزمات الوطن المتكررة:

13.لم أكن السباق في طرح رؤية حول اللامركزية , بل لقد سبقني الكثيرون منذ تأسيس الدولة اليمنية الحديثة مرورا بمراحل الثورة المختلفة في القرن العشرين وصولا إلى الوقت الراهن من القرن الواحد والعشرون:

14.كل الأقاليم المقترحة لها ميزات خاصة تجعل منها مهمه لبقية الأقاليم وتمثل نقاط قوة لكل إقليم مما يبدد المخاوف لدى من لا يريد الفيدرالية خوفا من فقدان مصادر الثروة المتواجده في أقاليم أخرى:

15. في الوقت الراهن أكبر ثروة هوا الإنسان فإذا ما أعطي إهتمام أكبر للتنمية البشرية سيتم التعويض عن الثروات الطبيعية التي قد يفتقد لها أي إقليم:

16. الأقاليم التي تتمتع بخامات طبيعية بحاجة إلى المهارات واليد العاملة من أجل إستغلالها وكذلك أسواق التصريف لها وبالعكس الأقاليم ذات الكثافه السكانية وذات النسبة العالية من المهارات بحاجة إلى فرص عمل لأبنائها ومنتجات تلبي حاجاتها, لذلك لا يمكن ممارسة العزلة الذاتية في أي إقليم ولا بد من التكامل.

17. قد يفرد حيز خاص لأمانة العاصمة صنعاء بحيث لا تتبع لأي إقليم كونها عاصمة الدولة فتدار بشكل مستقل.

 

"أنتهى"

ملاحظة هامة:

لقد تم نشر هذه المساهمة المتواضعة على شكل مقالات متباعده زمنيا في بعض المواقع الإلكترونية والصحف, ولكي يأخذ القارئ فكرة متكاملة عما طرحته للنقاش وخاصة من فاته متابعتها كاملة قررت إعادةنشرها دفعة واحده مع إدخال بعض التعديلات اللغوية البسيطة وفي المصطلحات التي لا تغير في جوهر الموضوع الأصلي ولذلك أستسمح القارئ والناشر في آن لتكرار النشر.

[email protected]

   
الحجر الصحفي في زمن الحوثي