نظرية الاشتراط الكلاسيكي لبافلوف

د. عبدالقوي القدسي
الخميس ، ٠٦ أغسطس ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٠٨ مساءً

 

بافلوف عالم وظائف أعضاء روسي ، حصل على جائزة نوبل 1904 لأبحاثه المتعلقة بالجهاز الهضمي ومن أشهر أعماله نظرية الاستجابة الشرطية التي يفسر بها التعلم، وقد ظهر مصطلح الاشتراط الكلاسيكي على يده عام 1903، وهذا المصطلح يصف شكلاً من أشكال التعلم الارتباطي ، فالاستجابة تأتي نتيجة مثير أو منبه خارجي. والمثير أو المحفز نوعان: شرطي ، وغير شرطي: والمحفز أو المثير غير الشرطي هو الذي يحدث بشكل طبيعي فطري غير مُتعَلم أو مُكتسبُ فرؤية الطعام أو شم رائحته من الطبيعي أن تفتح الشهية وتسيل اللعاب، فالاستجابة حدثت دون أي تعلم مسبق، وأما المحفز الشرطي فهو ما يرتبط بالشيء كالموسيقى الصادرة وقت الطعام أو جرس انتهاء الحصة وغير ذلك.

نظرية التكيف الكلاسيكي التي توصلت إليها تجربة بافلوف هي : نظرية سلوكية للتعلم تفترض أنه عند اقتران المحفز غير المشروط والمحفز المشروط بشكلٍ متكررٍ فإنه يصبح باستطاعة المحفز المشروط إثارة استجابة مماثلة للمحفز غير المشروط .

ما هي تجربة بافلوف ؟

درس بافلوف دور اللعاب في عمليات الهضم بمجموعةٍ من الدراسات التي أجراها على الكلاب، ليصل في النتيجة إلى رسم ملامح ظاهرة أسماها التكيف الكلاسيكي أو ما يسمى نظرية الاشتراط الكلاسيكي . قام بافلوف بتوصيل جهاز خاص إلى فم الكلب ليقيس معدل إفراز اللعاب لديه، وبدأ بعدها بمجموعةٍ من الاختبارات التحفيزية المتسلسلة. لاحظ بدايةً أن الكلب يقوم بإفراز اللعاب ليس فقط عند وضع الطعام أو شم رائحته، بل أيضًا عندما يرى الشخص الذي يجلب له الطعام، ومنه استنتج ارتباط المحفزات البصرية برد الفعل العصبي (إفراز اللعاب).

بدأ بافلوف بتقديم الطعام للكلب مسبوقًا بقرع جرسٍ صغيرٍ بجانبه، واستمر في تكرار هذه العملية لعدة أيامٍ، ومع مرور الوقت وجد أن الكلب بدأ بإفراز اللعاب بمجرد سماع صوت رنين الجرس قبل أن يتم تقديم الطعام له أو حتى رؤية الشخص الذي يقدم له الطعام.

وبعد عدة تجاربَ وجد أن إفراز اللعاب أصبح مقرونًا برنين الجرس حتى لو لم يتم تقديم الطعام أيضًا. استنتج بافلوف ارتباط المحفزات السمعية (كرنين الجرس) لدى الكلاب بإفرازها للعاب . وبعد عدة تجارب واختباراتٍ لعدة أيامٍ متواصلة توصل إلى تأكيد ارتباط مجموعةٍ من المحفزات المختلفة بالاستجابة العصبية (إفراز اللعاب في التجربة) لدى الكلاب، فالحارس الذي يقدم الطعام والجرس محفزاتٍ محايدةً فهي ليست الطعام وإنما ينظر إليها الكلب ويربط بينها وبين الطعام الذي يأتيه، ومع ذلك استجاب الكلب لهذه المحفزات وأفرز اللعاب. ولطالما رأينا حيوانات أليفة أو مُعلمة وهي تهز ذيولها فرحة بمقدم متعهدها، أو راعيها، وخصوصاً عند تقديم الطعام لها. يمكن التعبير عن التجربة بالمعادلة التالية : مثير طبيعي غير شرطي ( اللحم) + مثير شرطي محايد (الجرس) = اقتران ثم تحدث الاستجابة (اللعاب) .

ألا نلاحظ بأنه عندما يمر مريض على مستشفى عولج فإنه يقرن بينها وبين آلامه مباشرة، وهكذا يتم استدعاء المواقف السابقة، ويحدث الاقتران بينها وبين المواقف الجديدة؟! قد تستغرق أحياناً في التفكير بشيء سعيد مرَّ عليك فتظهر آثار السرور على محياك، وقد يستغرب البعض لرؤيتك تضحك أحياناً ولربما اتهموك بالجنون، وقد تحزن ويظهر على وجهك آثار العبوس والحزن وأنت مستغرق في التفكير، وقد يسيل لعابك فجأة وأنت تفكر في الطعام، ولربما حدث ذلك عند رؤيتك للطاهي أو لمن يحمل إليك الطعام.توصل بافلوف في النهاية إلى استنتاج نظريةٍ جديدةٍ أسماها نظرية التكيف الكلاسيكي.

هناك الكثير من التطبيقات التربوية لنظرية بافلوف، ومن ذلك ضرورة إتقان المعلمين للمثيرات التي تقود المتعلمين إلى الاستجابة، وبقدر تنويع المعلم من المثيرات السمعية والبصرية والحسية والتحكم بالمثيرات الشرطية وإتقان إعدادها بقدر حصولهم على استجابات من المتعلمين تقود في نهاية المطاف إلى حدوث التعلم.

نكتفي بهذه الإشارة حول نظرية بافلوف في هذا المقال، وفي المقالات القادمة – إن شاء الله – سيتم تناول المزيد وبالذات فيما يتعلق بتطبيقاتها التربوية، حيث تُعد هذه النظرية ضمن نظريات علم النفس ابتداءً، ولكنها أيضاً تندرج تحت نظريات التعلم، وبالذات إذا علمنا الارتباط الوثيق بين التعليم وعلم النفس.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي