هل يجتاح الربيع العربي دول الخليج ؟!!

كتب
الخميس ، ١٢ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٠٨ مساءً
بقلم : طلال جامل لم يتوقع احد منا قبل عام ونيف أن تبدأ ثورات الربيع العربي من تونس لخصوصيتها الثقافية والاجتماعية وبنية نظامها البوليسي فيها وسيطرته بشكل محكم على تونس ناهيك عن قربها وعلاقتها المتميزة بالدول الاوربية حيث تعتبر تونس من أهم المناطق السياحية للدول الأوروبية ولاسيما فرنسا وايطاليا وسويسرا. ولو دققنا النظر في تركيبتها البنيوية والفكرية سنجد أن هناك نخبة سياسية وفكرية عملت أكثر من خمسين عاماً داخل وخارج تونس على سلخها من حضارتها العربية والإسلامية وقد نجحوا إلى حد كبير في تفريغ الوعي التونسي من قيمه وارتباطه بتاريخه لتصبح تونس في فترة من الفترات مقاطعة غربية قيمياً، بنكهة عربية شكلية. في المقابل تعتبر تونس من الدول العربية الأكثر تقدماً تعليمياً وسياحياً ناهيك عن الوعي المعرفي في الكثير من قطاعات الشباب والفئات العمرية المتفاوتة ونسبة التعليم. كل ذلك لم يجعل تونس في منأى عن الثورة بل كانت فاتحة الكتاب لعصر عربي جديد يختلف في تكويناته وتركيباته ونظم حكمه. هذه اللوحة العربية من تونس كانت مشهداً ودرساً، لو أدركته بقية الأنظمة آنذاك ولملمت بقاياها واعادت ترتيب تركيبتها لربما نجت من قبضة التاريخ ولعنته، لكن وكما سمعنا تلك الكلمات المتواترة "مصر ليست تونس وليبيا ليست مصر واليمن ليست تونس وسوريا ليست اليمن" لتسقط تلك الأنظمة الواحد تلو الآخر. الخليج العربي بتركيبته السكانية المهترئة وغياب المؤسسات المدنية الحقيقية ونظام الحكم العائلي السلطاني الملكي، ناهيك عن التفكك القيمي في بنية الفكر الخليجي بسبب الثراء الفاحش نتيجة ثروات النفط مما يجعل الخليج لقمة سائغة للربيع العربي. صحيح أن الخليج قد يبدو قوياً ومتماسكاً إذا كان العدو من خارج السرب الخليجي لما تملكه دول الخليج من علاقات مع الدول الكبرى خوفاً على مصالحها مما يجعلها تستميت في الدفاع عن حدائق النفط، لكن ماذا لو أن أبناء الخليج أنفسهم هم من يشعلون ربيعهم بأيديهم فإن المسالة حتماً سوف تختلف، والمعادلة ستكون لها خصوصيتها ومفرداتها. صحيح أن المشهد البحريني ليس مؤشراً قوياً، لما تحمله مملكة البحرين من خصوصيات سكانية، لكن إذا اتسعت الدائرة من المدخل الطائفي فإنه سرعان ما يأخذ في طريقه كل ألوان الطيف السكاني الشيعي والسني في الكويت والسعودية لتنفرط السبحة الخليجية معلنة عصراً جديداً. والأخطر من ذلك هو الطوفان الفكري الصامت الذي يسري الآن في العقل العربي الخليجي دون أن يشعر، وهو السير نحو التغير والانقلاب الداخلي على كل تلك الموروثات الثقافية والفكرية والسياسية ولعل الكويت تمتلك من تلك المؤشرات ما يجعلها أكثر الدول الخليجية قرباً للمركز الأول في نيل شرف الريادة للربيع العربي الخليجي . العقل الحاكم في الخليج يراهن على التركيبة السكانية وايضا على البنية الفكرية والاجتماعية، فتلك الشعوب في اغلبها إما أن تعيش في ثراء فاحش او غيبوبة عن الحياة الكريمة، وماتبقى جنسيات تفتقد إلى أبسط الحقوق الإنسانية وهنا يكمن الفخ ومها كان المنطق الذي يتشدق به حكام (سآووي الى جبل) عليهم أن يدركوا أن ذلك الجبل لم يعصم مبارك ربيب اسرائيل وامريكا، ولم يعصم بن على حليف الغرب، ولم يعصم القذافي الذي فتح لهم السماء والارض وسلم ما كان يملك من ترسانة صاروخيه، ولم يعصم علي صالح الذي سلم لهم الارض والفضاء لتستبيح طائراتهم اجواءنا ليل نهار. إن العقل الخليجي اليوم تغير وبدأ يبحث عن الذات، والانسان الخليجي الذي عاش على هامش الحياة الحقيقية الفاعلة بدأ التحرك لتغيير صورة الخليجي الباحث عن الشهوات في أصقاع الأرض، الأبله في المراقص والبارات. إن النخب الخليجية اليوم تبحث عن هويتها المغتصبة والمسروقة في أقبية العائلات والسلاطين وتحاول استرجاع كرامتها وانتمائها الحقيقي لهذه الأمه. إن الوعي الخليجي اليوم يسير نحو التغير في إعادة ما اختزلته الآلة الحاكمة الخليجية ونسبته إلى نفسها. ان العقل الجمعي للمواطن الخليجي اليوم وهو يقف على ضفاف الربيع العربي يشعر بالخجل والنقص وهو يرى كيف تتخلق الشعوب العربية وتستعيد مجدها وكرامتها وهو مازال بين اسوار النفط والعائلة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي