ثورة النهضة المنشودة 

د. عبدالقوي القدسي
الاثنين ، ٢٤ فبراير ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:٤٨ صباحاً

 

ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين، وعلى إِثْرِ “ثورات الربيع العربي” والثورات المضادة، وما أعقب ذلك من أحداثٍ جِسَام، فإننا لا بد أن ننهض بعد التعثُّر، وأن ننتقل من حالة العِداء العدمي إلى حالة البِناء المشترك.

إن الثورة السياسية وحدها لا تكفي لإحداث التغيير، وقد تتحول إلى لَعنة في جبين من قادَ زمامها إذا انطلقت دون مشروع، وفي المقابل، فإن نجاح الثورة المضادة هو نجاحٌ نسبي يحمل في طياته عواملَ فَشَلِه، وستجد الثورة المضادة نفسها – حتماً- في مواجهة ثورة مضادة في المستقبل، وهكذا سنظل ندور حول حلقةٍ مفرغة، مالم نؤمن بأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء.

الثورات والثورات المضادة يجب أن تجتمع – اليوم-  في ثورة واحدة عنوانها “ثورة النهضة المنشودة” وهذه الثورة يجب أن تتجاوز الصراعات السابقة، وأن تُصوِّب نظرها تجاه المستقبل، وأن تتجاوز الماضي بكل سلبياته، وتؤسس لمرحلة جديدة عنوانها “التعايش والعمل المشترك”إذْ لا يمكن لطرفٍ أن يلغي الطرف الآخر، كما أنه لا يستطيع طرفٌ أن يهيمن على السلطة منفرداً.

يجب – من وجهة نظري – أن  يغادر فريق “ثورة النهضة المنشودة” حالة الانتماءات الضيقة إلى الانتماء الواسع للوطن، ويتجاوزوا حالة انعدام الثقة إلى حالة بناء وتمتين جسورها، ويجب أن يتحول مشروع النهضة إلى مُنتَج عملي، حقوقُه الفكرية محفوظة للأمة.

فريق العمل في مشروع النهضة بحاجة إلى شُحنات معنوية هائلة تجعلهم يمضون قدماً لتحقيق مشروعهم دون التأثر بتثبيط الآخرين، ولا بتخذيل المنهزمين، ويكفي الفريق فخراً أن يُخرِج للبلاد مُنتَجاً قابلاً للتطبيق ومتجاوزاً لكل الأطر الضيقة، ومنفتحاً على الداخل والخارج معاً.

فريق مشروع النهضة يشمل فئات المجتمع المختلفة، من رجالِ سياسَة، ورجالِ دين، وقادة عسكريين، واقتصاديين، وإعلاميين، ورجال أعمال، وطلاب علم، وأساتذة جامعة، وفقهاء قانون، وشخصيات اجتماعية، رجالاً ونساءً، ولا بدّ أن يجتمع هؤلاء جميعاً لتحقيق هدف كبير، وهو”إحداث النهضة”.

حالة الصراع والحرب هي حالة استثنائية،ولن تدوم، والاكتفاء بمتابعة أحداثها دون اتخاذ خطوات عملية تتمثل بصياغة مشروعٍ نهضويٍ جامعٍ لما بعدها سيطيل من أمد المعاناة، وسيؤجل عجلة التنمية المتوقفة، كما أن الحديث عن النهضة دون تقديم مشروعٍ واضحِ المعالم، لا يعدو أن يكون سوى استمرارٍ في مسلسل تخديرِ الأمة، وإمعانٍ في تسويق الوهم، ومادة للحالمين والعاطلين. ولذلك فإننا نسعى من خلال مشروع النهضة إلى :

1-     تقديم رؤية متكاملة لشكل الدولة المنشودة، هدفها تجاوز سلطة الفرد، وترسيخ سلطة الشعب.

2-     تقديم رؤية واضحة عن”الدين” تضمن عدم استغلاله من الدولة أو الأحزاب والجماعات لخدمة مآربهم السياسية، وتحول دون نشوء أي صراعات باسمه.

3-     إعادة قراءة التراث الإسلامي، وتجاوز الأفكار التي كانت وليدة لظروفٍ زمانية ومكانية، واستحضار روح الإسلام ومقاصده العليا عند صياغة مشروع النهضة.

4-    قراءة النهضة المعاصرة قراءة نقدية، والبدء من حيث انتهت، والأخذ بحسناتها، ولفظ نفاياتها، والاستفادة من الخبرات البشرية المتراكمة في مختلف المجالات.

5-     تقديم رؤية تعليمية نهضوية، تُحفّز على الإبداع، وتتعامل مع المتعلم على أنه هو محور العملية التعليمية، وتعتمد على البحث العلمي، وتقود إلى توجيه طاقات الأمة نحو البناء، وإعادة النظر في المناهج الدراسية والسُّلم التعليمي، والاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة في تنظيم العملية التعليمية.

6- تقديم رؤية تضمن جذب الاستثمار الخارجي وتشجيع الاستثمار الداخلي ضمن مقترح خطة للتنمية الشاملة.

7-     توجيه الاهتمام إلى الطاقة باعتبارها أهم أعمدة النهضة والمُحرك الأكبر للتنمية، وتقديم رؤية واضحة المعالم لتوفيرها من مصادرها، والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة، والتقليدية  المُتاحة.

8-  تقديم رؤية تهدف إلى ضبط العلاقة بين مكونات المجتمع، وإعادة صياغة الخطاب الديني، وتوجيه  الأحزاب إلى التنافس في خدمة البلد والتنمية.

9-     تقديم رؤية لبناء الجيش والأمن وفق منطلقات وطنية بعيدة عن المناطقية أو المذهبية، وإعطاء أولوية للأمن،وتفعيل سلطة القانون وإعادة الاعتبار لهيبة القضاء، واستقلاله .

10-   تقديم رؤية لكيفية إشراك المرأة في الحياة، ورسم معالم دورها الريادي في خدمة البلاد، وإزالة كل المعوقات العرفية لنيل المرأة مكانتها، وحقوقها التي كفلها لها الدين الإسلامي .

إننا ننشد -لبلادنا- نهضة شاملة: فكرية ومادية في آن واحد، الدولة فيها خادمة للشعب وراعية لمصالحه، لا تستغل الدين ولا تتيح لأحد استغلاله، نهضة تبدأ من حيث انتهى الآخرون في التعليم، والتكنولوجيا والاقتصاد والحكم الرشيد، تقوم علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وللمرأة فيها دور ريادي، والجيش والأمن والقانون صمام أمان للمواطن والوطن.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي