أزمة الحزبية وصراع الولاءات

د. عبده مغلس
الاربعاء ، ٠٦ مارس ٢٠١٩ الساعة ٠٢:٢١ مساءً


الأحزاب تكونت بالأساس ضمن تطور الفكر الإنساني للعمل السياسي، نقلت آلية الصراع بين القوى المتصارعة من آلية التقاتل إلى آلية التنافس، بهدف ضبط إيقاع الصراع بالتنافس، والحزبية رافقها تطور أخر مهم، هو تطور التشريعات والقوانين الناظمة للحياة في كل جوانبها، ضمن عملية حراك تطور ثقافي وحضاري، ونتج عن هذه العملية السياسية جدلية صراع الولاءات داخل المنظومة الحزبية، حيث تتعدد ما بين الولاء للقيادة أم للحزب، والولاء للحزب أم للوطن، والولاء للمصلحة الذاتية أم للحزب، والولاء للمصلحة الذاتية أم للوطن أو الحزب، غلبة أياً من هذه الولاءات هي التي تحدد للحزب وطنيته ودوره ومكانته ومواقفه، بل وتحدد مكانة الوطن بدولته وشعبه ودورهما في النهوض والتطور والحضارة والإنسانية عندما تشكل الأحزاب الحكومات.
وفي هذه الدول أصبحت الأحزاب تلعب دور ضابط إيقاع لتنافس القوى المختلفة، ونشأ معها ضمن مجموعة تطور العمل السياسي، ما يعرف بالمنظومة التشريعية الدستورية والقانونية والرقابية والتنفيذية، تعمل رقيباً وحارساً أميناً لأفعالها وسلوكها، تمنع أي خروج للأحزاب وولائها عن الولاء للوطن والدولة والشعب، وتحاسب وتمنع أي انتهاك او خروج عن هذا الولاء للأحزاب وغيرها، وهكذا تعمل كل مكونات الدولة بتناغم وتعاون ضمن حدودها المرسومة التي يحددها القانون، والخروج عنها جريمة تستوجب المسائلة والعقاب.
إن تطور العملية السياسية للدولة والمجتمع وأحزابها وتشريعاتها وقوانينها، جزء طبيعي من تطور العملية الحضارية والثقافية للمجتمعات، وبموجبها أصبحت منظومة العمل السياسي بما فيها الأحزاب جزء من المُكَوَّن الثقافي للحضارة والتطور ونتاجهما، وأصبح العقل المُكَوِّن للمجتمع ومنظومته الثقافية والقانونية هو الحارس الأمين للدولة ومؤسسات العمل السياسي ومن ظمنها الأحزاب.
وحول العملية السياسية والحزبية في عالمنا العربي والإسلامي يبرز سؤال هام هل نشأت الأحزاب في دولنا وفقاً للتطور الثقافي والحضاري للعملية السياسية كنتاج طبيعي لما رافقها من تطور في الفقه التشريعي والقانوني والدستوري؟ 
الجواب هو قطعاً كلا، لأن الدولة بمؤسساتها ومجتمعها توقفت عن التطور الحضاري والثقافي لسببين، الأول هو الإنقلاب على أول دولة مدنية تأسست في التاريخ، بقيادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والذي غيّر فيها إسم يثرِب للمدينة تأكيداً على مدنيتها، ولَم يؤسسها في مكة تأكيداً على أنها دولة مدنية لا دينية، وبنى بها أول مجتمع للمواطنة الواحدة، لكل أبنائها بمختلف مللهم وألوانهم، وفق بنود ميثاق المدينة، وتلقب رأس الدولة وفقاً لهذا المنهج أميراً للمؤمنين، وهم أتباع الملة المحمدية ويشكلون غالبية المجتمع المدني، بما يعرف اليوم بالأغلبية، أما بيت المال فتسمت ببيت مال المسلمين، لتدل على أنها حق لكل الملل الإسلامية وغيرها في المجتمع المدني، هذا النموذج الفريد والسابق لأوانه، أسسه نبي الرسالة الخاتم ليكون نموذج لدولة المواطنة والتعايش والإنسانية، وفقاً لمباديئ رسالة الإسلام الخاتمة، التي مهدت لإكتمال دور الإنسان في الإستخلاف وهو ما وصلت إليه الإنسانية في القرن الواحد والعشرون، لكنه تم وأد الفكرة والإنقلاب عليها فتوقفت عجلة تطور الأمة .
السبب الثاني هو بقاء الأمة مغلولة بقيود الماضي وأسره، تعيش صراعات فقهه المغلوط دون تمكنها من الفكاك منه أو الخروج.
هذان العاملان منعا المجتمعات العربية والإسلامية من عملية التطور الطبيعي للفطرة الإنسانية كثقافة وحضارة تقدم طريق الخلاص  للبشرية التي بدأها نبينا العظيم عليه الصلاة والسلام في التعايش والتعارف والإنسانية كما أسس له نموذج دولة المدينة، ولهذا فالأحزاب في مجتمعاتنا تعتبر وافدة لا أصيلة، فعندما انتقلت فكرة الأحزاب والحزبية إلينا تشوهت بالعقل المُكَوِّن لثقافة المجتمع وبتأثرها بالموروث الثقافي وفقهه المغلوط والعيش في الماضي وصراعاته،  فأصبحت مسخاً على المجتمع لا تؤدي دورها ووظيفتها، وليس لها حاضنة مجتمعية ولا تشريعية ولا قانونية، لتحميها وتمنعها من الإنحراف بالدولة والمجتمع، وتمنع تعدد الولاءات داخل منظومة الحزب، هذا من جانب ومن جانب أخر طغت عليها ثقافة المجتمع وتخلفه وعصبيته، فلم تعد تُمارس دورها كمؤسسة ظابطة للتنافس، إذ هيمنت عليها الولاءات الخاصة والشخصية والعصبية، وحولتها إلى مكون جديد للصراع ضمن مكونات المجتمع المتصارعة، ونشأت الأحزاب العصبية والأيدلوجية والمذهبية والطائفية والمناطقية والقبلية، كما غاب الولاء للدولة والوطن في سلوكها رغم رفعه كشعار، وبرز الولاء لعصبية الحزب أو قياداته أو عصبيته أو مموله سواء داخل الوطن أو خارجه، كما أصبح الحزب بديلاً للدولة والوطن باعتباره هو الدولة والوطن، واعتبار أعضائه بديلاً للشعب، ولهذه الأسباب لم تستطع الأحزاب الوفاء بما نادت به وقامت من أجله، تلك أزمة الحزبية والتحزب في أوطاننا، فهي من ناحية ضحية غياب المشروع الثقافي الحضاري لتوقف التطور وعيش الماضي بصراعه وفقهه المغلوط، ومن ناحية أخرى غياب أي دور من داخلها لتصحيح مسارها وتغيير أفكارها وقياداتها، مما شكل مأزقاً وأزمة القت بتأثيرها على تخلف العملية السياسية وصراعاتها، وللخروج من دائرة هذه الأزمة والصراع والتخلف، علينا اليوم تصحيح مسار الأحزاب، ومسار الفقه المغلوط، ومسارنا الثقافي والحضاري، لنعيش العصر وتطوره وحضارته، وفق قراءة معاصرة لمساراتنا المغلوطة وتصحيحها، والبداية لذلك هي الوقوف مع الشرعية ومشروعها، فشرعية فخامة الرئيس هادي تمثل تماسك ووجود الوطن ودولته وشعبه، ومشروعها لبناء اليمن الإتحادي بأقاليمه الستة يمثل بوابة الخروج من صراع العصبيات والتخلف وتصحيح المسار.
د عبده سعيد المغلس 
٦ مارس ٢٠١٩

الحجر الصحفي في زمن الحوثي