ديستوبيا الروايات ، هل ستتحقق على الواقع ؟

آية الكندي
الخميس ، ٠٣ يناير ٢٠١٩ الساعة ١٢:٤٠ صباحاً


‏وصلني فيديو قبل أيام عن كيفية انجاب الاطفال في المستقبل كانت الجملتين الإعلانيتين الأولى فيه هما "هكذا سيتم إنجاب الأطفال في المستقبل، فقط أضف بعض المكونات الجينية لتحصل على طفل"
آ يتم هذا الحمل عبر رحم إصطناعي شفاف يشبه البيضة ، يتم تغذية الجنين عبر أنبوب خاصآ  يمكن ربطة بالرحم الإصطناعي لإيصاله للجنين ؛ و يستطيع الوالدين التحدث مع طفلهما عبر ميكرفون منفصل، و يلحق بالرحمآ  الإصطناعي جهاز محاكاة حسية منفصل لحركة الجنين؛ و عندما يكتمل الجنين يمكن إخراجه بسهولة من الرحم الإصطناعي ؛ و طبعاً يخرج نظيفاً هادئاً كالدمية .
لم أصدم كثيراً فقدت تهيأت سابقاً لهذة التغيرات المستقبلية عبر قراءةآ  روايات تخيليه للمستقبل روايات عن" الدستوبيا"آ  - الدستوبيا هي أدب الأرض الخربةآ  مجتمعآ  تسوده الفوضىٰ و الجنون ، فهو عالم وهمي يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب والقتل والفقر والمرض و اللاإنسانية -
لكن هذا الفيديو العلمي تحديداً قد نجح فيآ  إثارة ذاكرتي ، و ذكرني برواية "عالم جديد شجاع " ل ألدوس هكسلي
تخيل هكسليآ 
آ الإنجاب و العلم وإلغاء العائلة و الزواج في المستقبل تخيل إتاحة الجنس للجميع و حتى للإطفال فيصبح الجنس متعة الصغير و الكبير؛آ  و تخيل إنعدام الحمل والولادة للمرأة فلا تكون المرأة أماً ؛ يصبح كل الأطفال ملكاً للدولة و التنظيم ، و يكونآ  الإنجاب عبر الحاضنات التي تتواجد بالآلاف -حاضنات قد تشبه التي أبتكرها العلم الحديث- والتي تعرض الأجنة لظروف معينة من الغذاء والأكسجين بحيث تجعلها مناسبة لطبقتها وبعد التحكم الجيني يأتي التدريب المختص والذي يبدأ من وقت إخراج الأجنة حتى تكبر،آ  طبعا قبل هذا كله بعد تلقيح ‏البويضات صناعياً يتم تقسيم البويضات المخصبة إلى خمس أقسام وهذه الأقسام هي التي تشكل المجتمع و التنظيم.
فتقسم البويضات إلى الفا الطبقة الأكثر جمالا و ذكاءً ويخرج منها قادة وحكام العالم بيتا التي تقارب ألفا المواصفات جاما من يقومون بالأعمال الكتابية دلتا الذين يقومون بالأعمال الجسدية التي لا تحتاج الى مجهود عقلي كبير. ‏إبليسون الطبقة الأدنى والأغبىآ  أصحاب الأعمال البسيطة والذي تم تدريبهم على حب الأرياف وكره الكتب و التعليم .
تتحدث الرواية عن تحول العلم إلى سلاح للعبودية وتبرير للتحكم وللتدخل في كل حركة وفكرة للإنسان فيدخل العلم ليمنطق كل شيء و ليلغي العواطف حتى .آ 
وضح لنا هكسلي سابقاً الهيمنة العلمية أما في رواية ١٩٨٤ ف يوضح لنا جورج أورويل السيطرة السياسية و كيف أدار المجانين العقلاءآ  ، وكيف يتدخل الحزب بكل التفاصيل ليلغي الحرية الشخصية في إختيار الطعام و الشراب وغيرهم،و كيف ألغى الخصوصية فتصبح المراقبة الدقيقة طوال الساعة ل حركتك و كلامك ونظراتك و تنفسك وغيرهم .
ف ١٩٨٤ ذكر أورويل أن الحزب و الاخ الاكبر "الحاكم" في أوقيانيا كانوا يرفضون أي مشاعر عاطفية أو جنسية ، ما كان الإذن بالزواج ليُعطى ابداً لو ظهر لدى الشخصين المعنيين ميولٌ جنسية متبادلة ، كان الحزب يريد تجريد الممارسة الجنسية من كل لذة ، كانت الشهوة هي عدوة الحزب ، و كانت تلغى أي زيجة فيها مشاعر ودية أو رغبة .
كانت الزيجات مُسخرة للحزب فيتزوج المرء لينجب الأطفال لخدمة الحزب الحاكم ، كان الحزب يجند الأطفال فكرياً ، فكان الصبية يمزحون مع بعضهم بألعاب تشبه الأسلحة و يزعقون على بعضهم ب جمل مثلآ  " أنت خائن أنت من مجرمي الفكر ، سوف أطلق النار عليك سوف أبخرك، و سوف أرسلك إلى مناجم الملح ".
وكانت متعة الأطفال تكمن في مشاهدة عمليات شنق و تعذيب الأوراسيين الأعداء أو الخونة كانت تنشأةً تهدف إلى تحويلهم لعفاريت صغيرة تخدم الحزب ، عفاريت لا سبيل لضبطتهم ، وهذا لم يكن يخلق لديهم أي ميل إلى التمرد على إنضباط الحزب على الإطلاق ! ف على العكس كان الأطفال يعبدون الحزب و كل ما له علاقة به.

كذلك كانت العلاقات من صداقة و حب و غيرها ملغية تقريباً ، كان الحذر قائماً على كل شيء ، فيخاف أحدهم أن يصادق شخصاً ف يساء فهمه و يشى به لعدها عند الحزب و يطهر.آ 

كان الحزب يسيس الأحداث و التاريخ و الأدب و الفن و اللغةآ  بشكل يومي لصالحه ، فقد كانت اللغة تحطمآ  و تسلخ بشكل يومي و وضح أوريل سبب سلخ و تغيير اللغة في احدى الحوارات :آ 
"ألا تدرك أن الهدف ‏النهائي من اللغة الجديدة هو الحد من آفاق التفكير بحيث تصبح جريمة الفكر شيئا مستحيلا الوقوع من الناحية النظرية في آخر الأمر؟، لن يجد المرء كلماتآ  تمكنه من أن يرتكب هذه الجريمة! سوف يجري التعبير عن كل مفهوم يحتاج إليه الناس بكلمة واحدة لها معنى محدد واضح لا يقبل ‏تاويلاً وأما المعاني الفرعية سوف تطمس إلى أن ينساها الناس" .

كانت شعارات الحزب في أوقيانيا ثلاثة:
"الحرب هي السلم
الحرية هي العبوديةآ 
الجهل هو القوة"

لذلك لم يسلم العاقل المثقف في هذة الأرض ، او بالأصح لم يسلم من كان يفهم.

‏تحدث عن الدستوبيا أيضا إبراهيم نصر الله في روايته "حرب الكلب الثانية"آ  وروايته هذه تخيل فيها مستقبلاً مليئاً بالتطور و التلوث و التجارة بالمرضى ، تخيل مستقبلاً يتحول فيه الأطباء لتجار و سياسيين ، و تحدث أيضاً عن تحول عمليات التجميلآ  إلى إستنساخ، فيكثر الأشباه و يكثر النصب و الإحتيال ، يكثر الأشباه لدرجة تظن فيها أنك مرايا للمرايا التي تحدق بها.

لذلك حقيقةً أعتقد بأن التنظيمات الإرهابية المستقبلية ستكون "علمية" بما أننا مررنا
آ -ولازلنا- في عصور التنظيمات و الهيمنهتي الدينية و السياسيةآ  .
في الأول و الأخير ستنعدم أهم قوائم الحياة من الإنسانية و الحرية و سيسطر المجانين ، الحياة لن تكون أفضل مستقبلاً ، لكن المرء سيتعايش مكرهاً .سيأتي حينٌ نيقن فيه بأن القيامة و إنتهاء الحياة ليست إلا خير ، بل ستأتي أيامٌ سيدعوا فيها -العقلاء- أن يعجل الله بالقيامة.

لكن يبقى التساؤل هل ستنجح الدستوبيا الخيالية بالتحقق ؟


آية الكندي

الحجر الصحفي في زمن الحوثي