شَغلاتَ منتهية

كتب
الاربعاء ، ٠٨ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠١:١٧ صباحاً
وليد البكس اندلعت الثورة، فتقلبت الأحداث بشكل غير مسبوق، ولا يعني هذا أنها كانت مستقرة، إذا كانت كذلك فلماذا أصلاً خرج الناس إلى الساحات وقرروها ثورة؟ ولا يهمنا إن كانت هذه التقلبات دراماتيكية أو غيرها، الأهم هو أن الشعب ثار، وها هو ماضٍ في طريقه إلى إنجاز التغيير. هناك من يقول: صحيح بأن (اليمن) واحد، ولكن أصبح مع رحيل النظام تتشاطره عدة ملفات تتناسب طردياً بآلات شخصيات داخلية وأذرع خارجية، لكننا - ونحن نستمع إلى مثل هذا الرأي - نؤكد أن ذلك لن يكون مبعثاً للقلق بعد كل هذه التضحيات، وعلى العكس أرست هذه الثورة المجيدة أساساً متيناً، يجعل من هذا البلد بملفاته محفز اهتمام لكافة ألوان الطيف الثقافي والسياسي المتباين، واستشعار مدى ما يحدث على الساحة الداخلية، على أنه أمر طبيعي، ويعمل على تنضيج المسؤولية كاملة لدى الجميع، ومع عدم إغفال الأذرع الخارجية التي تتخذ من هذا البلد ملعباً لتصفية حساباتها تعد البرامج وتمول عملاءها من المرتزقة والأتباع. إن المستوى الملاحظ الآن لهذه البرامج الصغيرة في شمال الشمال “صعدة” أو إقليم الجنوب، بما يخص قضية الوحدة والانفصال، أو من في المنتصف “تعز، إب”، وما جاورها يجب أن (يتأقلم) وفقاً لترديد البعض مثل هذا الكلام: التصويت في الانتخابات يجب أن يتم بحسب من يعمل وينتج ويدفع الضرائب للدولة، بالإضافة إلى المنادين بإقليم “تهامة”. وكل ذلك مكشوف بالنسبة للمواطن البسيط الذي خرج ثائراً ويدرك ما الذي يجري من حوله، فالشعب اليمني اليوم غير شعب الأمس، ولا يمكن أن تنطلي عليه هذه المؤامرات أو يستثمر حماسه، باسم العوز والحاجة، لتمرير مثل هذه المخططات الدنيئة. جميع هذه المتناقضات تستدعي تداعيات الأحداث في البلد بشكل تلقائي أو (وفق النزعات الغوغائية)، ويتطلب نشر الغسيل السياسي والغسيل المضاد لكل طرف على حدة، بفعل الأزمة القائمة فعلاً أو بمخططات المتأزمين سياسياً، كما يظهرون مستفحلين على نسق متصاعد الوتيرة، يستقطبون حتى جزء من ذهنية تهادنية غير وطنية، لا تمحص عن قرب الواقع، كما ولا تبدو بارعة في قراءة المستقبل، وهذا يظهر حقيقة فشل أغلب هذه الأطراف وتأخرها في اللحاق بإيقاع صخب الثورة المتصاعد والتغيير المستمر، أو بمحاولة تسخير المزاج الثوري في صفها، وذلك ما لم تطاله حتى اللحظة. إن الثورة في خامتها ماضية إلى نسف الأسانيد التبريرية للأزمة التي يطمح البعض إلى خلقها في كل الاتجاهات، بما فيها تلك التي يحاول أصحابها (الحراك، الحوثيون) مثلاً إذكاءها؛ بارتكازها على قاعدة موروث استحقاقي عف عليه الزمن، ووحدة أسست لسنوات قهر وغبن تلوح بمشروع تناحري - غير تقليدي - شمالي جنوبي، على مقومات الماء والمرعى، فيما جوهره يتمثل بالثروة المسلوبة، وهو ما لا ينكره أحد. كما أضفى عليها الزمن طابع الكرة الثلجية التي تشبعت بمخزون من أخطاء نظام الشرعية، التي تناولت الحلول من جانب سلطة نظام مركزي، ومن ثم نزوات جاذبة لمنجز اتفاقية هشة مبرمة من طرف النظام بينها وبين أيديها المتغلغلة في الحراك الجنوبي وأجنحتها داخل الحوثيين، ليصبح الطعم السياسي السائد في هذه اللحظة هو أزمة طائفية شديدة السخافة، ومطلب انفصال وقح، مغلف بما تبقى من خبائث السياسة، وقد يصبح شائك التعقيد لو نجح. في واحد من أحاديثه، أشار الرئيس، حينما كان يلوح بيده بشكل دائري وهو يتحدث أمام الكاميرا: “سأتنحى عن السلطة وأبقي في البلاد أسوي لهم شغلات”. كان هذا الطموح غير بريء، يسعى خلف عنوان عريض لصناعة الأزمات، يخلق في قوالبه الصدامات المناطقية في الجنوب والقبلية المسلحة في الشمال، في ظل تحسر أتباع النظام في الداخل، وتنامي الأيادي الخبيثة في الخارج، التي تضخ الأموال، لدعم سلطة القيادات العسكرية الباقية من النظام، وها هي اليوم تطمح إلى أن تجنح بالأمر برمته إلى دائرة العنف وإفشال الانتخابات القادمة. إنها تستنفر على نحو سافر كافة الجماعات الطائفية والمناطقية، المشكلة لبعض مناطق خارطة الوطن الواحد، ووضعه فوق برميل من البارود، فضلاً عن أن التسخين الذي تقدم عليها هذه الأطراف يتعين أن يقابله ولو تخدير موضعي مؤقت لحين إجراء الانتخابات الرئاسية؛ للخروج بحسم نهائي خلال السنتين المقبلتين لـ(الفترة الانتقالية)، ومع صعود عبد ربه منصور هادي لا شك يسهم ذلك في ميلاد أحزاب وتكتلات سياسية غير مسلحة، تمثل هذين الطرفين، وتحوّل لب هذه النزعات الغبية من دعواتها الطائفية والانفصالية إلى مشاريع سياسية مطلبية تساهم في استئصال هذه الدعاوى الشيطانية.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي