الرياضة تعيد شيئا من بهجة اليمن السعيد

محمد عبدالله الصلاحي
السبت ، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٩ الساعة ٠٥:١٥ مساءً

يعيش اليمن منذ انقلاب المليشيات الحوثية على الدولة أسوأ حقبة في تاريخه الحديث، وطال ذلك مختلف جوانب الحياة العامة، لم يسمع العالم فيها عن اليمن سوى أخبار الحرب والأزمات الإنسانية، نالت الرياضة أيضا نصيبها من سوداوية الوضع الحاصل، إذ تشهد البطولات المحلية توقفا للعام الخامس، غير أن المفارقة والمفاجأة كانت في التعافي الملحوظ في المشاركات الرياضة الخارجية، لتعطي نوعا من الأمل، وتعيد شيئا من بهجة اليمن السعيد التي اندثرت منذ زمن طويل بفعل عوامل الزمن والحروب والمآسي المتلاحقة.

في تصفيات آسيا للناشئين التي أقيمت قبل أيام، تأهل المنتخب اليمني لنهائيات آسيا، بعد أن حقق المركز الثاني في مجموعته، بفارق هدف واحد عن قطر التي كانت بحاجة إلى تسجيل 11 هدفا في آخر مباراة لها أمام منتخب بوتان لانتزاع صدارة المجموعة من اليمن، وفازت بالنتيجة المطلوبة للتصدر، وهي نتيجة لا تبدو سليمة وبريئة عند النظر من بعيد، وفقا لحسابات المباراة، وحاجتها لهذا للعدد من الأهداف، واستضافتها للتصفيات.

لا توجد قاعدة رياضية تقول إن البلد الفقير يظل حبيس المستوى المتدني كرويا، فمستوى منتخبات أغنى بلدان العالم ‫«‬أمريكا والصين‫»‬ أقل بكثير من مستوى منتخب بلد أفريقي يشهد حروبا ومجاعات مثل غانا أو مالي وغيرهما، كما أن أشهر منتخبات العالم منذ أولى سنوات مزاولة كرة القدم ‫«‬البرازيل والأرجنتين‫»‬ أتت من وسط حواري الفقراء في البلدين الفقيرين، قبل نموهما أخيرا، لكن في اليمن، انعكس الفقر على المستوى الرياضي الكروي، وظلت حبيسة للإنجاز اليتيم الذي حققه منتخب الناشئين قبل سنوات مضت، ومضى معها المنتخب إلى المجهول بشكل يدعو للتساؤل والحزن معا.

ارتبطت أفراح اليمنيين الرياضية بالإنجاز الوحيد آسيويا وعالميا لليمن، الذي حققه منتخب الناشئين ‫«‬منتخب الأمل كما سماه اليمنيون‫»‬ في بطولة آسيا 2002م، وحلوله وصيفا بعد خسارته النهائي بركلات الترجيح، ومن ثم تأهله لكأس العالم التي أقيمت في فنلندا العام التالي، وخسارته بصعوبة أمام البرتغال بنتيجة (4 / 3) في مباراة مثيرة شابتها أخطاء تحكيمية لا يمكن القول إنها غير مقصودة على حساب بلد مغمور كرويا وضيف جديد على البطولات العالمية، وخسارته بصعوبة أيضا أمام البرازيل، وتعادله مع منتخب الكاميرون.

لم تدم طويلا فرحة هذا الإبهار الذي حققه منتخب الناشئين، إذ تبخر وجود المنتخب بعد عام واحد فقط، وتفرق لاعبوه، ولم يحفظ له هذا الإنجاز بقاءه واستمرار دعمه من قبل الدولة والمعنيين بالرياضة، وتلك التوليفة المتناغمة والمنسجمة من اللاعبين لم تلق الرعاية لضمان استمرار تفوقها في حال تصعيد المنتخب إلى الفئات الأعلى فئة الشباب ومن ثم المنتخب الأول.

الآن، يبدو منتخب الناشئين الحالي نسخة مكررة من منتخب الأمل، إن لم يكن أفضل. والاختبار الحقيقي لمسؤولي الرياضة في اليمن لا يكمن في تحقيق إنجازات كبيرة في البطولات القادمة، فمنتخب متماسك بتشكيلته الحالية يمكنه تحقيق الكثير في الفئات السنية، الاختبار الحقيقي هو الحفاظ على هذا المنتخب، والاهتمام به عاما بعد آخر حتى تصعيده لفئة المنتخب الأول، فلعله حينها يضع لليمن بصمة كروية فريدة، إذ لم يسبق أن حقق اليمن إنجازا كبيرا على مستوى منتخبه الأول.

تعول الجماهير اليمنية على وزير الرياضة الشاب الذي أتى للمنصب فاستحقه بجدارة لإنجازات الرياضة اليمنية الخارجية في عهده، وهو المنصب الذي لطالما كان في عهد النظام السابق -كغيره من المناصب- محسوبا بالانتماء، وتعيينه بالولاءات لا الكفاءات، فغابت حينها الإنجازات والنجاحات وتوالت الإخفاقات.

في سنوات الحرب التي فرقت اليمنيين، وحدتهم الرياضة على اختلاف توجهاتهم السياسية، واليوم يبحث اليمن عن بسمة وسط ركام الحرب، فأهدته الرياضة ابتسامات كثيرة. ربما إنجاز التأهل لمنتخب في الفئات العمرية حدث ليس ذو أهمية لأي دولة رصيدها حافل، لكنه بالنسبة لليمن في ظل وضعها المحزن يعد حدثا فريدا استحق الاحتفاء الكبير به من الشعب وكل القيادة السياسية.

 

* صحيفة مكة  

الحجر الصحفي في زمن الحوثي