هل آن الأوان لاختفاء المدارس والجامعات التقليدية؟! 

د. عبدالقوي القدسي
السبت ، ٠٤ يوليو ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:٤٥ صباحاً

هل آن الأوان لاختفاء المدارس والجامعات التقليدية؟! 

هل آن الأوان لاختفاء المدارس هل السيارة اليوم هي نفسها قبل مائة عام؟ وهل الهاتف هو نفس الهاتف؟ وهل شبكة الإنترنت وخدماتها المذهلة كانت متاحة قبل قرن من الزمان؟  لقد تبدلت الأرض غير الأرض، وحدث ما لا يخطر ببال. ولنا أن نتساءل عن قاعة الدرس وعن النظام التعليمي، هل تغير؟ ربما تم تحديث المباني المدرسية، وحدثت عمليات ديكورية تجميلية للنظام التعليمي، لكن يظل ذلك في إطار تزيين القديم وتجديده، وأما الهيكل المتهالك فما يزال قائماً حتى اليوم، وسيكتشف االناس أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في الحبس الإجباري طوال هذه السنين !!

إن الفصل المدرسي التقليدي هو حبس بكل ما تعنيه الكلمة من معنى،ولكن تختلف درجته  من دولة إلى أخرى، فمنه السجون ذوات الخمسة نجوم وسجون أخرى أقل أو أكثر بحسب ثراء البلدان أو فقرها، لكن السجن يظل سجناً مهما كان الديكور أو مستوى الرقي في الخدمات! إننا لا  يمكن أن ننتظر إبداعاً من مسجون، ومن الحماقة أن تطلب من السمكة الموضوعة في حوض أن تخترق عباب البحر وأن تُبحر مسافات شاسعة.

لا يتمكن الإنسان أن يحصل على شهادة الدكتوراه في أقل من عشرين عاماً، والسؤال لماذا؟ ولا بد أن يُحشر جميع التلاميذ في فصل واحد، ولا يجتازونه إلى مستوى أعلى منه إلا بمرور عام، لماذا؟ ولماذا نشترط أن يقضي الطالب من عمره اثني عشر عاماً  في التعليم العام قبل التخصص؟ ولو أخذنا كعينة – فقط – المرحلة الثانوية في بلدان عالمنا الثالث، ودرسنا ارتباط تلك المواد المقررة على التلاميذ بتخصصاتهم المستقبلية، فكم ستكون نسبة الارتباط؟!! قمت بهذه التجربة مع بعض الطلاب الذين يدرسون المنهج اليمني فكانت النتيجة صادمة!!! لا يوجد ارتباط ولو بنسبة 5% بين ما يتعلمه الطالب في الثانوية وبين تخصصه في الجامعة،وقد أشرت إلى ذلك في مقال بعنوان: ” المعرفة المعزولة”، وعلى الرغم من تلك القطيعة بين الثانوية والجامعة إلا إنه لا خيار أمام التلاميذ لدخول الجامعة إلى بقضاء ثلاث أو أربع سنوات للدراسة في المرحلة الثانوية البائسة ودراسة ثمان مقررات دراسية.. لماذا هذا كله ؟!!

يوماً بعد يوم تزداد نسبة تذمر التلاميذ من المدرسة، وتزداد تبعاً لذلك معاناة أولياء الأمور. المعلم يشتكي من المتعلم، والمتعلم ينفر من التعليم وولي الأمر حائر. الدافعية للتعلم تهبط مؤشراتها يوماً بعد يوم، وحالات الغش في الاختبارات في ازدياد، ولم تفلح النماذج المتعددة والإجراءات المشددة في الحد منها، فما السبب؟!!

إن النظام التعليمي القائم على إعادة طحن الطحين يجب أن ينتهي، ويُستبدل بنظام يتناسب مع العصر، ونظام المدرسة التقليدية يجب أن يُستبدل بنظام المدرسة الحديثة، وهياكل الأنظمة التعليمية القديمة يجب أن ترسل إلى المتاحف الوطنية، وبجوارها يمكن التقاط الصور التذكارية!!

قبل أن أتحدث عن المدرسة الحديثة، أتساءل: ألا يقضي الطالب من ستة أعوام إلى 12 عاماً في تعلم اللغة الإنجليزية في المدارس التقليدية، وتكون المحصلة نتائج هزيلة، إذ يعجز غالبية المتعلمين عن الحديث لخمس دقائق بشكل صحيح أو كتابة مقالة قصيرة بطريقة صحيحة ؟وفي المقابل، ألا ييكتسب الطالب اللغة في عام دراسي واحد في المعاهد المتخصصة ويصبح بها ماهراً خلال فترة وجيزة ؟!! لننظر إلى اللغة العربية أيضاً وهي لغتنا الأم، ما مستوى أبنائنا في نهاية المرحلة الثانوية بعد اثنتي عشرة سنة من دراستها ؟!! بالإمكان انسحاب هذا السؤال إلى باقي المقررات الدراسية، ولربما نصل إلى نفس النتيجة!

المدرسة الحديثة التي يجب أن تحل محل المدرسة التقليدية تقع ضمن نظام تعليمي جديد ينطلق من احتياجات المجتمع المتجددة، وقابل للتعديل وفق تلك الاحتياجات. تضع الدولة الأهداف العامة والاستراتيجية للتعليم وتحدد نواتج التعلم المرغوبة بعد دراسة دقيقة للواقع ومتغيراته وسوق العمل ورؤية الدولة، ومن ثم تضع اختبارات مقننة ومعيارية تُعد بمثابة المحكات التي يمنح من خلالها الطلاب شهادة الانتقال من مستوى إلى آخر بناء على اكتسابه للمهارات والمعارف المتضمنة في أهداف النظام التعليمي.

في النظام التعليمي الجديد يتغير دور المدرسة، من مؤسسة تمنح شهادة إلى مؤسسة تُعد الطالب وفق المهارات المطلوبة وتسعى لتحقيق نواتج التعلم المرسومة، وتُهيء له بيئة تعلُّمية وتعليمية مناسبة، وعلى إثره تصبح المدارس أشبه بمراكز دعم أو تقوية أو بمعاهد تُعد الطلاب لاختبار شهادات الآيلتس أو التوفل ليس إلا، وتتنافس المدارس في ابتكار الوسائل التعليمية والمحتوى الدراسي المقدم للطلاب وإكسابهم المهارات المطلوبة لاجتياز المراحل الدراسية التي يمكن تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى مرحلة التعليم الأساسي والتي يجب أن يكون الطالب قد اكتسب مهارات التعلم الأساسية، من الحساب واللغات، والثقافة ولديه القدر الكافي من المهارات الناعمة والصلبة التي تؤهله للمرحلة التالية. يمكن للطالب أن يقدم لاختبار مقنن تضعه الدولة في الوقت الذي يرى نفسه مؤهلاً لخوضه. وهذه الفترة الممتدة حالياً لتسع سنوات يمكن للطالب أن يجتازها خلال خمس سنوات أو أقل أو أكثر بحسب قدراته، والمدرسة لا تنقله من فصل دراسي إلى آخر بعد مضي عام، بل ينتقل من مستوى إلى آخر في نفس العام بحسب نشاطه وقدراته، تماماً، كما ينتقل الطالب من حفظ سورة من القرآن إلى حفظ أخرى، ولربما أتم حفظ القرآن كاملاً خلال عام وسبق بذلك أقرانه.

المرحلة الثانية، وهي مرحلة التخصص، وتكون بعد المرحلة الأساسية، وفيها يلتحق المتعلم بالمساق الذي يناسبه، ويجب أن يتم التوسع في نظام التشعيب بحيث يشمل كل التخصصات التي تدخل ضمن احتياجات المجتمع، وفي نهاية المرحلة يجتاز الطالب اختبارات مقننة عملية ونظرية، ويمكن اجتيازها في عام دراسي أو أقل أو أكثر بدلاً من الثلاث أو الأربع السنوات المقررة حالياً، فمتى ما رأى المتعلم قدرته على التقديم للاختبار أمكنه ذلك. وأما الجامعة فتأتي كمرحلة نهائية تخصصية متصلة بتخصصات التلاميذ في المرحلة السابقة، وفيها تُمنح الشهادات العليا، ويمكن للطالب اجتياز ما يسمى بالبكالوريوس خلال عام، ثم ينتقل للماجستير والدكتوراه كما ينتقل من مستوى إلى آخر، ويمكن تغيير كل هذه المسميات.

في ظل النظام التعليمي الجديد الذي نتصوره، يمكن أن يحصل الطالب على شهادة الدكتوراه وعمره لا يتجاوز 15عاماً، أو 90 عاماً ، متسلحاً بمهارات حقيقية مؤهلاً لسوق العمل باحترافية كاملة. ويمكن في ظل النظام الجديد أن يتعلم التلميذ في البيت أو في المدرسة أو في المعهد أو عبر شبكة الإنترنت، فالمهم هو اتقان المهارات المحددة والمعارف المحققة للأهداف لينال أعلى الشهادات، وفي ظل النظام الجديد لا تمنح المدارس الشهادات وإنما تعد أبناءها لاكتساب المهارات التي تؤهلهم لنيل تلك الشهادات.

في ظل النظام الجديد يجب أن يتحول التعليم من مسؤولية الدولة المطلقة إلى مؤسسات المجتمع ، فيكون دور الدولة :

    إعداد الموجهات العامة، والأهداف ونواتج التعلم المرغوبة بناء على احتياجات المجتمع.

    إعداد الاختبارات العملية والنظرية المركزية، وترتيب آلية التنفيذ وفقاً لجداول زمنية شاملة لكل أشهر العام.

    تخصيص صناديق لدعم التعليم، وتطوير البنية التحتية للتعليم الإلكتروني وإتاحته للجميع، وتخصيص مبالغ مالية لدعم الأسر الفقيرة، وقروض ميسرة تعين على مواصلة التعلم دون عوائق .

    تشجيع المتميزين والنوابغ، وتخصيص مكافآت وجوائز تحفيزية، ومنح تخصصية.

وأما المجتمع فيصبح دوره :

    تهيئة مؤسساته لإحداث عملية تعلم التلاميذ، وتمكينهم من اكتساب المهارات المختلفة.

    ابتكار أفضل الوسائل لمساعدة التلاميذ على التعلم واجتياز المحكات للانتقال من مستوى إلى آخر.

    التوسع والتنويع في أنظمة التعليم، والتهيئة للتعليم الجماعي والفردي، وتشجيع المتميزين.

    تصميم المحتوى الذي يحقق الأهداف المرسومة من الدولة.

 

النظام الجديد يتيح للمتعلم اختيار المعلم والمؤسسة التعليمية والمساق التعليمي،كما أنه وفقاً للنظام التعليمي الجديد يمكن للطالب المبدع الحصول على أعلى المؤهلات في فترات وجيزة، ومن خلال هذا النظام سيتم تطوير المهارات وتحقيق الإبداع في كل المجالات، وستوفر الدولة نفقات ضخمة وتوجهها نحو التطوير المستمر، وستفتح المدراس أبوابها في الصباح والمساء للكبار والصغار، وسيكون المحتوى مركزاً على المعارف والمهارات المتصلة بالواقع وسوق العمل والحياة، وسيتعلم الطالب عبر الإنترنت وفي المدارس والمعاهد وفي بيوت المعلمين وفي أي مكان، فتصبح الأرض كلها للمتعلم مدرسة ومعهداً وجامعة، وستمنح الشهادة بناء على إتقان المهارات والمعارف المكتسبة لا على عدد الأعوام المتعاقبة.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي