قيادات البلد نجحت في حاجة واحدة فقط و هي انها أكلت البذور قبل الموسم !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الثلاثاء ، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٩ الساعة ٠٢:٠٦ صباحاً

 

في عام 1998 تم انتخاب رئيس لدولة غنية تعيش انتعاش اقتصادي فقام بوضع خطة لبناء مجتمعه تحت عنوان "اشتراكية القرن الواحد و العشرين" كونه كان يمثل الفهم و العلم و الارتجال. بموجب تلك الخطة أعاد الرئيس بناء اقتصاد البلاد بشكل جذري و قام بتأميم آلاف الشركات و بالتالي وضع الأساس للاقتصاد الجديد, كما خيل له علمه و فهمه, دون ان يدرك ان ذلك يمنع بشكل غير مباشر إنتاج أي شيء لا يعتمد على النفط. تمكن من خلال العديد من البترودولارات من جلب السكان الفقراء وراءه لانهم عاجبهم الامر و الشعارات و بيع الكلام المفزلك و لم يتوقعوا انهم يشجعونه لهدم الدولة بذلك.

 

كان لديه و أتباعه المليارات الدولارات القادمة بشكل لا ينقطع في كل عام من النفط. و كان يشغل نفسه و حكومته بالقشور والشعارات الكاذبة, لدرجة لم يفكر انه يستورد من ورق الحمامات اي التواليت إلى الغذاء الرئيسي و شفرات الحلاقة من الخارج. الحكم كان عبارة عن شطحات و ليس منهجية تحتاج الى مؤسسات تعرف اثر اي خطوة قبل اتخاذها. و طبعا مع ارتفاع اسعار النفط خلال العقد الماضي ظل الكل يتفلسف و يمدح بمنهجية القائد, الذي يحبه شعبه و أن الاستراتيجية الاشتراكية, التي انتهجها بدأت تنتعش و ان ما يقوله الرئيس هو الصواب و الناس عايشة حياتها في مرح و هرج.

 

لكن في عام ٢٠١٤ انتهت الطفرة النفطية فجأة دون مقدمات, و فجأة صحت الناس و لقت ان العملة الأجنبية مفقودة, لكي تستورد كل شيء و اقول كل شيء. مات الرئيس و خلف بعده نظامه لشخص لا يختلف عنه كونه تعلم الكثير منه, اصدر قرارت غير موفقة دون دراسة و ترك العملة الوطنية لبلده لقوى السوق تتحكم بها؟ ففي عام ٢٠١٤ كان الدين الحكومي ٦٦ مليار دولار و بحلول عام ٢٠١٧ أصدرت دولة فنزويلا سندات بقيمة ١١٠ مليارات دولار مما يؤدي إلى جانب القروض و الفوائد إلى مطالبات تصل إلى ١٧٠ مليار دولار طالب المتداولون بحوالي ٤٠ في المائة من الفائدة على السندات في نفس العام و استمرت الحكومة في خدمة الدائنين الأجانب وكان ذلك "ممارسات دفع انتحارية". و كون لم يكون هناك خيار فقد اصيبت العملة الوطنية بانهيار تام مما جعل العديد من المنتجات المستوردة أكثر تكلفة, و كونه كان يخشى على شعبيته و بدلاً من معالجة المشكلة بشكل اقتصادي متخصص قام بأدخل ضوابط الصرف الأجنبي بشكل عبثي اي تحديد الصرف دون دراسة, و هنا لم تنجح ايضا الضوابط و بموازت ذلك تشكلت على الفور سوق سوداء للعملة لا يمكن تجنبها.

و قامت الحكومة وردت بمزيد من التشديد و التقنين لمحاربة السوق السوداء, لكن كل خطوة كانت تقود الى كارثة و السبب ان السياسة الاقتصادية الارتجالية تقود الى عواقب وخيمة يصعب معالجتها كمن يحاول يطفي النار بمزيد من البنزين. و بسبب نقص المواد الأساسية و الاستيراد انخفض الإنتاج في البلاد بسرعة, ذلك كان بدافع هبوط أسعار النفط في العالم و ضعف اقتصاد الدولة. كل ذلك لم يؤثر على الشعب المستهلك فقط و انما ايضا اثر على ميزانية الدولة بشكل عنيف. و كون الميزانية سجلت عجز كبير جدا دفع ذلك الحكومة الى طبع المال اي العملة. هذا بدوره دفع لارتفع التضخم في العملة و الصرف بحدة في السوق السوداء.

و جدت الحكومة حالها كمن يحاول يطفي النار بمزيد من البنزين اي انها دائما تتخذ استراتيجيات غير صحيحة كونهم في كل خطوة يخلقون مشكلة اكبر, ذلك دفع في النهاية الى سياسة التقنين اي تحديد رقم الأيام لمحلات السوبر ماركت, التي يمكن الشراء منهم مثل الصيدليات المناوبة, كون البلد لم يعد يقدر على الاستيراد, كطوابير الغاز عندنا, و الان يريدون كدولة يستخدموا عملة رقمية. الاقتصاد تفكك, حتى ان في المستشفيات اختفت الأدوية و حتى الأكسجين لأجهزة التنفس, و السبب اللعين للوضع هو الارتجال و الشعارات الكاذبة من قادة البلد.

الحكومة و المجتمع كانوا يعيشون بمبدأ اصرف ما في الجيب ياتيك مافي الغيب, اي لم يدخروا شيء, مثل غيرهم في بند احتياط نقدي, وعادة ما تكون هذه الآلية معروفة جيدا للبلدان المصدرة للنفط لاسيما و هي تعرف ان هناك نكسات قادمة و تسعى إلى التخفيف من كوارث انخفاظ الاسعار عن طريق كسب احتياطيات النقد الأجنبي في سنوات ارتفاع أسعار النفط. كان اقلها مع وجود هذه الاحتياطيات يمكن خدمة السندات أو تسديد الفواتير للواردات في الأوقات العصيبة كما ينتهج ذلك كل عاقل في اي حكومة. لكن ما الذي منع تراكم احتياطات نقدية في بلد يصدر ٣ مليون برميل بترول يوميا؟

السبب الارتجال والعشوائية, فالرئيس كان يصدر قرارات دون صناعتها في مؤسسات, و كملها ايضا انه كان ينفق بكلتا يديه دون ريب في بلد فقط في ٣ سنوات ارتفعت حصة الإنفاق الحكومي من ٢٨ الى ٤٠ في المائة من الناتج المحلي الإجمالي, و هذا الانفاق العشوائي استنزف ماهو موجود و منع تراكم الاحتياطيات النقدية لديهم لاسيما و مثل هذه الزيادة في الإنفاق الحكومي لم تحصل في العالم كله. و طبعا لم تقف الامور على استنزاف الدولة و انما الحكومة دمروا القطاع الخاص بأكمله و دفعوا الشركات الأجنبية الى النزوح و على الرغم من الاحتياطيات الكبيرة للنفط و ما صدروه, نقدر نقول ان الحكومة و قيادات البلد نجحت في حاجة واحدة فقط و هي انها أكلت البذور قبل الموسم القادم و هذا في حصاد وافر.

و اليوم الشعب هو من يدفع الثمن في بلد صار لا يمتلك شيء الان, بينما كان دخله القومي ٢٨٧ مليار دولار ل ٣١ مليون شخص و بلد تمتلك ثاني احتياط نفطي في العالم بعد المملكة. اليوم الشعب يعاني من الانهيار الاقتصادي لدرجة ان قيمة عملتها تكاد تكون صفر بعد ان وصل التضخم عشرة مليون في المئة و ارتفع معدل الفقر بأكثر من ٥٠ في المائة عن عام ٢٠١٤ ، وحوالي ٨٠ في المائة في عام ٢٠١٦ و بنهاية عام ٢٠١٨ قد وصلت إلى ٩٠ في المئة. الغذاء نادر, النهب للمحلات بشكل دائم, والمواد غير موجودة و الطوابير لا تنتهي, و المرتبات لا تكفي قيمة الاكل. و المضحك انهم هم كحكومة من تسبب في انهيار البلد اي ليس الجفاف أو الحرب أو العقوبات أو كارثة بيئية هي المسؤولة عن هذه المعاناة, هذه هي دولة فنزويلا النفطية الغنية حالها اليوم.

و اليمن لا يختلف حالها عنها من حيث معالجة الكوارث و النتيجة, الا ان الصورة عندنا تعكس بلادة اكثر.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي