مصر- التنمية تقتضي لنجاحها تهيئة أرض الملعب!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاثنين ، ٠٩ مارس ٢٠٢٠ الساعة ٠٧:٠٩ صباحاً

 

بداية نحن نعرف ان احداث تنمية تقتضي معرفة الواقع و المشاكل و ايجاد اصلاحات للوصول لحلول تدفع الى دوران عجلة التنمية كمحصلة. ذلك يشبه سيارة واقفة لا تعمل و تحتاج الى "دهف" و محاولات "نتعها" ليدور المحرك و تنطلق في مسارها. العملية مصحوبة بجهد الدفع للسيارة و كلما كبرت السيارة زاد حجم الجهد و انقطع النفس في تكرار المحاولات, و لك ان تتصور ان مصر ليست سيارة و انما شاحنة كون سكانها تجاوز ٩٣ مليون نسمة. اكيد هناك معاناة اثناء الاصلاحات لكن طريق لابد منه وكون هناك مشاكل كثيرة تظهر دليل انها ليست وليدة لحظة وانما تراكم و هنا يبرز تيار الاحباط مستغل ان الناس لاتستطيع صبرا بما لاتدرك و خير مثال في اليمن خرجت الناس كلها ضد حكومة باسندوة ودعموا اسقاطها كونها طلبت برفع تسعيرة بسيطة ترفد الدولة بما ينقصها في الميزانية وهي ٣,٥ مليار دولار, فخسر الكل الدولة. الان واحد بيقول و هل المشاريع العمرانية مهمة و العاصمة الادارية او المدن, اليس افضل بناء الانسان؟

 

و الاجابة على ذلك نجدها في لاغوس في نيجيريا غرب افريقيا و إحدى أكثر مدن أفريقيا اكتظاظا بالسكان اي مدينة سوف يتجاوز سكانها ٢٥ مليون نسمة خلال سنوات قليلة. مدينة كان يغلب عليها الفوضى باحياء فقيرة, تخطيط عشوائي, انتشار للبطالة فيها و العصابات, و انعدام الخدمات و صعوبتها, و اهدار الوقت و انتشار الامراض بسبب الصرف الصحي و الزبالة, مع تكدس السكان و اهدار الفرص و التنمية. كان امام نيجيريا مشكلة معقدة ولازالت كقنبلة مؤقتة بملايين البشر. فبدأو بمشاريع اعادة التخطيط و بناء احياء جديدة, اي مدن ادارية اقتصادية في اطرافها مثل مشروع "اكو اتلنتك" و "لاغوس ميجا سيتي" وغيرها و قطعوا اشوط خلال العشر السنوات و بدأت عجلة التنمية تدور في بيئة جديدة تمتلك مقومات التنمية من بنية تحتية, و هذا حفز الدولة على اعادة التخطيط و هدم الاحياء السكانية و كذلك الحال في مدن امريكا الجنوبية, و لذا قلت ان مشاريع مصر الان جيدة و خطوة صحيحة في طريق التنمية و النهضة هذه النقطة الاولى.

 

اما النقطة الثانية طلع البعض يقولون غير صحيح, الناس تعاني و الوضع ليس متحسن. و الاجابة ان الناس تعاني صحيح لكن الطريق في الاصلاحات الاقتصادية الى الان صحيح, و للناس هنا ليس الخيار و انما للدولة, كون هناك كوارث حصلت في تساهل الدول و محاولة التأقلم مع رغبات المجتمع مثل فنزويلا, اي كانت الدول تصرف دون خطة و الناس تصفق كون طلاباتها تنفذ و النتيجة كارثة لن تتعافى منها فنزويلا و الشعب لايجد لا مال ولا اكل و لا مستقبل. لذلك يهمني ان يتعب الناس في الانتقال من مرحلة الراحة و الاعتماد على الدولة الى مرحلة تفجير طاقته بالتنمية المجتمعية اي تصرف الدولة ما في الجيب للاكل و الدعم لم يعد مقبول دون هدف هذا من ناحية. اما من ناحية اخرى طبيعي جدا نكون في مرحلة انفاق, اذا دخلنا مشروع استثماري و نسجل ارقام سالبة الى ان نبدأ في التعافي و يبدأ المشروع يتحرك باتجاه التصاعد, و المهم الهدف الاستراتيجي بعيد المدى بوجود رقابة. الان بيقول واحد فهمنا الفكرة, لكن نريد ارقام لنفهم الفكرة افضل و اجعلها النقطة الثالثة لنرتب الافكار في النقاش؟

 

النقطة الثالثة لكم لغة الارقام هنا, و هي تعتمد على تقارير البنك الدولي السابقة من ٢٠١٨ و ٢٠١٩. هنا توقعت تقارير البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة ٥,٨ في المائة في عام ٢٠١٩ بينما الحكومة المصرية تحدثت عن ٦ الى ٧ في المائة و من هنا كانت الارقام كما توقع البنك الدولي, و التي عكست ان هناك نمو اقتصادي مستمر حيث لو نظرنا الى ٢٠١٨ فقد كان في نفس التقدير و هو ما يتوافق مع رقم الحكومة المصرية . التحسن في النمو الاقتصادي يعود الى تحسن التدفقات المالية و استقرار الحسابات الخارجية عند مستويات مواتية على نطاق واسع و بذلك فان البنك الدولي و التقارير تقول ان النمو سوف يرتفع إلى ٦٪ في السنة المالية ٢٠٢٠ و ايضا ٢٠٢١ بشرط استمرار إصلاحات الاقتصاد الكلي و تحسين بيئة الأعمال. و لو نظرنا بشكل مفصل الى ماهو المحرك الاساسي للنمو فسوف نجد في كل التقارير ترتكز إن قطاعات الغاز و السياحة و تجارة الجملة و التجزئة و العقارات و البناء, مما انتج ارتفع صافي الصادرات من السلع و الخدمات و ايضا زادت الاستثمارات الخاصة مثل قطاعات العقارات و التعليم و الصحة و هذا بدوره ادى الى انخفض البطالة بشكل طفيف عن السابق من ١٣ في المائة في ٢٠١٤ الى تحت مستوى ٩ في المائة في ٢٠١٩ و هذا في بلد يرتفع عدد السكان فيه اكثر من ٢ مليون شخص سنويا .

 

و رغم التحسن الا ان الدولة المصرية تدرك ضعف فرص العمل في القطاع الخاص نسبيا و لهذا فهي بمشاريع البنية التحتية تسعى الى تهيئة أرض الملعب بين القطاعين العام و الخاص لا سيما عندما يتعلق الأمر بالحصول على الائتمان.و من متابعتي لمشاريع مصر اجد ان مصر ادركت أهمية الحياد التنافسي كأداة لتحفيز تنمية حقيقية للقطاع الخاص. الان شخص سوف يقول طيب و التضخم و التصدير و الاحتياطات النقدية و الديون و البطالة و انتشار الفقر, لماذا لا تذكر ذلك؟ و الاجابة نضعها في النقطة الرابعة التالية, بما انك مصمم تفهم؟

النقطة الرابعة ابداها من التضخم, فلو نظرنا للارقام فسوف نجدها ارتفعت من ١٠ في المائة الى ان وصلت ٢٩ في المائة في ٢٠١٧ و لذلك اسباب متعدده, لكن ما يهم ان التضخم انخفض في عام ٢٠١٨ الى النصف و استمر في الانخفاض في ٢٠١٩ مما يعني ان الدولة تتعافى بشكل مستمر او اقلها في الاتجاه الصحيح. و اذا نظرنا للتصدير فسوف نجد الارقام تشير الى التحسن المستمر حيث ارتفعت الصادرات من ١٨ مليار دولار عام ٢٠١٦ الى ٢٦ مليار دولار في ٢٠١٨ . و ارتفعت الاحتياطيات من العملة الدولية من ١٧ مليار دولار تقريبا عام ٢٠١٤ الى حدود ٤٥ مليار دولار في ٢٠١٨ مما عزز العملة و خفض الديون إلى ما يقارب حدود ٨٥ في المائة من الدخل القومي في عام ٢٠١٩ حيث كان قبل سنوات في حدود ١٠٠ في المائة من إجمالي الدخل القومي. و مختصر الموضوع اجد ان حكومة مصر حققت نتائج مهمة في اطار الإصلاحات, التي يدعمها برنامج تمويل سياسات التنمية بقيمة ٣ مليار دولار و برنامج الإصلاحات المحلية في مصر, و الذي يهدف إلى تعزيز الاقتصاد و خلق فرص العمل و تحقيق نمو مستدام -خاصة في قطاع الطاقة-.

 

و تم تعزيز الإيرادات الحكومية من خلال قانون ضريبة الدخل و تمت السيطرة على النفقات الحكومية خاصة على الأجور والمرتبات من خلال تعليمات الميزانية السنوية وأتمتة مدفوعات الرواتب و تم إعانات بنود الطاقة من خلال تعديلات التعريفة السنوية للغاز والكهرباء و تم تعزيز البيئة للمستثمرين من خلال تعديل قانون الاستثمار و تنفيذ قانون المنافسة و تم إصلاح نظام الترخيص الصناعي, مما ساعد على تقليل الوقت المستغرق في توفير التراخيص للصناعات منخفضة المخاطر. الان شخص بيقول ياخي هذه الاصلاحات نعرفها و التقارير موجودة امام الكل و لها اثار سلبية و ليست مقتنع ان يستفيد منها الشعب المصري, فهل هناك استراتيجيات لتخيف الاثار و ننتظر بعدها النتائج, هذا هو ما يجب ان يلمسه الفقراء ؟

 

و في هذه النقطة و اقول النقطة الخامسة اتفق فقط بجزء معك و هو معالجة الاثار السلبية في الاصلاحات, و التي تدركها الحكومة المصرية. وهنا قام مثلا البنك الدولي بدعم الحكومة المصرية باستخدام مختلف الأدوات المالية لتعزيز برامج الحماية الاجتماعية و لدعم أنشطة خلق فرص العمل المستدامة وهنا بالضبط قام البنك بدعم الحكومة في توسيع نطاق برامج شبكة الأمان الاجتماعي بما في ذلك التحويلات النقدية للتكافل و تم التوقيع على تمويل إضافي بقيمة ٥٠٠ مليون دولار لدعم برنامج شبكة الأمان الاجتماعي في مصر في ٢٠١٩ وقد وصل البرنامج إلى حوالي ٢ مليون أسرة, اي الحديث عن ١٠ ملايين مواطن بإجمالي تمويل يصل إلى ٩٠٠ مليون دولار و ركز التمويل الإضافي على تعزيز الاندماج الاقتصادي. و هنا يعمل برنامج التنمية المحلية للنتائج في مصر بقيمة ٥٠٠ مليون دولار على تحسين قدرة الحكومة المحلية على تقديم خدمات أفضل للمواطنين و تحسين الظروف الاقتصادية المحلية في أفقر محافظات مصر وهي حسب التقارير قنا و سوهاج . و أشركت المحافظات والمقاطعات المواطنين والشركات في تطوير خطتي استثمار رأس المال السنويتين الأخيرتين, و التي هي الآن قيد التنفيذ. و هناك مشروع توصيلات الغاز المنزلي ل ٢ مليون أسرة مقيمة في المناطق الريفية و العمل على توفير إمدادات موثوقة و منخفضة التكلفة للشبكة من الغاز الطبيعي بحلول عام ٢٠٢١, و قد تم بالفعل وصول المشروع ل مليون أسرة حتى الآن حسب التقارير. و هناك برنامج خدمات الصرف الصحي الريفية المستدامة لما يقارب ٢ مليون شخص يعيشون في قرى شديدة التلوث و مناطق في دلتا النيل, والذي رصد له إجمالي ٨٥٠ مليون دولار, و يقوم البرنامج بتمكين شركات المياه والصرف الصحي المحلية لتقديم خدمات لامركزية فعالة و شاملة و خاضعة للمساءلة و قد وصلت إلى ٣٠ الف مستفيد حتى الآن حسب التقارير الاجنبية. طيب دوختنا ياخي, فكيف عن الاسكان و انت تحدثت في منشورك السابق عن ١١ الف مشروع و قلت حتى نصفها فذلك جيد.

 

في النقطة السادسة سوف اتحدث بشكل موجز و لك البحث بعدها في تقارير الحكومة و البنك الدولي و تحلل بنفسك الباقي. هناك برنامج تمويل الإسكان الشامل بلغت تكلفته ٥٠٠ مليون دولار و يهدف إلى تحسين القدرة على تحمل تكلفة الإسكان المنخفض الدخل من خلال تعزيز قدرة صندوق الإسكان الاجتماعي على تصميم السياسات و تنسيق البرامج في قطاع الإسكان الاجتماعي. من بين ٨٣٠ الف أسرة ذات دخل منخفض يستهدفها البرنامج تم الوصول إلى ٢٤٣ الف من الملكية أو المساكن المستأجرة, اي هناك تحرك من الدولة. وفي المجال زيادة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية و القضاء على التهاب الكبد هناك مشروع تحسين جودة الرعاية الصحية بقيمة ٥٣٠ مليون دولار. تم حتى الآن منح أكثر من ٣ ملايين مواطن في أفقر قرى صعيد مصر الوصول إلى مجموعة أساسية من الخدمات الصحية و السكانية و خدمات التغذية. و تم فحص أكثر من ٥٠ مليون مواطن في جميع أنحاء مصر حتى الآن لفيروس التهاب الكبد الوبائي و الأمراض غير السارية. و هناك مشروع تشجيع الابتكار من أجل الوصول إلى التمويل الشامل الشامل, الذي تبلغ تكلفته ٣٠٠ مليون دولار على توسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الصغيرة و متناهية الصغر في المناطق المحرومة من الخدمات باستخدام آليات تمويل مبتكرة مع التركيز بشكل خاص على الشباب و النساء نتج عن هذا مايقارب من ٣٠٠ الف وظيفة جديدة.

 

و مختصر الموضوع من يتابع التقارير و الارقام و المشاريع الاقتصادية المصرية بعيون الخارج و الحكومة المصرية يستنتج ان مصر في الاتجاه الصحيح في هذا السياق و الامور ليست "مكارحة" و انما اجد هناك مشاكل و هناك تفاعل دولة, و لا انتظر معجزات عيسى و لا عصا موسى تحل المشاكل المتراكمة بسرعة, و انما هناك جهود جيدة لدفع مصر للتحرك للامام و لتدور عجلات التنمية فيها, اما بقية الامور السياسية و الحريات فليست موضوع الطرح هنا.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي