الشيطان والسلطة

محمد قشمر
الخميس ، ١٩ اكتوبر ٢٠١٧ الساعة ١٢:٠٥ مساءً


تتكرر في كل مرة مشاهد الاستعراض العسكري الحوثي على وجه الخصوص في أكثر من منطقة من المناطق اليمنية وفي وضح النهار ليؤكد للقاصي والداني بأنه صاحب حضور قوي وغير استثنائي على الخارطة اليمنية ، هذه الاستعراضات لم تكن جزافاً ولم تكن بهدف الاستعراض المفرغ من الرسالة القوية التي مفاداها أنهم ما زالوا متماسكين وأقوياء رغم هذه الفترة من الحرب ، وهي ايضاً رسالة تؤكد أنهم أصبحوا الأقوى على الساحة اليمنية القابعة تحت حكمهم الإنقلابي ، وهي ايضاً تؤكد بكل تلك الأسلحة أن الدعم مازال يصلهم من حلفائهم ومن غيرهم الذين هم الأطراف الأكثر قوة عالمياً ، هذا الأمر يؤكد أن الحوثي يحظى بدعم دولي كبير ، ولكن ما هو الهدف من دعم تلك الشريحة التي تحدثت عنها السياسة الخارجية الأمريكية بأنها أقلية في اليمن وعليها أن تخضع للتوافقات ،وان تكون جزءً من العملية السياسية في اليمن ؟ 


من هنا تظهر حقيقة حجم الحوثي على المستوى المحلي من خلال القوة العسكرية الكبيرة التي أصبح مسيطراُ عليها رغم كراهية اغلب أبناء الشعب اليمني لهم ولأسلوبهم المخيف في الحكم وفي طريقة التعامل مع المواطنين. وعلى المستوى الدولي ما يحظى به من تهاون دولي مقصود مع الجماعة الانقلابية وعدم التعامل معها كجماعة إرهابية، وذلك لأن المجتمع الدولي المهيمن والمقرب من الحوثيين يرى فيه شريك قوي لإبقاء المنطقة على فوهة البركان الذي لن ينفجر بل سيبقى أداة الابتزاز الكبير لهم في كل المنطقة،


 إذاً الكل يدرك أن الحوثي هو الذي تصدر الموقف بأسلوبه الشيطاني الرهيب في بناء قدراته العسكرية والدبلوماسية خلال فترةٍ زمنيةٍ وجيزة ، ولا يخفى على عاقل الكم الهائل من الخبراء الأجانب الإيرانيين وغيرهم الذين ساهموا في تضخيم البالونة الحوثية التي أصبحت تكبر يوماً بعد يوم على حساب الوطن بأكمله ارضاً وإنسانا ، 


أصبحت الطرق جميعها الى السلطة في اليمن مفخخة بكل أنواع المتفجرات السياسية القاتلة والتي أغلبها لا تخدم المواطن اليمني البسيط مما يجعل الخوض في المفاوضات السياسية لأجل نبذ العنف والاقتتال عملية صعبة جداً ، لأنه من المستحيل أن يتخلى (الطاهش) الحوثي عن كل تلك القوة العسكرية وعن سيطرته شبه المطلقة على أغلب المناطق والمدن الشمالية بسهولة ،ولا يمكن للإيرانيين أن يتركوا عاصمة كصنعاء أن تعود الى الحضن العربي السني بعد أن وقعت أيديهم عليها ،ولا يمكن أن يساهم القرار الدولي في إيجاد حل يقضي تماماً على التعقيدات السياسية القائمة لأهداف استراتيجية طويلة المدى تخدم مصالح دول أخرى بعيدة عن المنطقة عموماً .
 هناك بعض الأخبار على أن يتم إزاحة الوجهين الأبرز في المشهد السياسي اليمني وهما هادي وصالح وهذا الكلام يبنى على أساس افتراضي فقط لأن إزاحة هادي من المشهد السياسي يعني انتهاء الشرعية التي هي قائمة على الرئيس التوافقي المتمثل بشخص هادي، وإزاحة الرئيس هادي معناه انتهاء الوضع الى هزيمة عسكرية وسياسية الا إذا كان التوفق الدولي يخدم كل الأطراف باستثناء اليمن واليمنيين الذين هم أصحاب الحق الأول والمطلق ،، 


فمقارنة هادي بصالح ومساواتهما تفتح المجال واسعاً وبشكل كبير جداً لأن يتم الوضع (بأريحية مطلقة) للحوثي الذي يستفيد دائماً من مثل هكذا خطوات، الأعمال العسكرية حتى الان لم تحقق المطلوب من أجل إيجاد بيئة شبه مستقرة لتطبيع الحياة في كل مناطق اليمني بلا استثناء . والشيطان ما زال يجيد صياغة خيوط اللعبة لإبقاء الباب مفتوحاً على مصراعيه في صراع الأطراف على السلطة التي انهكتنا جميعاً لكنها كانت سبباً مباشراً في إثراء أفراداً لم يكونوا في يومٍ من الأيام جزءً من الأحلام الوردية للشعب اليمني البسيط. 


الاقتتال ما زال قائماً على قدمٍ وساق والأطراف المتحاربة كل منهم يمسك بخيوط اللعبة من منظوره العسكري والسياسي والاجتماعي والمالي والغريب في الأمر أن الميليشيات الحوثية ما زالت حتى الان تبذل بسخاء على قياداتها في كل الجبهات وذلك من إيرادات المناطق التي تقع تحت سيطرتها في الوقت الذي يموت بقية أبناء الشعب جوعاً وفقراً تخت حكمهم في الوقت الذي هم مطالبين فيه بالصمود في وجه (العدوان السعودي).


أشعر أن الشيطان يسخر منا في حالاتٍ كثيرة وأن السلطة وقعت في ايدٍ لا تعرف غير أن تهلك الروح فأصبحت كارثةً حقيقةً تقتل في أوطاننا أكثر مما تنشر من حياة وتهدم أكثر من دورها في البناء. 


الحل الوحيد أن تتظافر الجهود اليمنية والخليجية وان تكون أكثر تماسكاً ومصداقية في رغبتها في القضاء على الانقلاب الذي يشكل خطراً علينا جميعا يمنيين وخليجيين، أما غير ذلك فلن نجني نحن اليمنيين غير الموت والدمار.  
والله المستعان

الحجر الصحفي في زمن الحوثي