القرار الأممي 2051.. عين على التسوية وأخرى على الحصانة

كتب
الجمعة ، ٢٢ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٣٠ مساءً
  أبو بكر عبدالله ومن جانب آخر فقد نقل هذا القرار النظام السابق وأركانه من مربع الشريك المتمتع بالحصانة إلى مربع الإدانة في خطوة بدا فيها أن جدار الحصانة الذي حظي به الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأركان نظامه بموجب المبادرة الخليجية في طريقه إلى التهاوي، بانتظار الضربة القاضية التي يتوقع كثيرون حصولها في حال تمادي أركان النظام السابق في ممارساتهم الرامية إلى عرقلة تنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية. الديبلوماسية الأممية وحدها أتاحت هذه المرة فرصة مراجعة ثمينة للنظام السابق؛ إذ إنها حالت دون تحديد أسماء الأشخاص أو الجهات التي تعيق تنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية في القرار الأممي، غير أن تصريحات ممثلي الأطراف الدوليين الراعين لاتفاق التسوية لم تحتمل استمرار هذا الغموض، وأعلنت صراحة أن القرار استهدف بشكل مباشر الرئيس السابق علي صالح وأفراد عائلته وأركان نظامه؛ باعتبارهم الطرف المتهم بعرقلة مهمات الحكومة الانتقالية والرئيس المنتخب في تنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية، والتي تعثر تنفيذها خلال الشهور الماضية بسبب أزمة تمرد العسكريين من أقرباء صالح. هذا الأمر عبّرت عنه المادة السادسة من القرار الأممي التي طالبت بوقف الأعمال التي تستهدف تقويض الحكومة الانتقالية وعملية الانتقال السلمي للسلطة، بما في ذلك الهجمات المستمرة على البنى التحتية الخاصة بإمدادات النفط والغاز والكهرباء والتدخُّل في القرارات المتعلقة بإعادة هيكلة القوات المسلحة وقوات الأمن، كما أكدت استعداد مجلس الأمن اتخاذ تدابير رادعة بموجب المادة 41 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا استمرت هذه الأعمال. قيد النظر القرار الأممي الذي أبقى المسألة اليمنية قيد النظر الفعلي دعا سائر الأطراف إلى التوقف عن استخدام العنف لبلوغ أهداف سياسية، وأكد تأييده لجهود الرئيس هادي والحكومة الانتقالية للدفع بجهود الإصلاح السياسي وتعزيز الأمن، بما في ذلك إجراء أية تغييرات في المناصب العليا في الجيش والأمن، ما اعتبره محللون تحذيراً من العودة إلى مقاومة أية قرارات بعزل قادة عسكريين من أقرباء ومؤيدي الرئيس السابق في مؤسستي الجيش والأمن. وبعد موجات الشد والجذب التي حصلت حيال قانون العدالة الانتقالية بعد رفض ممثلي النظام السابق في الحكومة الانتقالية المصادقة على مشروع القانون جاء القرار الأممي متضمناً نصاً بتأييد الخطوات المبذولة لإصدار قانون العدالة الانتقالية، بل وذهب إلى أكثر من ذلك بتأكيده على وجوب محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الإنسانية وإجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد مستوفياً للمعايير الدولية. وإذ أبدى القرار قلقه حيال العراقيل التي حالت دون تنفيذ اتفاق التسوية الخليجية، وما اعتبره تدهوراً في تعاون بعض الجهات السياسية الفاعلية وتصرفات قد تؤثر سلباً على عملية انتقال السلطة في إشارة النظام السابق، فقد جدد التأكيد على أن أفضل الحلول للمشكلة اليمنية تكمن في عملية انتقال سياسي كاملة ومنظمة يمسك اليمنيون بزمامها ويشارك فيها الجميع، بحيث تلبي مطالب الشعب وتطلعاته للتغيير السلمي والإصلاح السياسي والاقتصادي. أكثر من ذلك أنه حدّد للحكومة خطة عمل للمرحلة القادمة لتنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية، تركز على عقد مؤتمر الحوار الوطني وإعادة هيكلة الجيش وإنهاء النزاعات المسلحة واتخاذ خطوات على صعيد العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وإجراء إصلاح دستوري وانتخابي تمهيداً لانتخابات العام 2014. قضايا أساسية يرى محللون أن أهمية القرار الأممي تكمن في أنه تعاطى مع التحديات الاقتصادية والأمنية باعتبارها جزءاً من عملية التسوية، ومن ذلك نذر الأزمة الإنسانية في اليمن؛ حيث دعا إلى ضرورة إحراز تقدم في تنفيذ المبادرة الخليجية ضمن إطارها الزمني المرسوم لتجنب استمرار تدهور الحالة الإنسانية والأمنية، فيما اعتبره تهديداً للسلام والأمن في المنطقة بالتوازي مع دعوته المجتمع الدولي إلى تقديم دعم نشط ومتزايد لمساعدة الحكومة في التغلّب على ما ستواجهه في المرحلة المقبلة من تحدّيات سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية، وتمويل خطة الاستجابة للطوارئ الإنسانية لعام 2012 تمويلاً كاملاً. ولم تقف المشكلات التي تناولها القرار الأممي عند هذا الجانب وحسب بلد تعدته إلى التعاطي المباشر مع قضية تجنيد الأطفال من قبل الجيش والجماعات المسلحة، ودعا إلى مواصلة الجهود الوطنية الرامية إلى الثني عن استخدام الأطفال وتجنيدهم، وذكّر الحكومة بضرورة الإفراج الفوري عن شبان الثورة والمحتجين الذين احتُجزوا بشكل غير قانوني خلال العام الماضي. كذلك أدان استمرار هجمات تنظيم القاعدة، بل واعتبر وجود التنظيم في اليمن من أفدح الأخطار التي تهدد السلام والأمن الدوليين، وأكد تصميم مجلس الأمن على التصدي لتهديد القاعدة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بما في ذلك أحكام قانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين والقانون الإنساني. قراءات سياسية قراءة القوى السياسية اليمنية للقرار الأممي بدت متباينة؛ فالطرف الذي يعبر عن وجهة نظر النظام السابق اعتبر أنه جاء لينقل اليمن بين مرحلتي المبادرة الخليجية الأولى والثانية، وتجاوز مرحلة نقل السلطة التي كانت تركز عليها المرحلة الانتقالية الأولى إلى متطلبات المرحلة الثانية، فضلاً عن توزيعه المسؤولية على سائر الأطراف للوفاء بمتطلبات هذه المرحلة وفي المقدمة إنهاء مظاهر التوتر السياسي والأمني التي رافقت الأزمة. ويشير هؤلاء إلى أن القرار الأممي حرص بوضوح على إبقاء كل الأطراف المعرقلة لمسار التسوية السياسية تحت طائلة العقوبات، بما في ذلك التي مازالت ترفض إخلاء المدن من المليشيات القبلية المسلحة أو تعمل على قطع الطرق الرئيسة وتهاجم المواقع العسكرية وتعتدي على خطوط نقل الطاقة الكهربائية وأنابيب النفط والغاز وكذلك القيادات العسكرية التي مازالت مستمرة بنشر قواتها خارج ثكناتها في مخالفة صريحة للمبادرة وبنودها. قياساً بذلك رأت قوى في المعارضة أن القرار جاء معبراً عن تطلع اليمنيين في التغيير، وأشارت إلى أنه حمل تحذيراً لمعرقلي اتفاق التسوية، كما انطوى على رسالة من المجتمع الدولي بأن عصا العقوبات ستطاول كل من يسعى لإجهاض عملية انتقال السلطة. مؤسسة الجيش اليمني كان لها رأي هذه المرة؛ إذ اعتبرت القرار الأممي ناتجاً عن إدراك المحيط الخليجي والدولي بأن الانتقال السياسي للسلطة وإخراج اليمن من وضعه الراهن خلال الفترة المحددة بالمبادرة الخليجية يقتضي الحزم في التنفيذ. ولفتت قيادة الجيش أن الإجماع الذي حظي به القرار الأممي أكد على إجماع دولي المجتمع الدولي وعلى تأييد جهود الرئيس المنتخب؛ لإنجاح العملية الانتقالية وتحذير المجتمع الدولي من محاولات إعاقة قراراته والسعي إلى تقويض حكومة الوفاق الوطني والعملية السياسية، الهادفة إلى انتقال كامل للسلطة تلبي التغيير الذي يريده وينشده الشعب اليمني. الجيش اليمني رأى أيضاً أن القرار الأممي استوعب خطر الإرهاب الذي تصاعد في الآونة الأخيرة؛ بهدف عرقلة جهود الرئيس هادي في تنفيذ المرحلة الثانية للمبادرة الخليجية، ما دعا إلى تحديد القرار أولويات للحكومة الانتقالية تصدرها انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وهيكلة القوات المسلحة والأمن تحت قيادة وطنية موحدة وإنهاء جميع النزاعات المسلحة. مواقف دولية كثير من السياسيين اليمنيين رأوا أن الترحيب الدولي بالقرار الأممي انطوى على رسائل أبرزها أن اليمن لم يعد أمامه من خيارات سوى المضي بالتسوية السياسية واستكمال عملية انتقال السلطة وبناء اليمن الجديد بالشراكة والتوافق، وبعيداً عن لغة العنف والرصاص. الولايات المتحدة باعتبارها من الأطراف الدولية الأساسية التي تتولى متابعة تنفيذ اتفاق التسوية كانت أكثر وضوحاً في تفسير مقتضيات القرار الأممي، ورأت على لسان مندوبتها لدى مجلس الأمن سوزان رايس أن المجتمع الدولي قد أرسل من خلال هذا القرار رسالة واضحة وخطاباً موحداً بأنه يجب على اليمن أن تمضي قدماً في المرحلة الثانية من المرحلة الانتقالية السياسية وبدون أية إعاقة ناجمة عن الخلافات السياسية أو أعمال العنف وعلى ضوء نصوص المبادرة الخليجية. وعلى أن واشنطن أكدت أن الحكومة اليمنية حققت تقدماً ملموساً في جبهات متعددة، من بينها إصلاح قطاع الأمن وإصلاحات أخرى إلى جهودها لانطلاق عملية الحوار الوطني الشفاف والشامل، بُغية تمهيد الطريق أمام إجراء الاستفتاء الدستوري في عام 2013م والانتخابات العامة في عام 2014، فقد شددت على إيجاد استراتيجية كاملة تبرز عوامل الحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية، مثلها مثل مجابهة التحديات الأمنية. الموقف البريطاني والفرنسي لم يختلف كذلك؛ إذ أكد البلدان أن مجلس الأمن الدولي أرسل إشارات واضحة لمن يحاولون عرقلة مسار التحول السياسي السلمي في اليمن وحرمان الشعب اليمني من حقه في مستقبل آمن، كما شددتا على تنفيذ المبادرة الخليجية، وأيدتا جهود الرئيس هادي وحكومة الوحدة الوطنية للدفع بعملية الانتقال السياسي. قراءة معارضة بعيداً عن الأهداف والرسائل التي حملها القرار الأممي ثمة من يرى أن الجهود الدولية التي بذلت في مسار التسوية وإن كانت إيجابية، إلا أن الحل لا ينبغي أن يأتي من الخارج. ويقول أمين عام حزب الحق حسن زيد: رغم أننا نعلق الكثير من الآمال على المجتمع الدولي واعترفنا بدوره الكبير في منع الحرب الأهلية في اليمن، إلا أن الحل لن يكون إلا يمنياً ومن خلال حكومة قوية طالما طالبنا بأن تتشكل من القيادات الحزبية؛ لتكون مصدر القرار وقاعة للحوار وتعطي للرئيس المنتخب دعماً قوياً فيما يتخذه من قرارات. وحيال القرار الأممي وما إن كان لبّى مطالب المرحلة الراهنة يرى زيد أن اليمنيين ليس لهم من خيار سوى المضي في الوفاق مع ضرورة الاستجابة للمطالبة بإصدار قانون العدالة الانتقالية؛ لأنه المتمم لقانون الحصانة. لكن زيد في المقابل يرى أن القرار الأممي سيحاصر القوى التي تحاول إجهاض التسوية، كما سيكون له تأثير في لجم اندفاع بعضهم، لكن الحل يبقى يمنياً بالحكومة القوية التي يكون فيها الدكتور ياسين سعيد نعمان وعبدالوهاب الآنسي والدكتور عبدالكريم الإرياني وعلي محسن وأحمد علي وبمشاركة الحوثيين والحراك الجنوبي حتى لا تدار الحكومة من خارجها من قيادات الأحزاب، ويلفت إلى أن تعزيز قوة الحكومة الانتقالية قد يجنب اليمن المزيد من فقدان السيادة، كما يرى أن التهديد بالعقاب أفضل من تقريره. إجراءات الردع وفي شأن قدرة القرار الأممي على الردع وإرغام الأطراف على المضي في التسوية يلاحظ الكاتب والمحلل السياسي أحمد الزرقة أن القرار قد لا يرقى لمستوى الردع، لكن تلويحه بالتدابير الرادعة كان عاملاً مهماً في إرغام سائر الأطراف، على أن تعيد التفكير في حساباتها وخطواتها المعيقة لمسار التسوية، كما أنه أتاح عملية تذكير مستمرة لتلك الأطراف بوجود عصا العقوبات عبر مجلس الأمن وأدوات الضغط الأخرى التي مازالت في يد الأطراف الراعية للمبادرة وخصوصاً أميركا ودول مجلس التعاون الخليجي. ويؤكد الزرقة أن القرار الأممي سيهدئ قليلاً من محاولات عرقلة التسوية، لكنه لن يوقفها بشكل نهائي؛ نظراً لتعدد المعرقلين وعدم تحديدهم بالاسم ووجود وكلاء لكل طرف بإمكانهم أن يحركوه بعيداً عنهم، وباعتقادي أن المجتمع الدولي بات يدرك ويعرف ماهية الأطراف المعرقلة، ويقوم باستخدام وسائل متعددة إما عبر السفراء في صنعاء أو بواسطة مجلس الأمن. ويلفت إلى أن بقايا النظام السابق مستمرون بالمراوغة، لكنهم سيسلّمون في النهاية عندما يشعرون بجدية الأطراف الراعية للمبادرة وإمكان تعرضهم لإدانة صريحة وواضحة، وهناك أمثلة عديدة على ذلك منها: موضوع اللواء الثالث.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي