لماذا سرب حزب صالح إلغاء الاحتفال بذكرى الجلوس الـ 34..؟

كتب
الثلاثاء ، ١٧ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٥٨ مساءً
بقلم: عبد الحكيم هلال مؤخراً كشف قيادي مؤتمري أن حزبه قرر إلغاء فكرة الاحتفال بالذكرى الـ 34 لسيطرة الرئيس السابق على كرسي السلطة في اليمن..! في الواقع؛ لمجرد أن يوجد من قد يفكر بالاحتفال بتنصيب رئيس أزاحته ثورة شعبية غاضبة، قد يبدو بحد ذاته أمرا غبيا ومستفزا للغاية..! إلا أن موقع “العربية نت”، الجمعة الماضية نسب تصريحات لشخص اسمه محمد عبد القوي (وصف على أنه “قيادي في حزب المؤتمر الشعبي”) جاء في خلاصتها: أن “التيار المعتدل” داخل الحزب – حسب ما وصفهم - نجحوا بإلغاء الاحتفال الذي كان أعد له في يوم (17 يوليو) القادم، بمناسبة الذكر الـ 34 لتولي الرئيس السابق، علي عبد الله صالح السلطة في 1978م. أما السبب، فلأن مجلس الأمن الدولي حدد هذا اليوم (17 يوليو) بعينه، لعقد جلسته القادمة بشأن اليمن. وعليه فقد تقرر إلغاء تلك الاحتفالات, “حتى لا تفسر على أنها رسالة استفزازية وتحدٍ للمجتمع الدولي الذي يرعى العملية الانتقالية في اليمن - على أساس المبادرة الخليجية”. ولمزيد من إضفاء المصداقية، قال: إن خلافاً حدث بهذا الشأن في إطار قيادات الحزب المنقسمة، لكنه في نهاية المطاف “بات شبه محسوما” لمصلحة القيادة المعتدلة “بعد أن رأت أن إقامة تلك الاحتفالات في نفس اليوم الذي سيعقد فيه مجلس الأمن جلسته القادمة بشأن اليمن”، من شأنه أن يبعث “رسالة مشوشة مفادها أن حزب الرئيس صالح يتحدى الجهود الدولية.. وبالتالي هو من يعيق العملية الانتقالية”. والآن: هل قد يبدو ذلك حقيقيا؟ لكن.. ماذا لو لاحظنا أن تلك التصريحات المسربة، جاءت بعد يوم واحد فقط من التهديدات التي أطلقها جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للامم المتحدة إلى اليمن، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الخميس (أي قبل يوم واحد من تلك التصريحات) في ختام زيارته الاخيرة، والتي جدد فيها التذكير بأن “مجلس الأمن يتابع الحالة في اليمن عن كثب”، ثم هدد بالقول: “وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2051 لا يوجد مجال للتساهل مع من يعيق عملية الانتقال السلمي للسلطة، وكل من يحاولون إخراج العملية من مسارها، هم الآن قيد الرصد وتحت المجهر”. عملياً، أطلق بن عمر تلك التهديدات، بعد مجموعة لقاءات كان عقدها مع قيادات من مختلف القوى والأطراف السياسية، الحزبية، الشبابية، والمجتمعية...الخ، في إطار ما توجبه مهمته الأممية لتقييم مسار العملية السياسية؛ التي ستنتهي برفع تقريره النهائي إلى مجلس الأمن يوم (17 يوليو) الجاري، بخصوص التطورات الأخيرة في العملية السياسية والجوانب المتصلة بوجود خروقات من أي طرف كان. مختبر الفحص والتدقيق السياسي إن السياق التوضيحي السابق، قد يضع تصريحات القيادي المؤتمري تلك، موضع الريبة والتشكيك، ما يفرض التعامل معها ليس كمجرد تصريحات سياسية عادية، بل ربما كتسريبات موجهة تنطوي على مغازٍ وأهداف سياسية محددة..! ولعل مجرد التفكير بإقامة مثل هذا الاحتفال، في ظل المتغيرات الأخيرة، هو بحد ذاته فكرة تنطوي على وقاحة سياسية..! ومن الغباء أن يفكر سياسي بمثلها، ليس لأن مجلس الأمن سيعقد جلسته بشأن اليمن في اليوم ذاته، كما زعم، بل لانتفاء مبرر حدوث مثله بعد قلع من يفترض الاحتفال به من السلطة عبر ثورة شعبية عارمة..! وحتى بفرض وجود قيادات في المؤتمر تتمتع بهكذا غباء سياسي، فلمَ قد يفكر قيادي في الحزب بتسريب ذلك للصحافة؟ بل لمَ هذه المرة قد يحدث التسريب بطريقة غبية – غير مألوفة في العمل السياسي – تخالف أبسط قواعد التسريب البديهية: “سرية المصدر؟”. ليس إذا كان من صرح (أو بالأحرى: سرب)، قد اطمأن – وفق ترتيب مسبق - بأن كشف هويته، لن يترتب عنها أية عواقب مفترضة؟ ناهيك عما قد تضفيه حقيقة أن تيار المتشددين الموالي لصالح مازال هو الأقوى وصاحب الكلمة الفصل داخل الحزب – على المستويين: العمودي والأفقي، من تساؤلات إضافية مثيرة؛ لن تقودنا سوى إلى إجابة منطقية واحدة: أن ثمة توجها سياسيا – يفترض ان يكون مخططا له – لتحقيق أهداف بعينها من نشر تلك التسريبات. الاحتمالات.. التوقيت.. والمؤشرات وبتتبع بعض المؤشرات المرافقة، والبناء عليها، سيمكننا التوصل إلى اكتشاف ما وراء الأكمة. ولعل توقيت تلك التصريحات الحزبية، بعد يوم واحد من تهديدات المبعوث الأممي، في المؤتمر الصحفي، تأتي لتضعنا في بداية الطريق الصحيح. قبلها كان بن عمر التقى بقيادات المؤتمر الشعبي العام، وناقش معها ابرز القضايا العالقة، لاسيما تلك التي يصر أصحاب القرار في الحزب على رفضها؛ ابرزها مناقشة مشروع قانون العدالة الانتقالية للمصادقة عليه. وقبل أيام قليلة فقط، من المؤتمر الصحفي، شدد بن عمر على ضرورة حسم الحكومة لقانون العدالة الانتقالية خلال الأيام المقبلة من أجل تهيئة الأجواء للحوار الوطني.. وقال: إن قرار مجلس الأمن “واضح وصريح في طلبه من الحكومة حسم موضوع العدالة الاجتماعية”، مؤكدا أنه “لا يعقل ألا تتحقق مطالب الشباب والضحايا في المساءلة وتعويض الضرر وضمان حقهم على المستوى القانوني والمؤسساتي، لمنع حدوث أي خروقات جديدة أو انتهاك لحقوق الإنسان”. لكنه على ما يبدو، لم يجد تجاوبا من تلك القيادات بهذا الخصوص. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة أخبار اليوم (عدد الأحد) عن مصادر مطلعة، ، أن الرئيس السابق، علي عبد الله صالح هدد بسحب ممثلي حزبه من حكومة الوفاق الوطني في حال صدور قانون العدالة الانتقالية. من هنا كان يمكن للمؤتمر الشعبي أن يتأكد بأن المبعوث الأممي كان يلمح إليه - بدرجة رئيسية – بكونه هو الطرف المعرقل. الأمر الذي من المرجح فرض عليه التخطيط لإطلاق تلك التسريبات، كمحاولة لتغيير ما علق في ذهن الرجل المهم، قبل أن يبدأ بكتابة تقريره. وهنا يمكننا ببساطة ملاحظة أن المؤتمر - من خلال تلك التسريبات – أراد أن يوصل رسالتين تطمينيتن. الأولى: أن الحزب ما زال حريصا على التعاون مع المجتمع الدولي لإنجاح عملية الانتقال السياسي، لدرجة انه يحرص حتى على عدم إرسال رسائل قد توحي بالاستفزاز والتحدي..الخ. أما الثانية: أن التيار المعتدل داخل الحزب هو الذي – في نهاية المطاف – القادر على اتخاذ القرار الداخلي، وفرضه وتمريره، ما يعني انه من يمتلك القوة التأثيرية وكلمة الفصل الأخيرة، ما سيجعله قادرا على التعاون مع المجتمع الدولي لإنجاح ما تبقى من متطلبات العملية الانتقالية. لكن هل ستنجح المحاولة..؟ في الواقع، لطالما اعتاد الحزب ان يتخذ مسار التهدئة هذا قبل انعقاد جلسات مجلس الأمن. لكن السؤال: هل سينجح هذه المرة أيضا؟ ربما بات حزب الرئيس السابق ومستشاروه السياسيون المقربون، يدركون أن بن عمر، هو أيضا، يعمل وفق قاعدة تهدئة الأجواء لإنجاح مهمته. وتدعوه هذه القاعدة إلى ترخية الحبل وعدم سحبه من جهته بقوة حتى لا ينقطع. ما يفرض عليه أيضا ليس فقط إتاحة الفرصة مجددا، بل ايضا خلقها بقدر ما يمكنه ذلك. والسؤال هنا: هل مازال بن عمر قادراً اليوم على مواصلة العمل وفق تلك القواعد؟ لعل المؤشرات الأخيرة، تقدم نسبة لا بأس بها لترجيح الإجابة: (لا). في كلا الحالتين: سواء نجاح “تهدئة” المؤتمر في اللحظات الأخيرة، أم قدرة بن عمر على مواصلة العمل وفق قواعد النجاح الخاصة به. فمؤخراً شدد بن عمر على مسألة “الوقت” الذي لم يعد كافيا لإنجاز بقية المتطلبات. والأحد، نقلت صحيفة الخليج الإماراتية عن دبلوماسيين غربيين توقعاتهم أن يقدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، توصية – مرفقة بتقريره – تتضمن مقترحات بفرض عقوبات على عدد من الشخصيات اليمنية المعرقلة لمسار التسوية السياسية. وكشفت الصحيفة، على لسان الدبلوماسيين، قولهم: إن بن عمر ناقش مع ممثلي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وسفراء دول الاتحاد الأوروبي، خريطة التحديات القائمة أمام اليمن، بينها “إسهام بعض الأطراف في تأجيج الاضطرابات وخلق تعقيدات إضافية، بهدف إفشال مساعي الحكومة الرامية إلى استعادة الاستقرار المنشود، والمضي قدماً في تطبيق بقية بنود المبادرة الخليجية”. وأشارت المصادر إلى أنه تم التوافق على ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بدور فاعل في مساعدة اليمن على مجابهة هذه التحديات، من خلال اتخاذ إجراءات عقابية مؤثرة ضد المتهمين بالوقوف وراء محاولات عرقلة التسوية السياسية القائمة في البلاد. ومع ذلك، فقد تدخل هذه التسريبات الدبلوماسية الأخيرة، هي الأخرى، في سياق الضغط الذي غالبا ما ظل يسبق جلسات مجلس الامن بشأن اليمن، بهدف الحصول على تنازلات من الطرف المتشدد في بعض القضايا. أو ربما كانت الحجر ذاتها التي اعتادت الدول الثلاث دائمة العضوية الداعمة بقوة للمبادرة، رميها قبل الجسلة، بهدف قياس ردة فعل ومواقف روسيا والصين، الأولية، لفرض خيارات ضغط أخرى تكون أكثر فاعلية من سابقاتها.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي