و طبعا اعتذروا !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الأحد ، ٠١ ديسمبر ٢٠١٩ الساعة ٠١:٢٠ صباحاً

 

امس طلع امامي منشور لشخص ما معه الا انتقاد الاسلام و الحضارة, يقول فيه ان الغرب اعتذر للعبودية, التي مارسها. و بذلك تفوق الغرب اخلاقيا علينا هدف غير معلن للمنشور لكن يفهم من السرد. و من وجهة نظري ما ارتكبه الغرب و بعد عصر النهضة و عصر العقل, كارثة لا يكفيها اعتذار ولا لطم و جلد مثل طقوس كربلاء و انما دفع تعويض, اذا اردنا نسوق الاخلاق, كون ناتج العبودية و الهيمنة و التسلط ثروة تكدست الى اليوم في الانظمة الغربية المتعاقبة و لم تنزل لهم من السماء, وطبيعي تلك الحقبة افرزت حقبة استعمارية و حروب كونية و راسمالية متوحشة الان امامنا. فقد امتدت تجارة الرقيق الى اوروبا و عبر المحيط الأطلسي تقريبا ٤٠٠ عام على الرغم الحظر من قبل مؤتمر فيينا في عام ١٨١٥. لكن عندما تنعدم القيم تستمر التجارة و استمرت الى عام ١٨٧٠ اي ما يقارب ١٠٠ سنة بعد الثورة الفرنسية.

اعتذروا صحيح, لكن الضحايا ماتوا و شبعوا موت و لا يهمهم اليوم الاعتذار من العبودية الأطلسية لاسيما و الارقام مفزعة و بكتبهم هم الغرب, اي ليس تدليس. فقد وصل حوالي ١٢ مليون من الأفارقة أحياء الى امريكا. كان يتم شحنهم مثل الخرفان من افريقيا. لك تخيل الباقي و هناك تقارير تشير ان عدد حالات الترحيل غير المنتظم الغير مقيد اعلى بكثير, حيث تشير التقديرات الى ان حوالي ٤٠ مليون افريقي و هذا رقم صادم للمفكرين. ٤٠ مليون تم اختطافهم و استعبادهم و لكم تصور ذلك انه نجا واحد فقط من بين كل اربعة من أسرهم في افريقيا بحسب مراجعهم هم, هذا ما قام به الغرب و تحت اعين الكنيسة و المفكرين و رجال اللاهوت و رجال الثقافة و السلطة, هولاء كانوا مشغولون بالعلمانية و الفكر الفلسفي و صالونات النقاشات "كما حالكم" و الكارثة في مكان اخر, اي بالنسبة لنا نناقش امور ليست ذات اولوية و المليشيات تعبث بالبلد , هذه واحدة. لكن لماذا لم يتجراء الاوروبيون على اخذ العرب كعبيد بدل الافريقين؟ و هذا موضوع اخر.

لم تكن كارثة العبيد هي الوحيدة و انما كانت هناك قبلها كارثة اكتشاف العالم, كما يعرفها كل غربي كون ذلك في كتبهم اي لم يدلس احد عليهم او طرف ثاني كتب عنهم اي مصادرهم. ففي عام ١٤٩٢ وجد كولومبوس العالم الجديد كما يعرف الكل لكن لا نعرف انه كان هناك ما يقدر بنحو ٦٠ مليون من السكان الأصليين يعيشون في أمريكا الشمالية و الجنوبية في ذلك الوقت. و بحلول عام ١٦٠٠ كان أكثر من ٩٠ في المئة منهم قد لقوا حتفهم من المستعمر الجديد و الاوبئة من اوروبا, التي هلكت الهنود الحمر اي تسبب الاوروبي بموت ٥٤ مليون بشكل مباشر او غير مباشر. ففي المكسيك وحدها انخفض عدد السكان في الأصل من ٢٠ مليون الى ما يقارب ٢ مليون عام ١٦١٨ بسبب الاوروبيين و الأوبئة, التي جلوبها مثل الجدري. و توجد احصاءات مماثلة لأستراليا و المحيط الهادئ لدرجة انه كان يمكن القول وقتها اينما ظهر الاوروبيون فقد احضروا معهم الموت, و طبعا اعتذروا للهنود الحمر وغيرهم بعد ان شبعوا موت.

تأتي الحقبة الاستعمارية و دفع ملايين البشر الثمن ايضا للاضطهاد و القتل و مصادرت الاراضي و طبعا تحت اعين الكنيسة و المفكرين و رجال اللاهوت و رجال الثقافة, هولاء كانوا مشغولون بالهدف كيف تطوير الشعوب ؟. و تكديس ثراوت و مقدرات الشعوب المطحون في بريطانيا و فرنسا وهولندا وغيرها, و طبعا اعتذروا. و لم نتوقف قليل الا وطحن الغرب نفسه بحروب كونية لم تبقي حجر على حجر, قتل ما يقارب ١٠ مليون شخص في الحرب الاولى و ٥٠ مليون شخص في الثانية, و طبعا اعتذروا. و حتى البابا فرانسيس قدم في عام ٢٠١٦ اعتذارًا للمسيحيين البروتستانت عن الجرائم, التي ارتكبتها بحقهم الغالبية الكاثوليكية قبل خمسة قرون اي ملايين قتلوا و مدن دمرت و المهم اعتذروا.

و المضحك كل ما ورد لا نريد نعرفه ولا نسمع عنه او نطرحه لنتعلم, و انما المهم توصيف عالمنا العربي من اشخاص عرب يعيشون في الغرب من كم يوم اننا اصحاب فكر و تراث ارهابي يجب تغييره و يجب ان نعتذر عن حقبة الفتوحات الاسلامية, و غيرنا ملائكة لانهم اعتذروا. الاعتذار يعني لي اقلها تغير في سياسة استغلال الاضعف او في تجنب محاربته بلقمة عيشه البسيطة او تجنب دعم متسلط ليخضع لك بعد مصادرة اختيارته, غير ذلك ليس له قيمة, كون الراسمالية كتجسيد للقيم الغربية و كوريث مجازا لازالت تتاجر بالرق و استغلال حاجة و ضعف الاخر بشكل ارقى ناعم و دون ان ندرك, مع فارق ان الراسمالية تتاجر فقط الان بالجملة.  

الحجر الصحفي في زمن الحوثي