اغتيال اللواء قطن.. هل يكون مفتتحاً لمتاهة حرائق؟

كتب
الخميس ، ٢١ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٨ مساءً
  أبو بكر عبدالله تضع عملية الاغتيال الآثمة للواء سالم قطن اليمن بين حابل «القاعدة» ونابل «التسوية» بعدما صارت أهداف التنظيم الإرهابي تتقاطع إلى حد كبير مع مشاريع خائبة لإجهاض الثورة وبناء اليمن الجديد في ما يشبه الشائعات ظل اليمنيون بما فيهم قادة الرأي يتداولون عملية الاغتيال التي استهدفت قائد المنطقة العسكرية الجنوبية واللواء 31 مدرع اللواء سالم قطن بطريقة لا تختلف كثيراً عن حرب الشائعات وذلك - بلا شك - يضع الحكومة الانتقالية بجناحها الثوري أمام مسؤولية كبيرة في الشفافية وفتح قنوات التواصل مع وسائل الإعلام ودفعها لتكون عاملاً مساهماً في صنع التحولات بدلا من تركها فريسة لمطابخ المؤامرات التي ستخدمها في خلط الأوراق وارباك البلد والناس على السواء. من أكثر التلفيقات التي بثتها وسائل الإعلام المحلية والدولية بشأن عملية اغتيال اللواء سالم قطن وتحولت تالياًً إلى حقيقة لا تقبل الجدل البيان المنسوب إلى القاعدة والذي أعلن مسؤولية التنظيم الإرهابي عن العملية الانتحارية التي استهدفت اللواء قطن تلفيق لا يقل شأناً عما حمله البيان المذاع عبر الموقع الإلكتروني التابع لوزارة الدفاع وقال: إن المسلح ألقى بنفسه على مقدم السيارة وتبين تاليا أن الانتحاري كان يقف في الجهة اليمنى قرب الباب الأمامي لسيارة التيوتا بيك آب التي كان استقلها اللواء قطن رحمه الله وأسكنه فسيح جناته . مع أنني أزعم أني من المتابعين الدائمين للمواقع الإلكترونية ذات الموثوقية التي تبث عادة بيانات التنظيم الأصولي إلا أني لم أقرأ حتى اليوم على الأقل الثلاثاء 19 يونيو أي بيان للتنظيم أو خبر أو حتى نزوة تشفٍ تقر أن الذراع اليمنية للقاعدة هي من نفذت الهجوم مع العلم أن التنظيم في اليمن كان في الآونة الأخيرة قد طور كثيرا من أدائه الإعلامي وصار له صفحة خاصة في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ناهيك عن مواقع كثيرة كانت تنشط في إذاعة بياناته بشكل يومي. في عملية الاغتيال التي استهدفت اللواء قطن لم يحصل أن أصدر التنظيم بيانات أو خبرا أو حتى إشارة يعلن فيها مسؤوليته عن الهجوم واعتمدت سائر وسائل الإعلام على مصدر واحد ربما كان الأكثر جراءة في إذاعة بيان مختلق للتنظيم يعلن مسؤوليته عن عملية الاغتيال . ومع قناعتي بان التنظيم الإرهابي هو المتهم رقم واحد في هذه العملية على اعتبار أنها جاءت بعد تهديد قادته بشن حرب عصابات وهجمات انتحارية انتقاما لهزائمه المنكرة في محافظة أبين إلا أنني أميل إلى الرأي الذي يقول إن التفاعلات التي رافقت عملية اغتيال اللواء قطن تضع عدة أطراف في دائرة المسؤولية . وأي عملية من هذا النوع لها أهداف يسعى المنفذون لتحقيقها وإن تمعنا النظر في أهداف اغتيال اللواء سالم قطن فإن ذلك يقودنا إلى وجود أطراف عدة لها مصلحة مباشرة في عملية كهذه ربما تتجاوز سقف الأهداف التي يطمح لتحقيقها التنظيم المتطرف والذي تهاوى كثيرا أمام ضربات عملية «السيوف الذهبية» وقبلها عملية «الحسم». لا أوجه هنا اتهاما لطرف بعينة لكني سأضع فرضيات تحتاج إلى إجابات فاصلة . فالرواية التي لم يتم نفيها رسمياً حتى الآن تحدثت عن أن اللواء قطن تنازل عن سيارته المصفحة لرئيس الحكومة الانتقالية الذي كان وصل عدن لرئاسة اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء بسيارته الخاصة وفي ظل حماية محدودة للغاية. تطوع اللواء قطن بسيارته المصفحة إذا نتيجة قلقه على حياة رئيس الحكومة الذي قرر عقد اجتماعه الاستثنائي في منطقة ملغومة وفضل الاستعانة بسيارة عادية للتنقل بين منزله ومقر عمله ربما هي ذاتها سيارته الخاصة التي احتفظ بها حتى بعد أن وصل إلى كرسي الوزارة . هنا يثار سؤال مهم للغاية: كيف عرف تنظيم القاعدة ان اللواء قطن لن يستقل سيارته المصفحة هذه المرة ؟ .. ثم كيف عرف موعد مغادرته منزله وكيف لم تتعامل الحراسة الخاصة باللواء مع الشخص الذي قيل إنه أقترب كثيرا من السيارة ملوحا بيده للسائق وفيها ورقة قبل أن يفجر نفسه مجرد فتح اللواء قطن نافذة السيارة لمنحه مساعدة مالية أو ربما لالتقاط الورقة ؟ إن ثبت صحة هذه الرواية فذلك يعني أن اللواء قطن كان يعتقد أنه في مأمن ولن تستهدفه أيادي الغدر ولذلك لم يكترث لتعزيز إجراءات حمايته كما أنه تعامل بعفوية مع الانتحاري الذي يبدو أنه كان معتادا على هذه الطريقة في الحصول على مساعدات في حين أنه كان قلقا من إمكان استهداف رئيس الحكومة في ظل التهديدات الأمنية الكبيرة في هذه المحافظة . إن رجحنا هنا فرضية أن تنظيم القاعدة هو من دبر ونفذ العملية فذلك يعني أيضا أن الجهاز الأمني الذي يتولى حماية كبار الشخصيات ومنهم رئيس الحكومة وكذلك اللواء سالم قطن مخترق من قبل التنظيم الأصولي إن لم يكن الجهاز الأمني للبلد برمته. إن وضعا كهذا يعطي انطباعا بوجود أطراف لها نفوذ تدير اللعبة أحدها زود التنظيم الإرهابي بهذه المعلومات كما يؤشر إلى وجود أطراف نافذة تعرف مواعيد تحرك اللواء قطن والطريق الذي سيسلكه وهي ربما من منحت القاعدة إن كان هو المنفذ للعملية معلومات بأن اللواء قطن سيغادر منزله بذلك التوقيت في ظل حراسة هشة وسيستخدم سيارة غير مصفحة في الانتقال إلى مقر عمله . من غير المستبعد أن رئيس الحكومة الانتقالية كان المستهدف في هذه العملية وربما تغيير السيناريو مجرد تطوع هذا القائد العسكري الوطني الفذ بسيارته المصفحة لتعزيز إجراءات حمايته خصوصا وهو وصل إلى عدن لإطفاء حرائق كبيرة كما ضمن مهمته جهود لاعادة بناء الخراب الذي خلفه تنظيم القاعدة في أبين وهي منطقة تسعى أطراف كثيرة إلى ابقائها مدمرة فيما يشبه القنبلة تحت الرماد . إن فرضية وجود طرف آخر غير القاعدة مسؤول عن تنفيذ الهجوم الإرهابي تعني أن هذا الطرف لديه نفوذ أمني وعسكري كبير ربما يفوق نفوذ أكبر المسؤولين في الحكومة خصوصا وهو استطاع رسم الخطة استنادا إلى معطيات واضحة وأهمها مواعيد تحركات المسؤولين العسكريين وخطوط سيرهم والثغرات التي يمكن اختراقها. من المجازفة استباق نتائج التحقيق التي لن تظهر أبدا كما حال جرائم كثيرة طالت شخصيات وطنية لكننا نحاول سرد احتمالات قد تكون مفيدة في فهم ما يدور وما سيأتي لاحقا ولعل أفضل وسيلة لذلك هو الخوض في الإجابة على سؤال محوري.. من هو اللواء سالم قطن ؟ علينا أولاً أن نتجاوز أسلوب السير الذاتية الهلالية وإن عرضنا الجواب من فصله الأخير فأول حقيقة ستواجهنا أن اللواء قطن عيّن حديثا قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية خلفا للواء مهدي مقولة المقرب من الرئيس السابق والذي كان العام الماضي يتصدر جبهات الحرب بين مسلحي القاعدة وقوات الجيش وسجل انتكاسات كبيرة أمام مشروع التنظيم في السيطرة على مدن محافظة أبين وإعلانها إمارات إسلامية . في العام الماضي كانت أكثر التقارير تشير إلى انسحابات مفاجئة للجيش من معسكرات يستولى عليها مسلحو القاعدة بعدتها وعتادها كما ظل خط المعارك في أكثر الجبهات محسوما لمصلحة تنظيم القاعدة الذي استطاع الاستحواذ على ترسانة سلاح كبيرة للغاية بينها دبابات ومنصات صواريخ ومدفعية ومضادات أرضية وكميات هائلة من الأسلحة الحديثة المتوسطة والخفيفة والذخائر والتي كانت سببا مباشرا في إشاعة مخاوف المجتمع الدولي حتى صار المحيط الإقليمي والدولي ينظرون إلى الذراع اليمنية للقاعدة باعتباره أكثر بؤر التنظيم الأصولي خطورة قياسا بمراكزه القيادية المنتشرة في أفغانستان وباكستان ومناطق أخرى في العالم . الحقيقة الثانية التي ستواجهنا أن اللواء سالم قطن تسلم مهمات منصبه الجديد قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية في ظروف عصيبة للغاية سببتها تجاذبات مع القادة العسكريين من أركان النظام السابق الذين رفضوا الانصياع لقرارات أصدرها الرئيس هادي قضت باقالتهم من مناصبهم وتعيينهم في مناصب أخرى، ومع ذلك استطاع الرجل بحنكة تجاوز عقبات كثيرة وفرض نفسه قائدا شرعيا للمنطقة العسكرية واللواء 31 مدرع واستطاع خلال فترة قياسية توجيه قدرات المنطقة العسكرية الجنوبية نحو جبهات الحرب على القاعدة في أبين وحقق إلى جانب زملائه من قادة الألوية العسكرية الأخرى نجاحات قياسية في دحر مسلحي التنظيم خلال فترة لم تتجاوز الشهر بعد أن كان سلفه قاد مواجهات لأكثر من سنة مع مسلحي القاعدة وفشل في استعادة منطقة واحدة بين مئات المناطق التي سيطر عليها مسلحو التنظيم بصورة كاملة. ثمة حقيقة ثالثة وهي أن اللواء سالم قطن الذي كان حتى وقت قريب نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة هو في الواقع شخصية عسكرية جنوبية فذة ونظيف اليد وكان أيضا من أكثر الشخصيات العسكرية التي تحظى بثقة الرئيس هادي إن لم يكن واحداً من أذرعه العسكرية الذين اعتمد عليهم في إحداث توازن بداخل مؤسسة الجيش المنقسم على نفسه بين فصيل مؤيد للثورة وآخر لا يزال يحتفظ بالولاء للنظام السابق ورموزه . هذا المحور يضعنا أمام فرضية جديدة وهي أن عملية اغتيال اللواء قطن ربما لم تكن فقط لمشاركته الفاعلة ضمن قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في العملية التي شنها الجيش على القاعدة في أبين بل لأنه كان محسوبا على الرئيس هادي وتصدر معادلة التوازن في أكثر المناطق العسكرية حساسية والتي ظلت موضع رهان لقوى النظام السابق خلال عام الثورة 2011 وحتى مطلع العام الجاري قبل أن تطيح قرارات رئاسية بقيادة المنطقة الجنوبية السابقة. قد يقول أحدهم: إن النجاحات القياسية التي حققها اللواء قطن إلى جانب زملائه من قادة الجيش المتصدرين للخطوط الأمامية في الحرب على القاعدة فضحت الأطراف التي كانت تدعي أنها تحارب التنظيم خلال العام الماضي وكشفت سيناريو صناعة فزاعة القاعدة التي تورط فيها النظام السابق كثيرا .. وقد يأتي آخر ليقول: إن هذا التحليل هراء وأن تنظيم القاعدة أراد بهذه العملية أن يوجه رسالة إلى الداخل والخارج أنه فكرة القضاء عليه ليس سوى أوهام وأنه لا يزال قويا وقادرا على المناورة وإدارة عمليات كبيرة ترهق الدولة . لكني أميل إلى أن هذه النتائج وغيرها تقود إلى حقيقة كبيرة وهي أن أهداف التنظيم أياً كانت فإنها صارت تتقاطع لسبب أو لآخر مع أهداف ومصالح أطرف أخرى وجميعها تستهدف إضعاف الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي وتشتيت جهوده في المضي بتنفيذ اتفاق التسوية الخليجي والمضي بقاطرة الإصلاح السياسي وهيكلة الجيش وإخراج اليمن من نفق الأزمة . علينا أن نتوقف قليلا عند حقيقة أخرى وهي أن التفاعلات السياسية التي شهدها اليمن خلال الفترة الماضية وما أنتجته من قرارات أممية عبر مجلس الأمن في القرارين 2014 و 2051 كانت كلها تحمل مضمونا واحدا وهي أن هناك طرفا سياسيا يعرقل بشكل مباشر وغير مباشر تنفيذ المبادرة الخليجية وخصوصا في مرحلتها الثانية التي تركز على خطة هيكلة الجيش وتنظيم مؤتمر الحوار الوطني الذي يفترض أن يفضي إلى توافقات وطنية هامة لإكمال عملية انتقال السلطة التي لا تزال تواجه عثرات ومن جانب آخر وضع أسس بناء اليمن الجديد . وعلينا ألا ننسى أن تنظيم القاعدة كان محورا مهما في الاتهامات التي عبرت عنها الحكومة الانتقالية في في مرات كثيرة واتهمت فيها أركان النظام السابق باللعب بالورقة الأمنية لعرقلة تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق التسوية الخليجي. تبقى الإشارة إلى مواقف الإدانة التي عبرت عنها واشنطن وباريس والعديد من العواصم العربية والأوروبية حيال جريمة اغتيال اللواء قطن لم تكن في الواقع سوى إعلانات تأييد للرئيس هادي ودعم قراراته وجهوده في تنفيذ اتفاق التسوية الخليجي والرسالة التي حملتها بيانات الإدانة كانت شديدة الوضوح فهي تدعم الرئيس هادي في مقابل طرف آخر لا يزال يعتقد أنه يمثل رقما في المعادلة السياسية . أكثر من ذلك أنها أكدت دعمها لقادة الجيش الذين يخوضون مواجهات في الصفوف الأمامية ضد تنظيم القاعدة وكل القادة العسكريين الذين يقفون في صف الشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس هادي في مقابل قوى تقف إلى جانب اطراف تفتقد إلى الشرعية الدستورية والشعبية والثورية . سواء كان تنظيم القاعدة هو من نفذ عملية الاغتيال أو أن أطرافا أخرى هي من دبرتها وحملتها شماعة القاعدة فإن العملية تضع اليمن والرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي أمام منعطف خطير للغاية لن يتوقف معه مسلسل التصفيات الجسدية لرموز الدولة من المدنيين والعسكريين الذين يلقى على عاتقهم مهمات إكمال تنفيذ اتفاق التسوية وعملية انتقال السلطة خلال الفترة الزمنية المحددة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وخصوصا بعد التوجهات القوية التي حملها القرار الأممي رقم 2051 الصادر عن مجلس الأمن الذي وضع للمرة الأولى عينه على التسوية السياسية السلمية فيما عصا العقوبات خبيئة خلف الظهور . كل هذه التفاعلات تضع الشارع اليمني أمام تحد كبير للغاية يفترض على الجميع أن يشمروا سواعدهم لدعم الرئيس المنتخب وإحباط أي محاولات تأتي من هنا أو هناك لإضعافه أو إجهاض جهوده في تنفيذ اتفاق التسوية الخليجي في موعده المحدد . وباعتقادي أن الوقت قد حان لأن يتحول شبان الثورة إلى رافعة لدعم هذه الجهود بدلا من تشتيتها لأنهم إن مضوا في الطريق الآخر فهم بلا شك سيخدمون من حيث لا يدرون الأطراف التي تسعى بكل ما لديها من قوة لتحويلهم وغيرهم رأس حربه لإجهاض جهود استكمال عملية انتقال السلطة وبناء اليمن الجديد . وعلينا أن نعرف أن القلق الكبير الذي يعبر عنه المجتمع الدولي من فشل جهود التسوية في اليمن ليس قراءة فنجان أو مسرحا للاستعراض بل نابع من مخاوف جديه بأن الانزلاق نحو العنف سيكون مكلفا للغاية في بلد تتقاذفه التحديات من كل جانب . [email protected]
الحجر الصحفي في زمن الحوثي