حرب صامتة

كتب
السبت ، ٢١ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٢٥ صباحاً
بقلم: عبدالعزيزالهياجم ولجنا رمضان العام المنصرم 2011 ونحن نعاني الظلام الدامس , ولا نفرق بين صوت مدفع رمضان وأصوات مدافع ورصاص مختلف أسلحة المتحاربين من الإخوة الأعداء الذين كانوا ولا زالوا يصفون حساباتهم على هامش الاحتجاجات وحركة التغيير المطلبية الشعبية التي لا ناقة لها ولا جمل في خصوماتهم . واليوم نستقبل رمضان وسط «حرب صامتة» ربما أنها أشرس من حرب المدافع والآليات العسكرية المختلفة، كون ما تستهدفه يتجاوز تدمير مواقع وتحصينات الخصم أو قنص رأسه وجسده وخطف روحه إلى تدمير مختلف الأخلاقيات والقيم النبيلة والمساس بجوهر التعايش الاجتماعي والاحترام المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع بتنوع مشاربها ومذاهبها وطوائفها. عندما يتحدث زعيم قبلي أوسياسي عن خصمه بأنه مأجور وينفذ أجندة معينة، سواء داخلية أوخارجية ويعمل وفق إملاءات من هذا الطرف أو تلك الشخصية المؤثرة أو خلافها يكون الأمر هيناً ومقدوراً عليه، برغم ما لتلك التهم والتحريضات من تأثيرات سلبية وتداعيات أقلها مزيد من التوتر والتصعيد للمشهد السياسي. أما حين يصل الأمر إلى أن يتحدث الخصوم بلغة طفولية أو بالأصح لغة وضيعة ولا يتورع زعيم قبلي عن إنكار «يمنية» زعيم سياسي ووصفه بأنه صومالي أو اريتري أو ما شابه ذلك من التسميات المسقطة ضمناً للجنسية والانتماء , فإننا نكون بذلك قد بلغنا أسفل درجات القيم وأوطأ معايير الأخلاق وأعلى معدلات الانحطاط. من يتلفظ بمثل هذه الألفاظ الوقحة هو أقل من أن يوصف بشخصية اجتماعية معتبرة أو شخصية سياسية محترمة , لأنه عبّر عن عنصرية دفينة وحقد اجتماعي وطبقي ..وهو إن تحدث بازدراء عن شخصية وطنية مثل «رئيس الوزراء» فهو في حقيقته ينظر أيضاً باحتقار ربما لأبناء محافظة أو محافظات أو مناطق بعينها قد لا تروق له قبلياً ولا مذهبياً ولا طائفياً ولا جهوياً . والأسوأ من ذلك أن آخرين ينتمي إليهم سياسياً وتنظيمياً , لم يحرك أحدهم ساكناً ربما لاعتبارات سياسية وتنظيمية وربما لداعي القبيلة وربما لموافقتهم على ما قال ومباركتهم لما صدر عنه من إسفاف , وهذا يندرج في الخطيئة الكبرى التي قال عنها سبحانه وتعالى في محكم التنزيل «لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم بما عصوا وكانوا يفعلون , كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون». الحرب الصامتة أيضاً لا تنحصر في المستوى الفوقي المتعلق بالقيادات والزعامات الكبيرة، أكانت سياسية أو قبلية أو عسكرية , وإنما يكتوي بنارها كثير من الكفاءات والقيادات الإدارية والكوادر الوظيفية التي وجدت نفسها تدفع فاتورة خلافات السياسيين والقبليين وأحقاد أصحاب العصبيات , ووجدت نفسها مرمى لهدف أولئك الانتهازيين الذين يصفون حساباتهم اعتماداً على مسوغات سياسية ونوازع انتقامية. وكأحد الشواهد على ذلك روى لي أحد الأصدقاء قصة رئيس مؤسسة حكومية تعين حديثاً وكان أن شرع في اليوم التالي لصدور القرار الجمهوري بتعيينه , في إجراءات تغييرية جذرية لا علاقة لها بتحسين الأداء وتطوير العمل وتحسين الظروف المعيشية لعمال وموظفي المؤسسة , وإنما تغييرات استهدفت أساساً تصفية حسابات مع موظفين ومدراء , ظل يحسبهم هو أوتصنفهم بطانته بكونهم من طاقم رئيس المؤسسة السابق. مثل هذا العمل لا يعكس فقط سقوطاً أخلاقياً وقيمياً ولا يكشف فقط عن رواسب وأحقاد دفينة , وإنما ينذر بكارثة وطنية عندما نقيس مثل تلك الممارسات على نطاق أوسع يتعدى مؤسسة واحدة إلى ما يكاد يكون غالبية الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية . فرفقاً يا هؤلاء بأنفسكم «الأمّارة بالسوء» ورفقاً بهذا الوطن الجريح الذي لم يعد في جسده موضع صالح للألم.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي