قراءة في الوثيقة الفكرية والثقافية للحوثيين وادعاء الاصطفاء

د. فيصل العواضي
الاربعاء ، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٧ الساعة ٠٥:٢٦ مساءً
 
مع اقتراب بداية مؤتمر الحوار الوطني في عام 2012كتبت قراءة في الوثيقة التي أصدرها الحوثيون تحت مسمى الوثيقة الفكرية والثقافية ونشر المقال في صحيفة الجزيرة السعوية بتاريخ 8-7-2012 بعنوان قراءة في الوثيقة الفكرية والثقافية للحوثيين وادعاء الاصطفاء
ومع عودة الحديث عن الوثيقة اعيد نشر المقال  لشموليته واستمرار موضوعه
 
 
دخلت اليمن بعد التوقيع على المبادرة الخليجية في تنفيذ أهم بنودها وهو الانتخابات الرئاسية للرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي، والذي قد يقول قائل إنه ترشح بلا منافس فكيف نقول إنه حاز الأغلبية الشعبية، وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة مهمة وهي أن الانتخابات كانت استفتاء على نهاية حكم علي عبد الله صالح إلى جانب كونها انتخابا لهادي والمشاركة العالية والواسعة من قبل أبناء الشعب اليمني وضحت الصورة لحقيقة مزاعم صالح الذي كان يدعي أن الشعب يحبه ومعه، دخلت اليمن بعد الانتخابات مرحلة حلحلة أزمة ضاربة جذورها في عمق الواقع بشدة وتتعدد وجوهها ما بين وجوه سياسية ووجوه مذهبية ووجوه مناطقية وقوى استئصالية متطرفة.وأقول وجوه -بالجمع- لتعدد أنماط الإشكالات التي راهن صالح من خلال زرعها وتغذيتها خلال فترة 33 عاماً من حكمه على أنها ستطيل من بقائه في السلطة كضرورة لإدارة هذه الأزمات والمتناقضات وتخويف الشعب بها من خلال تلويحه بصوملة اليمن في حال ترك الحكم، أو أرغم على ترك الحكم، وكانت عبارة الحرب من طاقة لطاقة التي أطلقها مع بداية ثورة الشباب في اليمن مرادفة لعبارة القذافي زنقه زنقه دار دار. 
 
واليوم يتجه اليمنيون بأنظارهم صوب الرئيس الجديد الذي اثبت انه أمين على ثقة الشعب عبر القرارات التي اتخذها، لكن أعود وأقول إن وجوه الأزمات المتشابكة مثل قضية الحراك الجنوبي الذي يطالب بالانفصال وقضية الحوثيين في أقصى شمال اليمن والقاعدة التي تطل بأكثر من رأس وتتماهى مع من فقدوا مصالحهم وأرغموا على ترك السلطة ليتجهوا إلى دعم القاعدة في رهان خاسر لوقف عملية الإصلاح والتغيير التي بدأت. 
 
ويبرز الحوار الوطني كعنوان للمرحلة القادمة يتجه إليه مكونات الحياة السياسية والاجتماعية في اليمن مدعوما برعاية دولية غير مسبوقة، لكن الأجندة الخاصة بهذا الحوار تختلف من قوى إلى أخرى وقد يكون من نعم الله على اليمن أن جاءت الأزمة التي مرت بها كابتلاء واختبار تتساقط معه الوجوه والأقنعة ولتعرف كل قوة في الساحة على حقيقتها سواء ارتدت مسوح الرهبان أو أطلت بقرون الشيطان. 
 
وسأقف هنا مع الحوثيين الذين أعلنوا خلال الأيام الماضية وثيقة بمثابة برنامج سياسي كشف عن هويتهم وحقيقة تفكيرهم، وحملت هذه الوثيقة من المخاطر ما يتطلب من كل واع مقتدر أن يسارع إلى كشفها والتحذير منها؛ لأن خطرها لا يقف عند حدود اليمنيين لكنها تتعداهم إلى زرع بذور الانحراف الفكري لدى عامة المسلمين. 
 
وسأورد مقتطفات من هذه الوثيقة التي تمحورت حول فكرة الاصطفاء، وان الله اصطفاهم دون غيرهم للحكم والعلم؛ حيث بدأت الوثيقة التي عنونت بالوثيقة الفكرية والثقافية بالحديث في أصول الدين من إثبات صفات الله والإيمان بالأنبياء والرسل والملائكة وصولا إلى جعل إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وأولاده من بعده أصل من أصول الدين، كما جاء في هذه الفقرة التي اختتمت بها الرؤية الخاصة بأصول الدين (وأن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين). 
 
وبعيدا عن نقاش ما جاء في الباب ذاته من شبه تستدعي ردها عليهم فذاك من شأن العلماء المجتهدين لكني أردت أن أكشف هنا عن الانحراف الفكري الذي يتعسف الدين لخدمة أهداف سياسية ومطامع دنيوية ما أنزل الله بها من سلطان. 
 
وتمضي الوثيقة في باب أصول الدين مدعية أن نهج الهداية من الضلال هو التمسك بالثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة ويقصدون بها أنفسهم، كما جاء في هذه الفقرة (والثقل الأصغر عترة رسول الله وهداة الأمة وقرناء الكتاب إلى يوم التناد (إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهم حجج الله في أرضه). ومعنى ورود هذه الفقرة في باب أصول الدين أن التمسك بهم وموالاتهم أصل من أصول الدين ويصبح الإنسان في حرج من دينه إن لم يؤمن بهذا، إلى جانب أن إيمانهم بكتاب الله ليس مطلقا وإنما مقيد بفهمهم وتوضيحهم وتعليمهم الكتاب للأمة وفق أهوائهم، كما سيأتي لاحقاً. 
 
وتنتقل الوثيقة إلى البند الثاني من بنودها، وهو عن العلم والتعليم، فبعد تبيان فرضيته ومنزلة العلماء يزكون أنفسهم بادعاءات سلالية مريضة، وأنه لا يجوز نقدهم أو مناقشتهم، وأنهم معصومون من الوقوع في الخطأ، كما في هذه الفقرة (وما قد يقع من النقد للعلماء لا يقصد به علماء أهل بيت رسول الله وشيعتهم العاملين ولا علومهم وإنما من لا يرى وجوب الجهاد للظالمين ولا يوجب أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر بل يرى السكوت وطاعة من لا تجوز طاعته). ثم يقررون أن الأمة مجمعة على مذهبهم ومنهجهم في مغالطة وصلف ما بعدهما صلف ولا غرور؛ حيث يقولون في ختام هذه الفقرة (وعلى العموم فإن الجميع متفقون على منهج أهل البيت عليهم السلام في أصولهم وعقائدهم التي مضى عليها الأئمة الهداة من فجر الإسلام إلى زمننا هذا متقدموهم ومتأخروهم، وإن كنا نرجح أسلوب المتقدمين مثل الهادي والقاسم لقربه من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية). 
 
وهنا أشير إلى الهادي أنه هو الذي غيّر مذهب الإمام زيد في شروط من يتولى الحكم؛ حيث اشترط أن يكون علويا فاطميا، إلى جانب أنه عندما قدم إلى اليمن أحدث فتنة بين القبائل وتقاتلوا في صعدة حتى امتلأ سد اسمه الخانك بلون الدم. 
 
بعد الانتهاء من هذه الفقرة، تنتقل الوثيقة إلى السنة المطهرة، وقد حلت ثالثا، ويؤكدون أن السنة هي ما قرره وارتآه أئمتهم وعلماؤهم من السلالة ذاتها، وتشير هذه الفقرة إلى ذلك بوضوح (وأن موقفنا من السنة هو موقف الإمام الهادي عليه السلام الذي ذكره في مجموعه في كتاب السنة؛ حيث اشترط لصحتها العرض على القرآن، وأن تكون في إطار القرآن مرتبطة به لا حاكمة عليه ولا معارضة لنصوصه وأنها مرتبطة بالهداة من آل محمد كأمناء عليها في اعتماد الصحيح من غيره). 
 
ونأتي إلى ادعاء الاصطفاء، وأن الله اصطفاهم أو أنهم شعبه المختار والتي جاءت تحت البند الرابع من هذه الوثيقة حيث يقولون (ونعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها (إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله) ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت عليهم السلام). 
 
تعالى الله عما يقولون علوا كبير؛ فقد اصطفى الله الإنسان وكرم بني آدم مطلقا وأرسل إليهم الرسل وجعل العقل حجة للعلم والتدبر دون أن يختص طائفة أو فئة من خلقه بأن يكونوا أصفياءه وأولياءه بناء على إرث سلالي، وعصمة الأنبياء نؤمن بها لأنهم معصومون فيما يبلغون به عن ربهم ولا عصمة لأحد أو اصطفاء لأحد غيرهم، إلا فيما نص الله عليه في كتابه وليس فيما يدعيه البشر لأنفسهم. 
 
أما رأيهم في أصول الفقه فتقول عنه الوثيقة (أما أصول الفقه فما كان منه مخالفاً للقرآن الكريم أو بدلاً عن آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع وما كان منه موافقاً للقرآن ويستعان به على فهم النصوص الشرعية في إطار آل محمد فهو مقبول معتمد لا اعتراض عليه ولا إشكال). 
 
وهنا نقف عند مسألة الآل ودلالتها اللغوية؛ ف(آل محمد) لغة: هم أتباعه المؤمنون بما جاء به، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه المبين (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) والمعنى هنا كل من هم على دين فرعون، وقد أجاد الشاعر اليمني الأمير نشوان ابن سعيد الحميري؛ وهو من أئمة اللغة وله معجم (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم) ؛ حيث قال: 
آل الرسول هم اتباع ملته 
من الأعاجم والأتراك والعرب 
لو لم يكن آله إلا قرابته 
صلى المصلي على الطاغي أبا لهب 
ونصل إلى موقف الحوثيين من الاجتهاد لنكتشف الدس الرخيص؛ حيث أقحمت عبارة الآل في سياق لا يقتضي مثل ما جاء في هذه الفقرة (أما بالنسبة للاجتهاد فما كان منه يؤدي إلى التفرق في الدين والاختلاف في معرفة الله وغيره من أصول الشريعة أو إلى مخالفة نهج الآل الأكرمين أو إلى الإضرار بوحدة المسلمين وتكوين الأمة التي أمر بها رب العالمين: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران الآية 104.. أو مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة - فهو اجتهاد مرفوض، لا نقره ولا نرضاه بل هو مفسدة في الدين-. 
 
وتنتهي الوثيقة عند الحديث على علم الكلام وموقفهم منه ولا تختلف في سياقها كثيرا عما سبق من تكريس حق الآل كما يدعون في العلم والحكم (أما ما يقال من النقد على علم الكلام فليس المراد به علم أصول الدين ولا العقائد التي مشى عليها أئمة الآل الطاهرين، وإنما المراد التعمق والأسلوب الذي انتهجه الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم وفق منهجيتهم وطريقتهم التي هي مغايرة لطريقة ومنهج أهل البيت عليهم السلام). 
 
وهنا تنتهي هذه الوثيقة البرنامج السياسي، والذي على أساس منه سيدخل الحوثيون الحوار الوطني دون أن يحمل هذا البرنامج أي ملمح من ملامح التعايش المشترك مع بقية القوى السياسية في الساحة اليمنية أو اليمنيين عموما. 
 
وبعيدا عن الخوض في هذا الجانب، أختتم بإيضاح عن أن الحوثيين يمثلون فرقة من الزيدية يعرفون بالجار ودية، أو بالأصح: هادويين وليسوا زيود، وهم يتماهون مع الاثنى عشرية الإمامية في كل دعاويهم، وهناك فرقة من الزيدية تسمى المطرفية على رأي الإمام زيد بن علي في القول بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، ولا يشترطون نسبا أو سلالة معينة، وقد تعرض هؤلاء للتنكيل بهم من قبل الجاروديين حتى ذكر المؤرخون أن أحد أئمة الجارودية المدعو عبد الله بن حمزة قتل منهم ما يقارب المئة ألف حتى أنهوا هذه الفرقة. 
 
ملحوظة: 
 
الفقرات المقوسة من الوثيقة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي