هل يكون الحوار السياسي بين السعودية والحوثيين مقدمة لسلام دائم ومستدام؟

د. عادل دشيلة
الاثنين ، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٩ الساعة ٠٤:١٣ صباحاً

يبدو أنّ الهجمات المتتالية ضد السعودية ستسرع بسرعة الحوار المباشر بينها وبين الحركة الحوثية إذا لم يتفجر الصراع الإقليمي في المنطقة بين المملكة وإيران. لكن، إذا تم هذا الحوار فسيكون خرقًا لسيادة الدولة اليمنية وتحدٍ سافرٍ لكل القيم والأعراف الدولية. كما أن أي إتفاق بين السعودية والحركة الحوثية سيكون سابقة خطيرة في العلاقات العربية- العربية، إذ كيف يُمكن القبول  بالحوار بين دولة أجنبية ومليشيات محلية من دولة أخرى. مما يعني أن أي إتفاق بين السعودية والحركة الحوثية لا معنى له من الناحية القانونية وحتى الأخلاقية، وإذا حصل هذا الحوار فسيكون من صالح إيران  ومليشياتها الطائفية (الحوثيين).  كما أنّ الحوار السياسي بين المملكة السعودية  والحوثيين لن يكون مقدمة لسلام دائم ومستدام، بل بداية لموجة عنف جديدة لأنه سيكون غير قابل للتطبيق ولا يستند إلى أي مرجعية قانونية أو دولية. كما أن هذا الحوار سينسف كل المرجعيات اليمنية المتمثلة بمخرجات الحوار الوطني، والإقليمية المتمثلة بالمبادرة الخليجية،  والدولية وخصوصًا القرار الدولي 2216 والتي تدخل التحالف العربي لتنفيذها. علاوة على ذلك، ستصبح السعودية في مأزق قانوني وسيتعرض قادتها للمحاكمة الدولية نتيجة للجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب اليمني خلال الخمس السنوات الماضية.

 كما لا أحد يُنكر بأن الحركة الحوثية منقسمة على نفسها فالتيار البرغماتي أو بالأصح "الهاشمية السياسية" التي كانت تعمل ضمن الأيادي الخفية للحركة الحوثية في الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ ثورة 26سبتمبر 1962  حتى إنقلاب المليشيات الحوثية غداة 21 سبتمبر/ أيلول 2014 يؤيد الحوار سواءً مع السعودية أو حتى مع  الحكومة اليمنية وهذا التيار هو من يتحاور مع أمريكا حاليًا في مسقط لأنه يعرف أن الحوار مع الولايات المتحدة معناه الاعتراف ضمنيًا من أمريكا بالحركة الحوثية. من الواضح أيضًا أن السعودية تحاول الخروج من هذه الحرب من أجل حماية مصالحها وليست مستعدة للتضحية من أجل أحد ولا يهمها مبدأ إحترام سيادة الجمهورية اليمنية! لذلك، يبدو أن الحوار الذي تجريه الإدارة الأمريكية مع  التيار البرغماتي التابع للحركة الحركة الحوثية  في مسقط هو بدعم سعودي مباشر ولا يُستبعد أن يكون ضمن الوفد الأمريكي في مسقط فريق سعودي. 

وفي هذا السياق أشارت كريستين ديوان، وهي باحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن "أن انخراط الولايات المتحدة مع الحوثيين هو ]محاولة[ لفك ارتباط هذه الميليشيا بداعميها الإيرانيين، وبالتالي حرمان طهران من إحدى الجبهات التي تستخدمها لتقويض حلفاء واشنطن." لكن من وجهة نظري، لا يبدو أن السعودية وحتى أمريكا سينجحوا في فك إرتباط الحوثيين عن داعمهم الرئيسي إيران وذلك لعدة أسباب منها: أن الروابط المذهبية بين الحركة الحوثية والنظام الإيراني الحالي أصبحت قوية وهذا واضح من خلال محاولة الحوثيين تقليد إيران في مناسباتهم الدينية، وهنا يتضح  لنا أن الفكر الإيراني متغلغل داخل الصف المتشدد التابع للحركة الحوثية. ثانيًا، الحركة الحوثية حركة عنف طائفية مسلحة والجناح اليميني المتطرف هو من يسيطر على القرار السياسي داخلها مما يعني أن الحوار مع التيار البرغماتي التابع لها سيكون عديم الجدوى ولا قيمة له من الناحية العملية. ثالثًا، الحركة الحوثية لديها عقيدة دينية واضحة وتريد الاستيلاء على المنطقة برمتها، وأي إعتراف من قٍبل السعودية وأمريكًا بهذه الحركة سيفتح شهيتها لتوسيع نطاق المواجهة العسكرية ليس في الداخل اليمني فحسب بل حتى داخل العمق السعودي. 

لكن، في المقابل أشارت  إليونورا أرديماغني وهي باحثة مساعدة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية إلى أن "احتمال إجراء محادثات في الوقت الراهن ] بين الحوثيين والسعوديين[، أكبر من السابق إذ سيستفيد كلٌّ من الأميركيين، والحوثيين، والأهم السعوديين، من محادثات خفض التصعيد، بيد أن الرياض لا يمكنها بدء ذلك وسط قيام الحوثيين يومياً بإطلاق صواريخ ضد أهداف مدنية سعودية، وفي ظل السردية الوطنية المحلية حول الحرب في السعودية. مع ذلك، يتوجب على السعوديين إرساء الاستقرار على حدودهم الجنوبية، وبخاصة على ضوء المشاكل المتراكمة في جنوب اليمن." صحيح  أن السعودية لاتريد التصعيد وتريد إجراء حوار سياسي مع طهران ومليشياتها الحوثية واليوم لفتت الاندبندنت عربية بأن هناك "مؤشرات إيجابية في ترتيبات وساطة عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي بين السعودية وإيران" كما أكدت وول ستريت جورنال أن "السعودية وافقت على وقف إطلاق نار محدود في أربع مناطق باليمن ردا على عرض الحوثيين." كل هذه الخطوات المتسارعة تشير بأن المملكة لا يهمها الشرعية اليمنية بقدر ما يهمها أمنها القومي ومصالحها الخاصة وإن تغنت بما يُسمى بدعم الشرعية. لكن، السؤال الأهم هل من صالح السعودية أن ترضخ لمطالب حركة طائفية متمردة وتضحي بسمعتها وتتخلى عن حلفائها؟ وهل ستقبل الحكومة اليمنية بالخطوات التي ستقوم بها المملكة العربية السعودية في حال قررت عقد إتفاق مع الحركة الحوثية وتم استبعاد الحكومة اليمنية من ذلك؟ أسئلة تحتاج لإجابات مقنعة. من وجهة نظر الكاتب، الحكومة السعودية أمام تحديات عديدة وخياراتها محدودة ولن تستطيع الخروج من المأزق الحالي ما لم يتم دعم الشرعية اليمنية في حسم الموقف عسكريًا، وحوارها مع الحركة الحوثية إن تم فلن يكون مقدمة  لسلام حقيقي في المنطقة، بل سيكون إعتراف صريح من الحكومة السعودية بالحركة الحوثية مما يعني إغراق البلد في موجات عنف جديدة وبكل تأكيد سيؤثر ذلك على مستقبل النظام السعودي وقد ربما يؤدي إلى إنهياره بالكامل، فهل ستتحاور السعودية مع الحركة الحوثية بشكل مباشر ضاربة عرض الحائط بكل الشعارات التي رفعتها خلال السنوات الخمس الماضية كدعم الشرعية ومساندة الشعب اليمني...إلخ؟. لا نملك الاجابة الكافية على السؤال، ولكن الأيام والشهور القادمة كفيلة بالاجابة وكشف المستور، وما علينا سِوى الصبر والانتظار. __________________

باحث وكاتب يمني

الحجر الصحفي في زمن الحوثي