الحكيمي.. داعية سلام

بلال الطيب
السبت ، ٢٠ اكتوبر ٢٠١٨ الساعة ١٢:١٩ مساءً

 

قِلةٌ هُم الذين يُشيدون لأنفسهم عُروشاً زاهية في صفحات النضال، الشيخ عبدالله بن علي الحكيمي واحدٌ من هؤلاء، قارع الكهنوت الإمامي، ونَقل جُرمه الطاغي إلى كل العالم، شُرد، وعُذب، وسُجن، ومات في الأخير شهيداً في سبيل قضيته.

أظهرت الحرب العالمية الأولى ضعف القوة العسكرية البريطانية في عدن، لتطفوا مع انتهاء تلك الحرب فكرة عسكرة اليمنيين، وقد تم بالفعل تكوين «الكتيبة اليمنية الأولى»، كان «الحكيمي» الشاب القادم لتوه من بلدته «الأحكوم» أحد جنودها الـ «400»، ليقوم الانجليز بعد سبع سنوات بحلها، عقب قيام أفراد منها بقتل قائدهم البريطاني.

عمل «الحكيمي» بعد ذلك بحاراً في إحدى البواخر الفرنسية، وتنقل في عدد من الموانئ والمدن الأسيوية، والإفريقية، والأوربية، وهناك تعرف على عدد من اليمنيين والعرب، كان بعضهم من أتباع «الطرية الشاذلية»، اثروا فيه، وبنصيحة منهم التحق بإحدى الزوايا الصوفية في مدينة «مستغانم» بالجزائر، وتتلمذ على يد الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي.

بعد خمس سنوات، استأذن «الحكيمي» شيخه بالتوجه إلى بريطانيا، على أن يتولى في ربوعها مهمة الإرشاد الديني والاجتماعي، جاعلاً من مدينة «كارديف» مقراً لإقامته، وفيها أسس «الجمعية الإسلامية العلوية».

في العام «1940» عاد «الحكيمي» إلى مسقط رأسه، أفزعه ما شاهده من جهل وتخلف، وسارع من فوره ببناء مسجد كبير، ومدرسة، وتولى الإنفاق على مدرسيها وطلابها الذين توافد معظمهم من مناطق بعيدة.

بإيعاز من «أمير تعز» أحمد يحيى حميد الدين، عمل عملاء الإمام يحيى على تشويه صورة «الحكيمي»، لم تثن تلك الوسائل الدنيئة الناس عن التأثر به، وحين أدرك الأمير ذلك، استدعاه إلى مقامه، وعينه مرشداً عاماً للواء تعز، ولم يكن أمامه حينها سوى التظاهر بالقبول. 

وفي تعز أيضاً، تعرف «الحكيمي» على الأحرار الأوائل، سبقهم بالهروب إلى عدن، وحين لحقوا به شاركهم تأسيس «الحزب» و«الجمعية»، وأواهم في داره المتواضع، ثم جدد العزم على العودة إلى بريطانيا، ومنها أرسل تبرعات المغتربين، وأصدر صحيفة «السلام»، متجاوزاً خيبات فشل الثورة الدستورية، ومؤكداً عدالة القضية.

بعد ثورة «23 يوليو 1952» توجه «الحكيمي» إلى القاهرة، قال له الرئيس محمد نجيب: «لقد علمتمونا كيف نثور، أعيدوا المحاولة ونحن معكم»، ليعود وكله حماس إلى الوطن، الأمر الذي أزعج سلطات الاحتلال، وحليفهم الإمام أحمد، لفقوا له تُهمة حيازة السلاح، وزجوا به في السجن. 

وفي السجن، ألف «الحكيمي» كتاب «دعوة الأحرار»، وفيه وبعد أن عدد مظالم الإمام، خاطبه بقوله: «ولستم مستعدون لإنصاف مظلوم، ما دام ظالمه أنتم، وهو لا يشتكي إلا منكم».

أطلق سراح «الحكيمي» في «17 يونيو 1953»، بعد أن تم حقنه بجرعات لسم يقتل ببطء، لينتخب بعد أربعة أشهر وبالإجماع رئيساً لـ «الإتحاد اليمني»، فيما أعراض التسمم بادية عليه، هده حينها المرض، وفي المستشفى مات شهيداً «4 أغسطس 1954»، عن «54» عاماً.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي