فَخ العولمة

موسى المقطري
الجمعة ، ٢٧ اكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٠٤:٣٠ مساءً

 

طالما صادفَنا مُصطلح العولمة ، وبشَّر بهِ الكثير دون إدراك للخطر الذي تمثِّله هذه العمليه على خصوصيات مجتمعاتنا الضاربة في العمق ثقافياً وحضارياًً .

كان العالم قبل ١٠٠ عام أو أكثر قليلًا سليمًا مُعافًى من هذا الخطر، ولكن كلما تقدم الزمان أصبح مُعرَّضًا للإصابة بهذا الخطر دون أن يشعر!

"العولمة" Globalization ببساطة شديدة، هذا المصطلح وما يندرج تحته أو يتفرَّع منه يكاد يكون أكثر الأمراض خطورةً على المجتمعات الشرقية، بل لا أكون مخطئًا إن قلتُ : على كل المجتمعات ذات الحضارة أو الثقافة الخاصة!

لن أتحدث هنا عن تعريفات اصطلاحية، أو مؤلفات علمية معقَّدة، ولكنني سأختصر الموضوع اختصارًا؛ لطول الحديث فيه ، إذا أردنا تعريفها اختصارًا: "فهى عملية جعل الشيء عالميًّا في مداه وتطبيقه".

وكلمة (الشيء) هنا المقصود بها: "كل شيء" ثقافيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا، وسياسيًّا... إلخ.

تكمن الخطورة هنا كما بينَّا آنفًا على المجتمعات ذات الثقافات الخاصة أو الحضارات الخاصة، ففكرة العولمة لا تحتمل تنوُّعَ الثقافات، أو الإبقاءَ على حضارةٍ ما، في أي قُطر من العالم، إلا تلك التي تعمل تحت ظل الشمولية العالمية "الكونية"!

العولمة تعمل على نشر ثقافة المصَدِّر على حساب ثقافة المستقبِل، بل تعمل على فرضها فرضًا، وحين يكتمل فرض تلك الثقافة في المجتمع المستقبِل لها، تختفي حضارة ذلك المجتمع تحت أقدام تلك الحضارة الهشة التي لا جذور لها، نعم هي هشَّة تمامًا؛ لأنه حتى تتحوَّل الثقافة إلى حضارة، فهي تحتاج إلى مئات السنين حتى تُرسخ أقدامها في المجتمع، ويكتمل شكلُها أو صفاتُها البنائية، وهذا ما لم يحدث في العولمة!

الهجمة العولمية على الثقافات مختلفة الخطورة، ولكن من أهمِّ مظاهر انتصارها في المجتمعات : انتشار المدارس الأجنبية التي تُعلِّم الأجيال ثقافةً "منقطعة الجذور" عن ثقافة مجتمعهم، ناهيك عن أُسَرهم، فيخرج الطالب ممسوخَ الثقافة، مُشَوَّه العقل، ومُشَتَّتَ الفكر؛ فيكون في المجتمع ساخطًا على كل ما فيه من قواعد، يعتقد بأنها تخنقه؛ لأنه بالطبع نشأ على ما يخالفها تمامًا، وينتقل الشابُّ بعد تخرُّجه إلى مرحلة البحث عن مجتمع واقعيٍّ يعيش فيه ثقافةَ العولمة تلك؛ فيبدأ في الدعوة إلى فكره، وإدخال ما يُخالف كلَّ فطرة بشرية سليمة؛ حتى يؤسِّس لنواة مجتمع مشوه فكريًّا كفكر المؤسِّس، وما يفعله أتباع تلك المناهج في بلاد الشرق أدلُّ دليل على ذلك؛ من نشر للإلحاد والعلمانية، إلى نشر الشذوذ واعتباره أمرًا فطريًّا طبيعيًّا، وكذلك الإباحية الجنسية .
 
الهند على سبيل المثال، كانت صاحبة أحد أعظم الحضارات الشرقية؛ بل كانت تضمُّ بين جنباتها حضارةً إسلاميةً عظيمةً، سقطت الهند ضحية هجمات العولمة؛ فاختفى كثيرٌ من ملامح حضارتها واندثر، ولم يتبقَّ من حضارة الهند إلا مسخٌ، ويظهر هذا أكثر في أفلامها التي صارت كأنها من إنتاج هوليود الأمريكية!

الآن نحن في مرحلة سحْق الثقافات لتبقى ثقافةٌ واحدةٌ؛ ثقافةُ العولمة، ثقافةُ القُطْب الواحد!
فهل من أمر يحدث فيحفظ ثقافة الشرق وحضارته؟! ويحفظ ثقافة العرب والقرآن؟!
لدينا من التراث الثقافي والحضاري ما نتِّقي بهِ الهجمة ، ونقاومُ به الغزو ، ونتعايش مع الواقع المفروض دون التفريط بخصوصياتنا ، والتنازل عن مميزاتنا ، فقط نحتاج لتأصِيل هذه الفكرة ، وتحويلها لواقعٍ معاش .

دمتم سالمين ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي