الدعم المصري للثورة اليمنية: أسرار وتحديات (2-2)

عادل الأحمدي
الاثنين ، ٢٠ يوليو ٢٠٢٠ الساعة ١٠:٤٣ صباحاً

 

رغم الدور الحاسم الذي لعبه الجيش العربي المصري في دعم الثورة اليمنية ٢٦ سبتمبر، إلا أنه لم يخلُ بطبيعة الحال، من بعض الأخطاء التي لا تقلل من قيمة ذلك الدعم، ولعل أبرزها احتجاز رئيس وأعضاء الحكومة اليمنية في القاهرة لمدة تقترب من عام. على أن الآلة الدعائية الإمامية قد عملت طيلة عقود على تضخيم تلك الأخطاء في محاولة للنيل من مصر وتضحياتها العظيمة في اليمن.

وعطفاً على ما سبق ذكره في الجزء الأول من صعوبات، وأبرزها الدعم الإسرائيلي البريطاني لجيوب الإماميين، فقد أسهمت عوامل محلية في تعقيد مهمة الجيش المصري في اليمن، لعل أبرزها وعورة التضاريس وانعدام الخرائط الطبوغرافية لأرض المواجهات، إضافة إلى الولاء المزدوج لبعض القبائل التي كانت تقدّم دعماً للجمهوريين والملكيين في الوقت نفسه. 

فاقمت تلك العوامل من تضحيات الجيش المصري، وضاعفت خسائره. وتتباين المصادر بشأن حجم تلك الخسائر، إذ يذهب مؤلف كتاب "الزهور تدفن في اليمن"، وجيه أبو ذكري، إلى أن شهداء مصر في اليمن كانوا عشرين ألفاً، بينما تذهب مصادر أخرى إلى أنهم ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف جندي. ما دفع مؤرخين إسرائيليين إلى وصف اليمن بأنها "فيتنام مصر". 

وتضاف إلى الخسائر البشرية خسائر مادية كبيرة، أثّرت على الاقتصاد المصري، ورفعت من ديونه الخارجية. وقد جيء على هذه الخسائر نفسها في النقاشات في القنوات المصرية إبّان دخول القاهرة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ سنوات، حيث ذهب بعضها إلى عدم التورّط بقوات برّية مجدداً في اليمن. 

والمؤكد أن الدعم المصري لثورة سبتمبر لم يقتصر يومها على التدخل البري والمجهود العسكري، بل رمت القاهرة بكل ثقلها في المعركة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. كما أنه أُنتجت أفلام وأغان داعمة للثورة، فضلاً عن الدور الإعلامي الكبير الذي قامت به إذاعة "صوت العرب". 

وشمل الدعم المصري جوانب أخرى، منها تأسيس أجهزة الدولة الوليدة، وسدّ العجز في الكادر الوظيفي، إذ بعد مغادرة موظفي الإمامة، على قلّة عددهم، لم يكن بين اليمنيين من يسدّ النقص، لأن الشعب كان يعاني أمية واسعة، بسبب طوق العزلة الذي ضربته الإمامة على اليمن. وهو أيضاً ما فرض على المصريين خوض معركةٍ تعليمية، تمثلت في فتح المدارس وإيفاد المدرسين وطباعة المناهج. وبهذا، كان من نتائج الدعم المصري للثورة أن صبغت الأجهزة الحكومية واللوائح الإدارية والنظم التعليمية والتشكيلات العسكرية اليمنية كلها بطابع مصري، لايزال أثره ماثلاً. 

طريق المصالحة 

وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدموها في اليمن، إلا أن المصريين لم يتراجعوا ولم يتعبوا، واستمروا على الوتيرة نفسها إلى أن شنّت إسرائيل عدوانها على مصر في يونيو/ حزيران 1967، الأمر الذي سحب نفسه على الوضع في اليمن، إذ استدعى الرئيس جمال عبد الناصر، في أغسطس/ آب من العام نفسه، 15 ألف جندي، لتعويض الجنود الذين فُقدوا في تلك الحرب، ثم عقد اتفاقية مع الملك فيصل بن عبدالعزيز في مؤتمر القمة العربية بالخُرطوم، تنصّ على سحب القوات المصرية من اليمن، ووقف المساعدات السعودية لفلول الإمامة، وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة، هي العراق والسودان والمغرب. 

وبعد مغادرة الجنود المصريين، قام مجموعة من الضباط والمشائخ بينهم القاضي عبد الرحمن الإرياني (ثاني رؤساء الجمهورية في الشمال) بانقلاب على المشير عبدالله السلال في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، وبعد أسابيع، وتحديداً في 28 من الشهر نفسه، أحكمت قوات الإمامة حصار السبعين يوماً على صنعاء، واستبسل الجمهوريون في الدفاع عن العاصمة، بقيادة الفريق حسن العَمْري، الذي استقبله الزعيم عبدالناصر بعدها في القاهرة، وقال له: "أنت، يا حسن، لم تدافع عن صنعاء، وإنما دافعت عن تاريخ مصر"، في إشارة إلى أن الهزيمة كانت تعني ذهاب كل التضحيات التي قدمتها مصر هباء. 

وبعد عامين (في 1970)، عُقدت المصالحة بين الجمهوريين والملكيين، وبموجبها عاد مؤيدو الإمامة إلى اليمن، باستثناء بيت حميد الدين، وبالمصالحة، تم حفظ ماء وجه مصر والسعودية على السواء. في حين يعتبر العديد من اليمنيين اليوم أن تلك المصالحة كانت البوابة التي ولج منها الإماميون لتخريب العهود الجمهورية والتهيئة للعودة.

وعلى الرغم من انتقاداتٍ يسوقها بعضهم للدور المصري في اليمن، فقد ظل اليمن يثمّن ذلك الدور طوال العقود الماضية، مع التأكيد الدائم أنه لولا دعم مصر ما نجحت ثورة اليمن في نظر يمنيين كثيرين.

 وقد خُصص لشهداء مصر نصب تذكاري غربي العاصمة صنعاء، وخُصصت صالة في المتحف الحربي تضمّ صوراً لمجموعة من أبرز الضباط المصريين الذين قضوا في اليمن. وعشية الاحتفال بعيد الثورة يشارك وفد عسكري مصري في إيقاد الشعلة في ميدان التحرير، كما يضع الرئيس اليمني، أو أحد معاونيه، يوم العيد، إكليل زهور على النصب التذكاري لشهداء مصر. وقد توقف هذا التقليد منذ انقلاب الحوثيين في 2014، وهو أمر طبيعي باعتبار الحوثيين من مخلفات نظام الإمامة الذي أسقطه اليمنيون في ٢٦ سبتمبر ١٩٢٦ بدعم مصري. وغني عن التأكيد أن أي تهاون في عودتهم يعد خيانة وتفريطا بكل تضحيات أبناء اليمن ومصر منذ السادس والعشرين من سبتمبر، وحتى اليوم.

ولعل أحد الجوانب المضيئة في هذا السياق أن حكومات العهد الجمهوري أثبتت أنها بوابة الرخاء لليمن والسلام لكل جيرانه، الأمر الذي جعل المملكة العربية السعودية تتصدر اليوم جهود الأشقاء في الدفاع عن نظام وقفت ضده بالأمس، بعد أن أكدت العقود الستة الماضية أن جوهر نظام الحكم هو الأساس وليس شكله، وأن النظام الجمهوري في صنعاء أقرب لها من نظام الإمامة الملكي الذي ساعدته بالأمس.

 ومثلما ثمّن أبناء اليمن دور القاهرة بالأمس، سيثمنون دور الرياض اليوم، وكلٌّ على قدر إسهامه. لكن الأهم من كل ذلك، أن يستوعب اليمنيون الدرس جيدا، وألا يسمحوا للإمامة، بعد دحر الحوثية، أن تطل برأسها من جديد، تأميناً للحاضر والمستقبل، ووفاء لكل الدماء الزكية التي سكبت فداء لهذا الوطن العزيز.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي