متى يعي الجنوبيين العمل السياسي

عبدالناصر العوذلي
الاربعاء ، ١٩ سبتمبر ٢٠١٨ الساعة ٠٧:٤١ صباحاً

مقارنة بين النخبة السياسية في الشمال والنخبة السياسية في الجنوب قبل تحقيق الوحدة في الثاني والعشرين من عام 1990

فعندما نعود القهقرى إلى الخلف لنبحث في جنبات التاريخ منذ ماقبل آ الستينات فما فوق نجد أننا تعرضنا لخدعة كبيرة وهي أنهم كانوا يلقنوننا بأن الشمال بلد متخلف وجاهل والجنوب بلد متعلم وقد يكون هناك جزء من المصداقية في ذلك وهي أن الشمال شعب قبلي والجنوب شعب مدني وذلك لعوامل عديدة منها الاستفادة من الاستعمار والقابلية والرغبة عند الجنوب فيما بعد آ للتطور والحداثة آ بينما الشمال ظل آ قبل الثورة وبعد الثورة آ يحتكم للقبيلة وكانت القبيلة لها الدور الكبير في التحكم بالقرار السياسي ولكن رغم أن القبيلة كانت حاضرة في المشهد السياسي في الشمال غير أنها كانت الى جانب النظام فيما يختص بالجنوب وكانت تدعم النخب الحاكمة منذ عهد الأئمة والدليل قول أحد الشعراء للإمام يحيى في بيتين من الشعر قال

ياوادي البيضاء توسع آ آ 
آ  آ  آ لجيش سيدي والمدافع
هذي السنة حسبة من الله
آ  آ  آ ندخل عدن وأبين ويافع

والحقيقة المطلقة هي أن الشمال وان كان آ بلد قبلي إلا أنه كان يدار بنخب سياسية مخضرمة آ وحكومات متعلمة فيها الدكتور والمهندس وجميعهم حملة شهادات جامعية هذه النخب السياسية استطاعت أن ترسم خطط إستراتيجية من أجل الوصول إلى آ ضم الجنوب إليها بكل الوسائل منذ عهد الأئمة وبعد الثورة آ السبتمبرية حيث ظلت هذه الاستراتيجية قائمة جيل بعد جيل آ ويمضون بحكمة واقتدار لتحقيق الهدف المنشود وكان ذلك في العام 1990 حيث إكتمل السيناريو واستطاع علي عبدالله صالح أن يجلب الجنوب والجنوبيون الى صنعاء كأنه يسوق قطيعا من الغنم آ  فعيطيهم قليلا من الطعام فيتساقطون تحت قدميه في لهاث عجيب لايدل على أنهم كانوا نخبة سياسة أدارت بلد بحجم الجنوب هذا هو الشمال الذي كانوا يلقنوننا أنه شعب متخلف آ وقبلي غير قابل للتطور كانت نخبه السياسية نخب على قدر المسؤولية ويعملون لتحقيق أهدافهم مهما كلف الأمر

وفي الجانب الآخر يأتي الجنوب بشعب متعلم ومثقف لكنه يدار بنخبة سياسية متخلفة آ أحدهم خريج معلامة والآخر إبتدائية والقليل ممن يحملون المتوسطة وهم في هرم السلطة وبالتالي آ فإن الجنوبيون أبتليوا آ بقيادة متخلفة بليدة لاتستطيع التعاطي مع واقعها ولم تستطع أن تدير العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بل فشلت في غضون 23 عام هي سنوات الإستقلال من التاج البريطاني
آ وكانت هذه السنوات على الشعب آ سنوات عجاف عاشها آ الجنوب والجنوبيون في ظل نظام لم يستطع أن يوفر لهم آ الحياة الكريمة آ بل لقد عجز النظام آ في المحافظة على موروثة من الاستعمار آ ولم يحافظ على النظام الفيدرالي الذي كانت الإطار العام لحكومة الاتحاد العربي لأن القوميون آ لم يستطعوا التعاطي مع هذا النظام الراقي ولم يستطيعوا الدفع بعجلة التنمية نتيجة لضيق افقهم السياسي فظلت البلاد ترزح تحت حكم ونظام عقيم لم يحدث أي تطور خلال سنوات حكمه بل لقد تسربلوا بأفكار
آ اشتراكية لم آ تكن من ثقافة الأرض بل مستوحاة من بلاشفة الروس آ وعجزت هذه النظرية العقيمة آ من البناء والتنمية والحداثة والتطور

آ بل لقد أصبحت هذه القيادات التي أدارت العمل السياسي بعد الاستقلال قيادات بلهاء الجبهة القومية كانت مخترقة من قبل النظام في الشمال نعم اقولها بكلآ 
وبكل صراحةأخترقت الجبهة القومية وأصبحت تعمل لصالح الشمال واخترق المكتب السياسي للحزب الاشتراكي فكان يحوي بين أعضاءه العديد من أبناء الشمال الذين جاءوا آ كجبهة وطنية تحمل افكار تغيير النظام في الشمال وبدلا من احتوائهم آ ودعهم كما هي عادت البلدان المجاورة إن أرادت دعم حركات تحررية ولكن ماحصل عندنا كان العكس حيث كان يأتي القيادي من الشمال المنتمي للجبهة فيتم احتوائه آ وتأطيرة في دوائر الحزب رغم أن بعضهم كان مرسل من النظام في صنعاء على أساس أنه من الثوار على النظام وقليلا قليلا فإذا به عضو لجنة مركزية وبعدها بكل سهولة إلى عضوية المكتب السياسي الذي كان يعج بقيادات جاءت من الشمال كثوار ضد نظام الحكم مثل جارالله عمر ويحيى الشامي وأحمد عباد الشريف وسلطان الدوش وراشد محمد ثابت والعراسي ومحسن الشرجبي وعبدالفتاح اسماعيل والكثير من القيادات التي لعبت فيما بعد دورا محوريا في السيطرة على المكتب السياسي للحزب الاشتراكي وكانت الأكثرية فيه ولعبت هذه القيادات ادوار مهمة في التعاطي مع مشروع الشمال فيما يختص بضم الجنوب ولعبدالفتاح اسماعيل مقولة في هذا الشأن حيث قال إذا لم نستطع سلخ تعز من الشمال فعلينا العمل لضم الجنوب إلى الشمال آ انا لا اتكلم بمناطقية ولكنني اسرد حقائق تاريخية في الحركة السياسية آ وكيف استطاع الشمال من اختراق الجنوب آ وهذا يدل على حنكة النخبة السياسية في الشمالآ 

وبالفعل كانت هذه القيادات المخترقة للمكتب السياسي هي التي تعمل جاهدة مع نظام الشمال لتحقيق الوحدة والوحدة من آ وجهة نظري آ أمر طيب فالوحدة من حيث مضمونها كانت غاية لجميع أبناء الشعب في البلدين ولكننا كنا نريدها وحدة متكافئة تحفظ الحقوق والحريات آ وتكون عامل من عوامل القوة وتدفع بعجلة التنمية آ ولكنها لم تكن وحدة جادة لتحقيق العدل وبناء دولة ديمقراطية حديثة بل كانت اختزال للجنوب وصهره في بوتقة اكبر واكثف منه لطمس معالمه ولم يكن صالح جادا في المضي قدما نحو المستقبل بخطى حثيثة لبناء وطن يتساوى فيه الجميع آ رغم توفر كل الإمكانيات آ السياسية والمالية التي توفرت له آ 

بما تؤهله و يستطيع من خلالها بناء وطن قوي ومزدهر لكن في الاول والاخير أجد أن أنه أخفق آ ولم ينظر إلى الجنوب كجزء من الوطن ولكنه كان ينظر إليه كغنيمة وهذا مكمن الخلل حيث كان الفشل الذي أوصل البلاد إلى احتقان سياسي وشعبي نتج عنه قيام الحراك السلمي الجنوبي في 2007 آ والذي قمع في بداية ظهوره وهو يرفع مطالب حقوقية ومن ثم استمر القمع للحراك بما جعله يرفع سقف المطالب الى مرحلة فك الارتباط كانت هذه أخطاء صالح رغم أنآ 
الشماليين رجال دولة وعندهم النفس الطويل والإستراتيجية بعيدة المدى والصبر والأناة حتى يتحقق الهدف والغاية ولكن صالح كان نموذجا سيئا ولم يعي أنه يدير بلد بحجم اليمن ففشل واوصلنا الى هذا التشرذم بسوء إدارته آ للدولة وذلك أن صالح آ كان يحمل ترسبات في عقله حول الجنوب منذ حرب الجبهة ودخل الوحدة للإنتقام وليست رغبة حقيقية لبناء دولة قوية ومحوربة في الوطن العربي

لكن في الجانب الآخر إذا ماتوحهنا جنوبا لنرى أن آ الجنوبيين قد آ أظهروا فشلا سابقا ولاحفا آ وهاهم اليوم يفشلون فشلا ذريعا في آ التعاطي مع الواقع فبلأمس دخلوا الوحدة بورقتين آ واليوم يريدون الخروج منها بسطرين ولم يتعلموا فن القيادة آ والإستفادة من المتاح دون الشطط الذي لا يفضي إلى شيء بل آ  يضيع الفرص التي كان حريا آ أن تستغل فنحن في مرحلة مفصلية ومتعطف خطير من تاريخ أمتنا آ ولو أننا سلكنا المسلك السبئي لكان خير لنا ولكن آ هاهم آ في عدن بعد أن سلمت لهم على طبق من ذهب ما استطاعوا إدارة العمل السياسي فيها ورهنوها لأجندات خارجية وجعلوها بؤرة توتر ولم يعوا الدروس السابقة ولم يتعلموا من أخطاء الماضي ومازالوا يعانون من العقم السياسي القديم الذي اوصلهم الى وحدة غير متكافئة فمتى يعي الجنوبيين آ الدروس ومتى يفقهوا ومتى يستطيعون لم شعثهم وتوحيد كلمتهم والانطلاق نحو تحقيق الدولة الاتحادية التي كفلت الحقوق والحريات والتي تعطي لكل ذي حق حقه في توزيع السلطة والثروة وتعطي الكينونة والديمومة لشعب يتوق إلى حياة كريمة بعيد آ عن المكايدات السياسية آ التي لم تعد على الشعب إلا بالويل والخراب وهاهي عدن حاضرة الجنوب تعصف بها الأنواء وتعيث فيها فسادا مليشيات غير مؤطرة في مؤسسات الدولة وهي تضفي قتامة على الحياة في عدن التي كانت تشع نورا وتتمايل بجمالها على آ سواحل بحر العربآ 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي