بين مأرب وتعز ...ابتسامات ٌ وحزن

محمد قشمر
الاثنين ، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٧ الساعة ١٠:٢٣ صباحاً


مأرب عنوانٌ للتاريخ العريق، عنوان لحضارةٍ لا يمكن للزمن أن ينساها، إنها العرش الحضاري المتأصل في جذور الأرض وفي شرايين البشر. تلك المحافظة اليمنية التي جثم الظلم على صدرها ردحاً من الزمن وطال في عهد النظامين البائدين الإمامي والعفاشي حتى كانت مدينةً للمعدوم. حرمت من أبسط حقوقها ومن خيراتها التي جعلها الله في باطنها، وجعل منها نظام المخلوع مرتعاً للمخربين والإرهابين الذين ساهموا برسم صورة سيئة السمعة عنها من تفجير أنابيب النفط الى قطع اسلاك الكهرباء وحرمان اليمن من تلك الخدمة المهمة في حياة الجميع الى قطع الطريق وغيرها. دخل الانقلابيون صنعاء وبدأت حرب الشرف والكرامة بدأت حرب استعادة الوطن من بين أنياب العمالة والظلم والاستبداد من بين أيدي الإمامة الجديدة وانطلقت المدن اليمنية الحرة تسطر بأروع الحروف تاريخ جديد في صفحات اليمن. انطلقت مأرب في طريق التحرير وتحقق بفضل الله ما سعت اليه أرواح الأحرار تحررت مأرب من قيود الوثنية الرجعية الانقلابية، ولكن ما أبهر العالم ليس ذلك النوع من التحرر ولكن ما صنعه أبناء مأرب في تلك المدينة الغائبة خلف أسوار المضي وما قدمته من نماذج أبهرت العالم وجعلت من أبنائها حكايةً جميلة على شفاه كل المفكرين، إنه تحررٌ من نوعٍ خاص وفريد. 


 كيف ؟ ومتى ؟  ولماذا ؟ ومن ؟ كلها أسئلة طارت بين الناس عن سر تلك النهضة الجميلة التي تخطو بخطىً واثقة ً تبني مأرب الحضارة والتاريخ المشبع بعبق التبابعة اليمانيين . 
الحقيقة التي ظهرت جليةً واستطاعت مأرب أن تطلقها لليمنيين كافة هي أن القيادات المخلصة هي التي تبني وتوجد الحياة في مدن الموت. هي التي تلم الشمل وتجمع الأخوة تحت عباءة الوطن . وهذا ما تحقق بشخص المحافظ سلطان العرادة حفظه الله الذي التم الكل معه تحت عباءة مأرب ومصلحة مأرب التي بدورها لمت تحت ظلها كل من لجأ اليها من أبناء اليمن قاطبة .


كانت تعز أيضاً على موعد مع التحرير ودرء مفاتن الانقلاب الذي وصل اليها يلبس الثوب المغطى بكهنوت الماضي والملطخ بدماء اليمنيين، هب الأحرار من أبناء تعز وقاوموا ذلك المد الطائفي الكريه وكسروا أقدام الخيانات التي باعت الوطن للشيطان وقدموا قوافل الشهداء وتحررت اغلب مناطق تعز رغم ذلك الكم الهائل من الخونة من أبنائها الذين باعوا بأرخص الأثمان وحصدوا لأنفسهم الهلاك ولذواتهم العار على مر السنين . ولكن ما فاجأ الجميع أن تخرج تعز من تحت عباءة الوصاية الإيرانية الحوثية العفاشية وتتحرر من استبدادهم لتبقى حتى اليوم في دائرة التيه والتخبط، دائرة الضياع دائرة اللاإستقرار الإداري رغم وجود الكفاءات العالمية بين أبنائها ،رغم وجود ذلك الرصيد الوطني النضالي الذي يحفل به تاريخها كمدينةٍ حرةٍ وولادةٍ للأحرار ، هي تعز رائدة الثقافة والفن والإبداع ولإدارة والصناعة والجمال ، تعز التي تنام بروعتها بين أحضان جبل شامخ اسمه صبر الذي يصد بشموخه كل محاولات الدناءة من الوصول الى أبنائها . 


تعز اليوم مقارنةً بمأرب مرسومٌ على وجهها علامات الحزن لأنها وجدت أبنائها الذين تمكنوا من القوة والسلطة تفرقوا وتشتت أفكارهم ورؤاهم. تعز تتألم لأنها لم تجد بين أبنائها من يستطيع أن يلم الشمل ويجمع الكل المفرق تحت كلمة ٍ واحدة وصوتٍ واحد من أجل أن يسمع العالم ماذا تريد تعز وما ذا يريد أبنائها. تعز اليوم فيها مئة قائد ومئة كبير والف ( عاقل ) .تعز فيها مخلصين يذودون عنها وتقدم كل يوم شهداء من المقاتلين الأحرار وتقدم من المدنيين الكثير اطفالاً ونساءً وشيوخا  . ولكنها ما زالت تنزف حتى الان ولعدم وجود قيادة موحدة يلتف الجميع حولها ستبقى تنزف وسينزف معها تاريخها الثقافي وإرثها الحضاري والمدني. تعز المدينة التي تاهت فيها الإيرادات عن الخزينة الوطنية وتاه مع تلك الأموال حلم البسطاء من الناس بحقهم في الراتب الذي خرج ولم يعد. تعز التي تاهت بين محافظٍ غائب ووكلاء ما زال كل منهم يبحث عن ذاته وحزبه والطريق المؤدية الى الثراء او الى القوة.


تعز المدنية الحديثة قالت بصوت قوي بأنها قادرة على القتال والذود عن الحوض والشرف ولكنها لم تكن قادرة على التوحد خلف صوتٍ واحد وكلمةٍ سواء. تعددت الرؤوس وكثرة القيادات وانتشر السلاح بكل المسميات وبقت تعز تعاني الحصار والهجمات المستمرة التي يقودها الانقلابيون من كل جهات تعز.


لم تستطع الثقافة والمدنية التعزية ان ترسم خطاً واضحاً للسير نحو التحرر الكامل لأن المخططين كثر ولأن المصالح تضاربت واختلفت الرؤى لتبقى تعز تبحث عن كريمٍ يخلصها من القتل اليومي والضياع المستمر.


تعز لم ولن تموت ولكنها تبكي ابنائها الذين يتساقطون قتلاً داخل المدينة بعد أن يعودوا الى أهلهم من خطوط النار الملتهبة في مواجهاتهم البطولية مع أعداء الأرض والانسان. تعز سيبقى بها الحال كما هو عليه حتى يستيقظ قادتها من غيبوبتهم ليدركوا أن التعامل بشكل فردي مع الأشقاء والأصدقاء لن يحق الحلم لتعز ولن يحقق الثراء والعزة والكرامة لهم ولا لإحزابهم.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي