الحمير المقدّسة

محمد بالفخر
الخميس ، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٩ الساعة ٠٦:٥١ مساءً

 يحكى أن حاكما في الأزمنة الغابرة أرّقه سؤالا ذات ليلة فأراد أن يعرف جوابه ويحلّ معضلته فاستدعى أقرب مستشاريه على الفور وقال له لدي سؤالا حيرني فهل سأجد لديك جوابا فقال له تفضل (سيدي الرئيس) على طريقة الأفّاكين الجدد، سأله الحاكم ايهما اشد تأثيرا القداسة أم الحظ؟

فصمت المستشار برهة وقال القداسة (سيدي الرئيس)

طبعا في ذلك الزمن لم يكن هناك مصطلح الرئيس شائعا،

 فقال الحاكم لا بل الحظ وأصر المستشار على جوابه فقال الحاكم غدا سأثبت لك بالدليل أن الحظ هو أكثر تأثيرا،

فأخذه الصباح في جولة في سوق المدينة ورأى الحاكم من بعيد رجلا بائسا يلبس ثيابا رثة وقد أنهكه الجوع

فقال لحرسه ائتوني به واحضروه الى القصر واطعموه واشتروا له ثيابا جديدة وتم تعيينه وزيرا في بلاط الحاكم بأمره،

ثم قال الحاكم للمستشار اثبتُّ لك بالدليل أن الحظ أكثر تأثيرا من القداسة، فأصر المستشار على موقفه وجوابه السابق وقال للحاكم أعطني مهلة (سيدي الرئيس) وسأثبت لك صحة جوابي،

فخرج المستشار ذات يوم ورأى حمارا هزيلا قد انهكته سنين عمره والأشغال الشاقة التي تكبدها فأخذ هذا الحمال وذهب به امام الجموع البشرية في احدى ساحات سوق المدينة فاستقطب انظارهم واحتشدت حوله مندهشة فتساءلت ماذا تفعل بالحمار الهزيل يا سعادة المستشار؟ فقال انني احضرته من احدى الجبال البعيدة فهذا الحمار من سلالة الحمار الذي ركب على ظهره احد الأنبياء في العصور القديمة وحمل عليه متاعه وهذا هو النموذج الأخير من تلك السلالة المقدسة فتهافت الناس عليه هذا يجلب له طعاما والآخر يجلب له الماء وآخرون رتبوا له حوشا حتى لا يغادر مدينتهم وأصبح مزارا لسكان هذه المدينة وما حولها فكثرت فعاليات الزيارات المقدسة فهذا يتمسح بذيله لتحل عليه البركة وتلك تمسح مؤخرته لعلها تنجب زعيما بدهاء الحاكم او المستشار وهذا يقف بجوار رأسه وكأنه يلتقط معه صورة لكن لم تكن الكاميرات موجودة في ذلك الزمان،

فذهب المستشار للحاكم بعد أن ذاع صيت الحمار المقدس فقال له الم اقل لك (سيدي الرئيس) ان القداسة هي أكثر تأثيرا من الحظ وأكثر تأثيرا من العلم والدهاء ...

انتهت القصة ولا أدري أين وصل الحال بالحمار المقدس لكن ما أنا مؤمن به أن سلالته لم تنقرض والعالم حولنا مازال يمتلئ بالحمير المقدسة.

فكم من الحمير التي اصبغت عليها هذه الهالة القدسية. لم تعد القدسية في زماننا قداسة دينية بل تعددت القداسات وتوسعت فمنها السياسية والفنية وحتى العلمية وللأسف معظم هذه الشخوص المقدسة ماهي الا بالونات تم نفخها عمدا وعن سبق إصرار وترصد وارتفعت بها مكانا عليا وخطب ودها الجهلة والمغفلون وأصبحت تتحكم في مصير الأمم والشعوب

ومع اننا نعيش عصر العلم والتكنولوجيا الا أن التجهيل واستغباء الناس هو المتحكم وكأننا ما نزال نعيش ما قبل عصر المعلومة الميسرة والصورة والصوت التي توثق حقيقة تلك الحمير المقدسة. فهل سنظل زمنا طويلا تتحكم بنا أم أن هبة عنيفة ستعيد للعقول اتزانها وتعرفها مسارها وتدرك من يتلاعب بها لعلها تستفيق وتصنع مستقبلا واعيا لأجيالها القادمة.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي