عدن والولاء والألم

محمد قشمر
الخميس ، ٣٠ ابريل ٢٠٢٠ الساعة ١١:٣٨ مساءً

عندما نتحدث عن الفكر والهوية في اي صراع سياسي أو عسكري فلأن ذلك يبدي الكثير من خفايا تلك الصراعات ، وكيف انه من أجل القضية يتم التضحية بالدماء والارواح .

من الذي يضحي ولماذا ؟ هذا جزء من أسئلة تفرض نفسها على واقع الأمر وتفرض نفسها على كل من يشاهد ذلك الواقع القائم على الدماء والنار .

من محطات الدماء المبنية على الصراعات المحلية والاقليمية والتي تتغذى بالمصالح الدولية العابرة للقارات الصراع في اليمن، والحرب التي حصدت الاف الارواح واستنزفت دماء أبناء اليمن من اقصاه الى أقصاه ، فلا يمكن أن نقول أن هناك مدينة أو قرية في اليمن لم يصبها من تلك الحرب شيء ، وها نحن نسمع بشكل متكرر أن اليمن تعتبر المأساة الأولى في العالم ، وبغض النظر عن حقيقة تلك الاخبار التي تتحدث عن المأساة اليمنية، وتشكيك بعض الباحثين والكتاب الذين يعتبرون ان تلك الاعلانات عن ماساة اليمن قد يكون الهدف الرئيسي منها هو استغلال الوضع الكارثس في اليمن وجمع أكبر قدر ممكن من المساعدات الدولية، والتي غالباً ما تكون مادية، مالاً مدفوعاً يغذي أرصدة المنظمات الدولية التي بدورها تتغذى من الصراعات والحروب .

اليمن بالفعل أصبحت تشكل صورة مأساوية حزينة بكل ما يحدث بها من قتل وتشريد ونهب وقصف ووو والكارثة أن المجتمع الدولي لا يعدو أن يكون متفرجاً في أحسن الأحوال هذا إن لم يكن هو الذي يدير الصراع بالطريقة التي يريدها من اجل تحقيق ما يريد، وأنا أميل لهذا الرأي .

من مدن اليمن التي تعرضت للكوارث بسبب الحرب والانقلاب الحوثي على الشرعية اليمنية هي مدينة عدن ، وانا ممن عرف عدن كمدينة تعشق الحياة بعد الوحدة اليمنية 1990 للميلاد وكانت بمثاية ملاذ سياحي لكل أبناء اليمن بلا استثناء ، من يعرف عدن أو يبحث في تاريخها قد يصاب بنوبة ألم لما تحويه من تاريخ نادر على مستوى الجزيرة العربية، لكن الفضل ايضاً يعود للمستعمر اللبريطاني ، ولا يمكن أن نبرر للمستعمر البريطاني ما قام به ابان نشوته الاستعمارية من اجل تحقيق اجنداته المختلفة منها السياسية والاقتصادية والعسكرية، والتي تحقق منها الكثير والتي مازال يتحقق منها الكثير ايضاً خصوصا ان المستعمر البريطاني هو ذاته الذي يقود الان ملف اليمن ويدير الصراع.

عدن تلك الجوهرة اليوم اصيبت بآفات جعلتها تذوق ويلات مؤلمة ، فهي اليوم تعيش فترة من أسوء فتراتها الزمنية، ولا نبالغ ان قلنا أنها تعيش فترة الانكسار والضياع ، عدن التي اخرجت كبار المبدعين اليمنين في كثير من العلوم والفنون والرجولة اليوم تغرق ببحيرات من القاذورات، وهي مدينة البحر والجبل ، وهي مدينة ساحل ابين وجولد مور وخليج الفيل ، لم أكن لأتصور أن تعيش عدن في هذا المستنقع وان يتخطى الناس الشوارع بين مستنقعات من مياه الصرف الصحي ومخلفات الامطار ، عدن مدينة أحد أهم الموانئ في العالم تغرق في ظلام من الضياع والخوف، وتغرق في مدينة يكاد القهر والالم والمرض يفتك بها وبأبنائها الذين تجمعهم الارض بالوانها واعراقها ومراجعها الفكرية المختلفة . عدن التي يعتبرها العالم أم موانئ الوطن العربي والشرق الأوسط ، ووسيطة تجارة العالم أصبحت تأن وتبكي بحرقة لأن من ينهش جسدها المثقل بحر الصيف هم من يدعون بأنهم أبنائها .

كان السؤال من يضحي في الصراعات المسلحة ولماذا ؟ وهذا السؤال هو الذي يبحث في وجوه أبناء عدن السلام عن اسباب اتشاحهم بظلام المناطقية والحزبية ، ومن الذي دفع جزء ً من أبنائها أن يكون رصاصة تقتل بعضهم من أجل أن يحظى بالقليل والقليل الذي لا يستحق . 

من يديرون معركة عدن وهم يرونها تغرق في هذا الكم الهائل من الألم لا يمكن ان يكونوا أصحاب ولاء لعدن الارض والانسان ، وكيف للمتقاتلين الراكضين وراء الأنا المتركزة في المصالح الشخصية الضيقة أن يغيثوا جوهرة اقتصادية مثل عدن ، فقط لأنهم لا يملكون صفة الانتماء ، الانتماء الذي يجعل قادة الدول يقدمون أرواحهم بكل سعادة من أجل بناء اوطانهم ، الولاء الذي يرفض البندقة والمدرعة لفرض رأيه وفكره الغير مقبول من بقية أخوته الذي يقطنون معه في نفس المدينة بل وفي نفس البيت.

عدن منكوبة بعدم الولاء ، فقط الولاء الذي يفتقده كل المتصارعون عليها ليحظو بثمار لا يمكن ان يحصدوها وهم أعداء . الولاء الذي لا يمكن أن تثبته الدبابة ولا تثبته المدفعية أو المدرعة القادمة من خلف التاريخ ، بل ما يثبت الولاء هو العطاء الفكري واثبات الهوية ودرأ الموت بمشاريع الحياة ، لن تخرج عدن خاصة واليمن عامة الا عندما نثبت أننا اصحاب ولاء حقيقي غير متمترسين خلف اجندات الغير بمقابل مادي تافه ، الولاء الذي لا يقبل المساومة هو الذي يفترش ارض الحوار من أجل الجميع من أجل اطفال عدن خاصة واليمن عامة ، والولاء هو الذي سيجعلنا نقبل بعضنا بعضاً دون استنقاص من أحد طالما وان الجميع ولائه بعد الله للوطن ولأهله في ذلك الوطن.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي