لن نخطو إلى الأمام بحمولات الماضي

أكرم توفيق القدمي
الأحد ، ٢٩ مارس ٢٠٢٠ الساعة ٠٦:٠٥ مساءً

أسفرت الأحداث  بمجملها عن الوجه القبيح لكتل ارهابية صاعدة لا تمتلك رصيدا في النضال السلمي ولا السياسي  ، تقاتل تارة باسم الله وتاره باسم الشعب وهي تنتفض خيانة وعمالة وارتزاقا في جنوب الوطن وشماله ، ندفع كيمنيين فاتورة الحرب أرواحا ويهبنا القاتل فتات ماله  صدقة جارية يتلقفها المتخمة ضمائرهم والشعب يتضور جوعا والثروات تهدر .

تحشيد معاكس لمعارك جانبيه هدفها إثارة الفوضى وتغييب النظم المؤسسية عسكريا وإحلالها بقوى مسلحة  متطرفة  تعطل القانون  وتكرس للتواجد الميليشاوي في برهة زمن ثم تتجه نحو إرهاب مبطن . إننا نختلق استنطاقا مركزا  لثقافة الفوضى في ثوب راهب يدلس على الشعب ببعض وساوسه ونفثاته ،  ومهما استصعب على مكون ممانع لنشؤء الدولة وحوكمة  النظم فيها إلا  أننا نجد  آخر  ساخرا  من  ذات  البين لخلق بيئة طاردة للتعايش ظانا مقدرته  تخطي تلك  المرحلة . إن الإمعان في قراءة المشهد من زاوية بعيدة يظهر لنا أهمية بل وجوب إعادة  التموضع وفقا لمسلسل الأولويات الطارئة  لا الشخصنة  بعيدا عن الأنانية والتزلف وتصنع  الوطنية في شكل شعارات وادعاءات مستهلكة ، لقد وجدت اليمن نفسها خارج إطار العالم دفعة واحدة  كنتاج طبيعي لعصر بائد من  الظلام والاستبداد والصراع الطائفي والمناطقي والديني الذي تبنته قوى راديكالية وتقليدية تقادمية .

لا يمكن ان يتغلب الشعب  على منظومة الركود هذه  إلا  باستنهاض حلمه في الاستقرار والتوجه نحو النماء والتعايش بكرامة وعزة  وشموخ ،  ولن يتأتى ذلك بفجور القوى وتنازعها البته . لقد أنهك الجسد  الجمهوري تعمدا بعد  تعرضه لعدد من المؤامرات التي سبقتها إخفاقات متتالية أفسدت خطة البناء وإعاقت مسيرة التحول التنموي وإعادتنا جميعا  لنقطة الصفر ،  لقد تشكل محيط جغرافي متأزم ذو تأثير حزبي ومناطقي أسهمت الإفرازات في تكوينه وغذت منظومة الفساد والاستحواذ الأسري جذوره لننصدم بحواجز طبقية تتعدى المتاح في تدحرج مأساوي أبعد ما يكون عن مفهوم الدولة ، لقد انصرفت تلك القوى لتأسيس بؤر سوداء توغر في جسدنا مظلومية لا يردمها وقت أو جغرافيا .  لقد تنكر البعض لعربيته وآخر  لموطنه وتفرغ آخرون لنسف هويتهم  مما فاقم المسألة  وصدع الجدار .

 غياب ناعم لأبرز لاعبي المشهد شمالا و جنوبا وتبخر للكوادر في غياب غير مبرر  لأكبر عقلاء  التنظيمات المتجذرة ذات الحضور العميق  " عباقرة الأحزاب وعرابوها " مما عجل بوتيرة السقوط في مسلسل انهيار الدولة وتشويه الثقافة الشمولية لمفهوم المدنية والمعاصرة . إن الصورة المعتمة للناقل التفاعلي  لم تعد تنقل في مجملها إلا نماذج باهتة  لمسعري الحرب   ومصدري الفتنة هناك او هناك  في سلم تناقض عكسي يسابقنا الزمن نحو منحدر خاسر يتجه إلى خطوط  التماس الأخيرة . إن استمرار تلك القوى  في صناعة أساطيرها الكرتونية  يعد تجهيلا محضا لمساحة  جغرافية تحرر فيها كل شيئ   الا  الإنسان وهي الإرث الكارثي لمجتمعنا المكلوم .

لم يعد يحتمل  مجتمعنا حفنة من  الدراويش الذين  يعج بهم ميداننا لصناعة المزيد من المتصارعين على مصالحهم في  اكبر امبراطورية تشهد التفكك المجتمعي والفساد والترهل  الإداري والعجز  . كتل مريضة  وصولية تمتلك  قناعات مختلة كتب لها أن  تتصدر المشهد على جثث آلاف الأبطال والضحايا  لتنسب حصريا وسم الوطنية  لكيانها الهش دون الآخر عبر صكوك تصدرها دون أدنى خجل   .

إننا بلا شك  إذا لم نعمل سويا من أجل تعبيد الأرض  للنهوض من جديد فلن نفلح في شق طريقنا بسهولة بعد اليوم .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي