التنوير نقطة من البداية!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الخميس ، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٩ الساعة ٠٩:٢٦ مساءً

اكثر من ٤٠ من مفكري العرب بشرونا قبل ٣ عقود اي في عام ١٩٨٠ بحركة تنوير عربية و ان المرحلة القادمة هي مرحلة التنوير في المنطقة العربية كضرورة حتمية، لكن لم يحصل شيء يذكر برغم الارضيات الخصبة لنجاح ذلك, فقد كانت تونس في الطليعة و مات اغلبهم و لم يولد انتاج فكري او مناهج واقعية تغير المنطقة، و لم يستطيعوا حتى ينظموا تنظيمات سرية او فكرية او يفتتحوا جامعة دولية, برغم ان الى ذلك اليوم و المنطقة لازالت في احسن حال مقارنة باليوم. لم ينجح العلمانيون العرب حتى باطلاق قناة فضائية فكرية تكون أقلها في أوروبا تنشر التنوير أو الديمقراطية للقواعد المجتمعية ليرتكزوا عليها و هم يتحدثون بشكل مستمر عن هدم الكهنوت و الانطلاق للعلمانية تقليد لاوروبا كمنفذ وحيد ليكون لنا مكان مناسب في هذه الألفية كما يطرحون اقلها في سردهم هم.

لكن لماذا نتحامل عليهم, ألم يحاولوا و يكفي شرف المحاولة اتفقنا معهم او اختلفنا ؟ كيف نطلب منهم الصمود أمام الإمكانيات الجبارة للتيارات الدينية المدعومة بقوة النفط؟ كيف لهم أن يصمدوا و المملكة العربية بنت ٧٢ مسجد في البوسنة و الهرسك في اقل من ٣ سنوات مثلا بينما اكثر العلمانيون العرب يعيشون على الرعاية الاجتماعية في اوروبا كما اعرف الكثير منهم؟ كيف لنا بانتقادهم و تيارات الاسلام السياسي تستند إلى مراكز مالية و دول و حكومات نفطية و غير نفطية و روح عقائدية جهادية يدعمها العرب و الأمريكان ايضا لاهدافهم حتى كما حصل في تفكيك الاوطان؟ لماذا لا يكون هناك خطأ وقع به العلمانيون يعود إلى الواقع الافتراضي, الذي يعيشون به و يرتكزون عليه؟. فمشاكل الواقع أكثر تعقيد لاسيما و البيئة العربية استقطبت الدولة القومية كتجربة من الألمان و لم يصيروا مثل الألمان و استقطبت البيئة العربية التجربة العلمانية من فرنسا و لم نشاهد تطور تونس او الجزائر مثل فرنسا و قوتها, و استقطبت البيئة العربية التجربة الاشتراكية من روسيا و أيضا لم نفلح بذلك و استقطبت البيئة العربية التجربة الديمقراطية من الغرب انتهت بسجن مرسي و تمكن مليشيات من الدولة كما حصل في مصر و اليمن, و استحضرت البيئة العربية والاسلامية حتى في شعارتها و سلوكها التجربة الاسلامية السلفية كما حصل في افغانستان و حتى السودان و المملكة و لم نفلح. هذه بيئة معقدة تشبه حقول الغام دفعت الكل إلى التنظير لسهولته و هم يحتسون القهوة في مقاهي أوروبا و احتمال كون الفراغ لشخص لا يعمل في اوروبا قاتل.

فابتعد الكل عن الواقع و ظلت فقط الجماعات الدينية المختلفة هي داخل الواقع مسيطرة كونها لا تمتلك مال فقط و انما منابر و ساعة كل اسبوع اقلها لمخاطبة المجتمع دون اعتراض و جامعات و مدارس و قنوات اعلامية دخلت الى كل بيت. و هذا يجعل اي حركة تنويرية بحكم الخاسر و هو ما يفسرانتقادهم الدين و المعتقدات و التراث من باب المحبط و ترديد ما يقوله الغرب عن بيئتهم دون بذل الجهد للتوافق ما بين الجذور التاريخية و الدينية و الحداثة. انظر لعدم واقعيتهم لسببين اولا لا يعرفون تركيبة المنطقة العربية الدينية اي لا يوجد لديهم حامل مجتمعي ولا حامل مالي اعلامي و ثاني سبب لا يوجد معهم بدائل للمرتكزات الاخلاقية, التي يمكن ان تحل محل الدين, الذي يحاربونه لاسيما و النهج الفلسفي الذي يفسر السلوكيات و الاخلاق لا يناقش منهم و لا ينشر, مما يعني لا يمتلكون حتى فكر فلسفي واضح و لم يفهموا التنوير, الذي حصل في اوروبا لتحرير العقل. هنا مثلا لا يمكن تطالب بتدمير جذور دينية لا تريدها دون أن يكون لديك مرجعية أخلاقية قائمة على الفلسفة منتشرة في المجتمع. هنا اجد ان في مجتمعاتنا الفلسفة كأساس للأخلاق غير متوفر و لذا يظل الأخلاق منبعها التراث الديني المتراكم في اكثر من ١٤٠٠ عام, و هنا يكون المنطق ان تبحث عن توافق فكري ما بين المعتقد الديني و التنوير لكي لا تنفصل انت عن الواقع. أعرف أنك غير سعيد بما أشرح لك من وجهة نظري لاسيما كونك اقنعت ذاتك ان فكرة العلمانية هي الوصفة السحرية للمنطقة و ان طريق محاربة الدين و التاريخ و التشكيك في أي شيء هو ردة فعل طبيعية ناتجة من الاحباط الحاصل, لكن ذلك غير صائب يعطيني الانطباع انك لم تفهم حتى الحركة التنويرية, و لذلك يظل الأمر مجرد عك لا يصلح المجتمع و انما يشبه جدل بيزنطي لا طائل تحته.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي