حضرموت بين الحقيقة والوهم

د. عبدالله العوبثاني
الاربعاء ، ١٩ أغسطس ٢٠٢٠ الساعة ٠٧:٠٠ مساءً

 

الحمدلله حمدًا يليق بجلال عظمته وعظيم سلطانه .. 

تجاذُب الناس للحديث خلال الحوارات الجانبية في كل مناسبة، واستذكار مالهم وما عليهم، أمرٌ دأبت عليه البشرية منذ الأزل وخاصة الأقليات التي تعيش في داخلها انتماء لأرض أو قضية أو أمرًا طارئاً .. 

الرحلة الحضرمية الأولى بدأت من بداية التحدي وهو الاختلال الذي حصل لدى المجتمع في حضرموت منذ الصدمة الأولى عند الهجوم البرتغالي والذي أحدث تغييرًا في خارطة التحالفات الاجتماعية سياسياً وقبلياً لكن كسبت حضرموت بانتصارها عليه في معركة بطولية 

 ثم الصدمة الثانية والتي كانت أعمق منذ دخول شركة الهند الشرقية، وسقوط الممالك في الهند وعدن ، منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى فرض القعيطي عام ١٨٥٠م كسلطان على المكلا والشحر مدعومًا بشكل مباشر من بريطانيا ، وأحدث ذلك اعتلالًا كبيرًا في تركيبة الثقل السياسي لكثير من الجماعات في حضرموت ..  

ثم تلاه السقوط في عام ١٩٦٧م ودخول الحقبة الاشتراكية في حضرموت، والتي مسحت الكثير من المعالم الاجتماعية من الخارطة، و أتلفت التركيبة ودمرت الإرث الاجتماعي المتجذر لآلاف السنين والذي لم يحصل من قبل. مما اضطر ذلك الكثير من الأسر إلى الهجرة لدول الجوار وتحولوا إلى زوار لبلادهم التي هجروها قسرًا. 

أما أحداث ٩٠ فقد أعادت بعض الزخم لكن بنكهة الفساد المستشري لدى نظام الحكم في صنعاء، والذي لا زال مجتمعنا يعاني منه حتى هذه اللحظة .. 

ولنعتبره كرسم بياني لخط الأسهم النازل نزولاً، ووجد فترات استقرار ،ثم نزول ووجد حركة تصحيح متذبذبة مابين عامي ٩٠-٩٤م ، ثم تلاه استقرار للسوق ، حتى حدث هبوط دراماتيكي مابين العام ٢٠١١م - ٢٠١٥م ، تلاه الانهيار الكبير والذي نعيشه حتى هذه اللحظة.. 

عدم التكافئ الجيني للتزاوج السياسي الذي حصل أخرج لنا مكونات سياسية معوقة أو ممسوخة، لاتستطيع تحقيق ما يتوائم مع حجم الوعي لدى الشارع، مما حول الكثير من ممارسي العمل السياسي المعاق الى مهرجين في نظر المواطن البسيط. 

مهما تحدثنا تظل التجربة السياسية لدى الحضرمي في مرحلة التجارب المخبرية او "Trial & Error " فالعمل السياسي يختلف تمامًا عن التنظير الذي يبدع فيه الحضرمي. 

ومن أهم أسباب فشل كثير من التجارب ربط نجاح المشروع بالمادة، فالسياسة ليست مشروعًا تجاريًا. 

المشوار طويل لدى الحضارم، وحتى نحقق تلك المطالب يجب أن نفهم عدة عوامل، أولها  الوضع السياسي الحالي ضمن إطار الجمهورية اليمنية وأقصد هنا النظام الحاكم الحالي. وثانيها هو التأثير الإقليمي المباشر وخاصة من دول التحالف، وثالثها حجم الثقل والذي بالإمكان أن تستفيد منه حضرموت على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي. 

فلا استقلال حضرموت سيتحقق في ظل المعطيات، ولا العصيان والخروج عن الطاعة، ولا الاندماج مع ما يسمى الجنوب سيتحقق. لذا فإن خيار الفيدرالية والإدارة الذاتية هو الأنسب لهذه الحقبة للخروج بأقل الخسائر وأكبر قدر ممكن من المكاسب.. 

لدينا عدة معوقات وعوامل خارجية مؤثرة يجب أن نفهم كيف نتعامل معها حتى نستطيع تجاوز المرحلة .. ومن المعوقات: اللوبي الحضرمي المستفيد من النظام السابق والذي لايزال مسيطرًا على مصادر كثيرة من الثروة في حضرموت، والتي لها نفوذها في الداخل، ثم تأتي التراكمات الاجتماعية السلبية، كالمحسوبيات والرشاوي والولاءات للمصالح المادية. 

أما العوامل الخارجية المؤثرة، منها محاولة تأطير المخرجات بشكل يتناسب مع الشقيقة الكبرى السعودية، والذي يخدم خارطة مصالحها بجلب شخصيات سعودية محسوبة أنها حضرمية الأصل بالاسم ؛ كواجهة لتقليل الممانعة من الشارع الحضرمي المتأزم لعدم توفر الخدمات. 

وأخيراً علينا كأبناء حضرموت في الداخل والخارج أن نعي ماهي بطاقات القوة التي تجعل الآخرين يرغبون في التعامل مع حضرموت، وماهو الدور الإيجابي الذي سنضيفه في خارطة المصالح السياسية. 

*رئيس مكون حضرموت للتحرر والتطوير

الحجر الصحفي في زمن الحوثي