حروب الجيل الرابع والخامس وعلاقتها بالحرب في اليمن وتداعياتها 

د. فائزة عبدالرقيب
السبت ، ٠١ فبراير ٢٠٢٠ الساعة ٠٩:١٩ مساءً

لاشك ان الاحداث التي عصفت ببلادنا منذ الانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية المدعوم من قبل نظام الملالي في 2014 م  قد فتح ابوابا تدارت خلفها النزاعات الطائفة والمناطقية، وسطوة السلطة وانانية بعض الافراد التي تم استغلالها عبر بوابة العمالة والارتهان للخارج والتبعية المقيتة التي تعرض الوطن للضعف وتفقده سيادته وكرامته وقراره السياسي من خلال سعيهم  في كل ما من شأنه إضعاف الدولة وتدمير الجيش الوطني وتقسيم البلاد وتمزيق النسيج الاجتماعي عبر احداث يتداخل في اسبابها عاملي الخاص والعام في ظل غياب الاجابات الموضوعية والتفسيرات المنطقية التي لم تأتي بمحض صدفة خاصة ويلجأ البعض الى الاخذ بظاهرها.   تساؤلات واجابات عدة برزت لم يكن العقل يذهب اليها لولا المواقف المتعارضة التي ترتبت عليها وابرزها الحرب بالإنابة التي تشهدها بلادنا منذ خمسة اعوام وتداعياتها وان ايران ليست فقط هي المعنية بها، بل ان هناك دولا اخرى لها مأرب منها، و كذلك موقع بلادنا الذي اصبح مطمعا ليس لدولة بعينها وانما هناك دولا اخرى لها مصالح فيه، وكذلك الحال بالنسبة لإعلان الحرب على الارهاب والقاعدة والتدخل الامريكي المباشر فيه. 

لعل ما استفزني واستدعى كتابة هذا المقال هو تقارب احداث الأيام القليلة الماضية مع الصورة الذهنية المقلقة عن مستقبل الوطن، التي شن فيها جماعة الحوثي هجمات مكثفة ومباغتة على مواقع الجيش الوطني في جبهة نهم، والجوف التي ظلت قوات الشرعية مرابطة فيها لأكثر من أربعة أعوام، التزاما بمبادرات وقف التصعيد وتماهيا مع السلام المنشود وكذا احداث الجنوب فيما يخص تنفيذ اتفاق الرياض والاخبار المتباينة التي نتابعها في هذا الصدد وما يتزامن معها من تصريحات سواء للسيد مايكل آرون، السفير البريطاني لدى اليمن، وما اشار اليه في صحيفة الشرق الأوسط، بأن الوضع قد تغير الآن، وان هنالك حاجة إلى اتفاق سياسي شامل ليس محدداً بمنطقة أومحافظة وحدها، وإنما اتفاقا لوقف الحرب تماماً في كل الجبهات والذي لحقه في ذات السياق حديث المبعوث الأممي مارتن جريفيث ودعوته الاطراف المتصارعة إلى خفض تصعيد العنف والتوصل إلى حل سلمي للنزاع في اليمن بالإضافة الى تحذير كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وروسيا من التصعيد العسكري ودعوتهم جميع الأطراف إلى وقف القتال على الفور والالتزام بمبادرات وقف التصعيد ومواصلة تعزيز تلك المبادرات، وكأن مساعي هؤلاء جميعهم يميل نحو ايقاف الحرب في اتجاه التسوية الشاملة والاخذ بنتائج السيطرة على الارض، وبدلا من اجتثاث الطائفية والمناطقية واستعادة الدولة الوطنية التي تمثلها الشرعية الدستورية، الا انه لا ضير عندهم من يقف خلف ذلك الانقلاب ولا ضير من وجود مليشيات مسلحة تعمل خارج الدستور والقانون وتصبح خنجرا في خاصية اليمن والاقليم ولا ضير ايضا ان تأتي هذه التسوية على حساب الشرعية بل انه بات من المهم التمني ان يكون العام 2020م هو موعد لنهاية الحرب وهو الامر الذي بات فيه كل شئ واضحا وان ما يدور في بلادنا هو حرب بالإكراه، حرب من اجل إفشال الدولة و زعزعة استقرارها ومن ثم فرض واقع جديد يتيح للدول الكبرى التدخل وتوجيهها لمصلحتها فحسب وليس ببعيد ان يقصى فيها تابعيهم من اللاعبين المحليين والاقليميين اذا استدعى الامر ذلك، ناهيك ان جميع المظاهر التي شهدتها بلادنا، بدء من سعي قوى خارجية عبر وكلائها المحليين في السيطرة على عقل المواطن وزعزعة شعوره سلبا بالانتماء والولاء للوطن وتدمير المؤسسات التعليمية وأجهزة الدولة بصورة عامة، وتوسيع رقعة الفساد بالإضافة الى نشر الشائعات والاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة وتحطيم ثقة الناس في بعضها وقياداتها والتخوين مع ممارسة الكذب والتعتيم و وتوجيه حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام وممارسة التلاعب والخداع النفسي على المواطن سواء المؤيدين لهم او المحايدين منهم وكذلك استخدام كافة الضغوط المتاحة - السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. 

 

استطيع القول هنا، ان جميع تلك المظاهر وما تشهده بلادنا من احداث  تدلل ان  لحروب الجيل الرابع والخامس - التي اعلن عنها في 1989م - يد فيها لا سيما وان بصمات الياتها التنفيذية وفقا لاستراتيجيتها تتجلى بوضوح في استخدام التقنيات الحديثة، ما بين القوة المسلحة، كالصواريخ المضادة للدروع واستخدام الطائرات المسيرة، والعمليات الانتحارية، ونصب الكمائن، والأعمال الإرهابية بما فيها الإرهاب الإلكتروني أو القوة غير المسلحة التي يكون فيها العدو فاعلًا بدون أن يظهر ذلك بشكل مباشر والعمل على تهييج الشعوب لجعلها لاعبًا أساسيًا، يجري تحريكها بحسب أهداف سياسية لصالح دول أخرى وإغراق المناطق المستهدفة بالمخدرات واستحداث حالة فوضى في مواقع الصراع بين أطراف محلية، وهوما نجده متسقا مع حال بلادنا وما يحدث في بعض الدول العربية من صراعات وحروب ودمار، وثورات ربيع عربي، وارتباط وارتهان لبعض القوى السياسية والنخب الحاكمة والمعارضة فيها بقوى وأجندات ومشاريع خارجية مختلفة سواء كانت دولية أو إقليمية وهو الامر الذي يتطلب منا ان ندرك اهمية حروب الجيل الرابع والخامس وتأثيرها في محيطنا العربي والاقليمي وانها اصبحت تمثل قضية شديدة الخطورة ليس على بلادنا فحسب بل على الامن القومي في المنطقة العربية برمتها. 

ولعل ما يعنيني هنا، في هذه العجالة هو لفت الانتباه باننا جميعا نشترك في تدمير بلادنا طالما لا نرغب ان نحدد اولوياتنا بين المهم والاكثر اهمية، والتفريق بين القضايا الاستراتيجية والمطالب التي يمكن تأجيلها ونرفض الحوار الجاد والمسئول ونعرقل تنفيذ التفاهمات والاتفاقيات ولا نتوافق من اجل تفويت الفرصة على العدو الرئيسي الذي يريد اعادة تقسيم المنطقة غير عابئا بما سيحدثه من تأثير سلبي على شعوبها وامنهم واستقرارهم.

ما يهمني هنا ان اشير اننا في عصر تكنولوجيا المعلومات التي ينبغي ان نكون حاضرين فيها بقوة ومستعدين للمتغيرات من خلال مراكز معلومات مختصة في دعم واتخاذ القرار في مختلف المجالات على ان تكون  ذات طبيعة بحثية ترصد المعلومات وتحللها وتكون ذات فاعلية تستبق الاحداث فهي من تقوم  بالرد على الشائعات بالحقائق والأرقام والمعرفة، وهي من تدأب في مواكبة التطور المعلوماتي في مختلف المجالات وتكوين قوى دفاعية تبدأ بالوعي وبناء الإنسان باعتبار ان الرهان على تحصين الوعي يعد حاجزا منيعا  في الصّد أمام أي أفكار متطرفة أو سلوكيات منحرفة او السقوط في مستنقع القوى الخارجية والتضحية بالوطن من خلال نشر المعرفة والخبرات التي تمكن الجميع من الإدراك السليم لكل ما يدور حوله وبالتالي اتخاذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب ولو كان لدينا مركزا للمعلومات في الجانب العسكري لما اصبحنا اليوم في وضع كهذا.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي