من إذاعة صنعاء إلى وزير الإعلام

كتب
الخميس ، ٠٥ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٣٥ مساءً

 

سارة عبدالله حسن
عندما يقودك حب المهنة والطموح للعمل في إذاعة صنعاء عليك أن تتناسى أشياء وقيماً كثيرة أولها قيمة العلم، فأن تكون خريج كلية الإعلام ومن أوائل دفعتك هذا شيء غير مهم.
للتشرف بالعمل في هذه الإذاعة، يكفيك شهادة الثانوية العامة أو حتى الإعدادية (الابتدائية تؤدي الغرض أيضاً) لتفتح لك الأبواب فيها، أن تكون لك مهارات متعددة في المجال الإعلامي، وخبرة سابقة، وتكون قد اجتزت امتحان القبول للعمل في الإذاعة بامتياز وبشهادة إعلاميين كبار ممن أشرفوا على هذه الاختبارات من خارج الإذاعة وأقروا أن لديك القدرة والموهبة لتصبح معداً ومقدماً للبرامج فهذا أيضاً لا يعني شيئاً لدى المسئولين في إذاعة صنعاء الذين لم يدرسوا أي شيء في الإعلام.
يكفي أن تكون موهبتك فقط هي الفهلوة والتفنن في إرضائهم، وهذا كفيل بأن يجعلك من مجرد موظف عادي أو حتى مراسل توظف في بداية عمله بالثانوية أو حتى الإعدادية إلى مدير مكتب أو إدارة أو حتى عضواً في لجنة تقييم لأداء عمل موظفين أكثر كفاءة منك.
فقيمة العلم وقيمة الموهبة والقدرات الإبداعية هنا في إذاعة صنعاء لا تساوي شيئاً؛ فهي مجرد شهادة وورقة لسان حالهم يقول عنها (بلها واشرب ماءها) لا مكان لك بيننا، فشهادتك وكل ما لديك لا يمكن أن يؤهلك في نظرهم لشيء سوى مراسل لخدمة الموظفين في الإذاعة، كما اقترحت ذات يوم مذيعة كبيرة تعتبر ضمن شلة الفساد في الإذاعة، أو ربما يؤهلك لتعمل منفذاً للبث الإذاعي، وهي مهمة لا تحتاج حتى شهادة ابتدائية.
في إذاعة صنعاء انسَ قيمة الوحدة والوطنية، فهناك تستوطن العنصرية والطائفية لدى كثيرين من المسئولين، وشهادة أنك من آل البيت ستجعلك ذا حظوة لديهم، أما إذا كنت جنوبياً فأنت غير مرئي على الإطلاق.
لذلك عندما أشعل بعض الموظفين ثورة على الفساد فيها ضمن ثورة المؤسسات التي أنتجتها ثورة الشباب، حاول أولو الأمر ومعاونوهم في الإذاعة أن يوحوا أن ثورة الموظفين لم تكن إلا مناطقية؛ لكون عدد من الموظفين الذين قاموا بها من تعز، فالذين قاوموا هذه الثورة احترفوا مهنة تشويه الحقائق، والحقيقة أن هؤلاء لا يريدون مسؤولين بعيدين عن انتمائهم المناطقي، كما لا يريدونهم أن يكونوا خارج منظومة الفساد التي تعودوا عليها والتي تسمح لهم بعمل التجاوزات وتكافئهم على فسادهم.
أما إذا تحدثنا عن طبيعة العمل البرامجي فحدّث ولا حرج، فتقييم البرامج وتقييم قيمتها ونجاحها خاضع لرضا لجنة هي في الأساس لجنة للمحاباة والتفنن في تقسيم الكعكة (الخارطة البرامجية) بين المرضى، عنهم من المعدين والمقدمين، حيث تعطى الامتيازات لهم في المقدمة، ثم ينظر بعد ذلك لأهمية البرنامج وعنصر الإبداع فيه.
ومن العجائب في هذه الإذاعة وأورد هنا كمثال فقط وبحكم خبرتي الشخصية أن برنامجاً يومياً مهماً كالأسرة السعيدة يخاطب أهم جمهور إذاعي يتمثل في الأسرة اليمنية لا ينظر إليه المسئولون في الإذاعة إلا كبرنامج ثانوي من الدرجة الثالثة، ولا يمنح حتى حقه في الإعادة، كما يتم احتساب قيمة الحلقة الواحدة فيه كأدنى قيمة، بينما تمنح برامج منوعات يقوم معدوها بنقل فقراتها من الصحف والمجلات مكافآت خيالية، بل إن برنامجاً مثل ما يطلبه المستمعون وهو برنامج لا يحتاج لإعداد، وعبارة عن أغانٍ وأسماء مهنئين، قامت إدارة الإذاعة بتعيين أحد الإداريين المرضى عنهم كمعد لهذا البرنامج، وكان يحصل على مكافأة تصل إلى تسعين ألف ريال لإعداده، ولا ندري ما الذي كان يعد فيه، الأسماء التي كانت تأتي جاهزة أم الأغاني التي يحضرها مقدم البرنامج..؟ لكنه الفساد الذي يغني هنا!!
في الإذاعة أيضاً حصل أن تم منح إحدى المخرجات مكافأة لشهر واحد؛ نظير إخراجها لثلاثة وثلاثين حلقة من برنامج يومي؛ فالشهر في إذاعة صنعاء ممكن أن يصل إلى 33 يوماً بحسبة الفساد!!
يمكنك أيضاً أن تصبح مذيعاً في هذه الإذاعة، حتى لو كان صوتك قبيحاً، وإلم تكن تحمل أية شهادة في الإعلام أو حتى شهادة جامعية، فقط يكفي أن يكون رئيس دائرة المذيعين صديقك أو كان أحد المسئولين أو رئيس اللجنة التي تختار المذيعين صديقك!!
من آخر عجائب الإذاعة أن رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون السابق منح أحد المؤيدين للنظام السابق مبلغاً مالياً كبيراً وبالدولار وتذاكر سفر للعلاج في القاهرة؛ نظراً لإصابته بمرجوع رصاصة سببت له جرحاً سطحياً في يده، بينما لازال العديد من جرحى الثورة يواجهون شبح الموت في أي وقت؛ لعدم توفر العلاج لإصاباتهم الخطيرة !!
العمل البرامجي في الإذاعة في رمضان له حكاية أكثر فساداً، فكعكة برامج رمضان خاصة ببعض المعدين والمقدمين الذي يستأثرون بالبرامج الكبيرة كل عام ليحصلوا على مبالغ خيالية قد يتجاوز بعضها النصف مليون ريال (نفس الأسماء كل عام وبعضها منذ ما يصل إلى عشرين عاماً) بينما لا تتجاوز مكافأة البعض العشرين ألف ريال،
وما خفي كان أعظم!.
أتساءل أنا وزملائي المهمشون والمطحونون في الإذاعة وأنا وإخواني الثوار في الساحات: ألم نشارك في ثورة التغيير إلا لنحرر الإعلام من هذا الفساد؟.
أتذكر في الأسابيع الأولى من الثورة حضرت أنا ومجموعة من ثوار ساحة التغيير حلقة نقاش استمرت نحو ثلاثة أيام في منتدى الحوار والديمقراطية، وكان من بين الأهداف التي وضعناها للثورة في نقاشاتنا إلغاء وزارة الإعلام؛ باعتبار أنها أكبر مقيد للحريات، ومن الرائع جداً أن أول وزير للإعلام عين بعد الثورة (الأستاذ علي العمراني) قد أدرك هذا الهدف أيضاً وأعلن بنفسه عن التطلع لإلغاء وزارة الإعلام في المستقبل، ولكن حتى يتم ذلك في مرحلة لاحقة نريد أولاً من الأستاذ العمراني أن يقوم بتحرير الإعلام الرسمي من كل بؤر الفساد في كل مؤسساته الإعلامية.
ومن المجحف حقاً أن يتهم أحد أعضاء مجلس النواب (وهو يتبع كتلة المؤتمر الشعبي في المجلس) الوزير العمراني بممارسة الإقصاء، بينما يعلم الجميع أن هذا هو آخر شيء يمكن أن يقوم به الوزير، وأنه إذا كان هناك إقصاء فهو الإقصاء الواقع على الكفاءات التي لازالت تعاني حتى اليوم من التهميش وعدم الإنصاف، بينما لازال الفاسدون يمارسون أعمالهم بطمأنينة، فهل تعني سياسة التوافق وعدم الإقصاء الإبقاء على الفساد في الإعلام وعلى الموظفين الذين اشتهروا بفضائحهم المهنية والأخلاقية؛ بحجة أن تنظيف الإعلام منهم هو سياسة إقصائية؟ إذاً على الإعلام السلام، وأي خطوة للتغيير والإصلاح فيه ستكون نهايتها الفشل.
ومع إدراكنا للمرحلة التوافقية والتي ينبغي أن تقوم السياسة الإعلامية حالياً على جوهرها، إلا أن هذا لا يعني أن نتسامح مع الفساد والفاسدين؛ إذ لابد من التغيير وهو جوهر الإصلاح، والذي يجب أن يواكب عمل الحكومة الحالية الحثيث لبناء يمن جديد انتظرناه طويلاً.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي