مصر العروبة ...شكراً

د. سمير الشرجبي
الاثنين ، ١٦ اكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٠٦:١٢ مساءً

في محطتي الثالثة من صنعاء أجد نفسي اليوم في أرض مصر العروبة وفي قاهرة المعز التي كانت زيارتي الاخيرة لها  قبل أشهر من الانقلاب الدموي الذي نفذته عصابات الولي الفقيه و الإماميون الجدد في 21 سبتمبر 2014 وقبلها زيارتي لمصر في يوليو 2011.

 

هذه التواريخ والفواصل تخللتها احداث كبيرة عاشتها مصر كان أهمها سيطرة جماعة الاخوان المسلمين على الدولة المصرية او بالاصح محاولة سيطرتهم عليها وأخونتها ضمن مسلسل مخطط له في اقبية دوائر المخابرات الصهيوامريكية للاستيلاء على الحكم في الاقطار العربية من المحيط الى الخليج مستغلين الغضب الشعبي من الانظمة الفاسدة والتي مل منها الشعب وخرج في ثورات حقيقية طامحا باسقاطها و لكنه لم يكن يدرك ولا يتمنى ان ننتقل من ديكتاتورية الانظمة الفاسدة الى دكتاتورية الجماعات الارهابية الاكثر فسادا.

الثورات الحقيقة هي من تعبر عن طموحات و احلام الجماهير ولكنها لكي تتحقق كانت تحتاج الى الرافعة التي تمكن الجماهير من ايصال الذين يحققون هذه الاحلام وهذا ما افتقرت اليه الثورات في الاقطار العربية في ربيع ثورات شبابها فكانت انتهازية الجماعات الدينية باطيافها المختلفة وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين التي تراكمت عندها ثروة تعد بالمليارات وجيوش من الاتباع بالملايين ومنظومة متكاملة من المؤسسات المالية والتعليمية والدينية والجمعيات الخيرية والفرق المسلحة والمدربة على اعلى تقنيات الاسلحة.

 

نعم كانت تلك الجماعات هي الاكثر تأهيلا للاستيلاء على السلطات راكبتا فوق أعناق الجماهير واحلامها الوردية والتي خرجت في ثوراتها العفوية زاحفة على إيقاع ألاعلام الموجه لقنوات الجماعة والتنظيم الدولي ومركزها الاعلامي المقدس في قطر.

 

نجحت الجماعات ووصلت تقريبا في كل الاقطار الى سدة الحكم و أقلمت نفسها في كل قطر عربي بحسب واقعها فبعد تردد في دخول إنتخابات الرئاسة في مصر نجحت في ايصال مرسيها ومكتب الارشاد لحكم مصر عبر إنتخابات خاضتها الجماعة الاكثر تمويلا و الاكثر تنظيما على الاطلاق بينما ارسلت من باريس خومينيها الطبيب المرزوقي التقدمي اليساري الذي وجدوا انه الوجه الذي يمكن ان يقدموه للشعب التونسي الذي يعرفهم ويملك ما هو اقوى من الاحزب وهي النقابات الوطنية العريقة التي كانت هي صمام الامان للشعب التونسي الذي يدرك قباحة وجه هذه الجماعة وخطورتها على السلم الاجتماعي في تونس وثقافة وحرية شعب تونس العربي الحر. بالمقابل فان تنظيم الاخوان كان اقل تنظيما في ليبيا ولذى اعتمد على الجماعات الارهابية التي نشرها في افريقيا وصحاري ليبيا واعاد قياداته من الشرق والغرب بقيادة الصهيوني برنارد ليفني الذي قاد مسيرتهم النضالية للوصول الى السلطة وتلاها فشلهم في السيطرة على ليبيا ذات المساحة الكبيرة والقبائل المتعددة والولآت التي تتنازعها من جيرانها الذي يتاثرون سلبا او إيجابا بما يدور في ليبيا واقصد هنا بالطبع مصر والجزائر و تونس بالذات. بينما نحن في اليمن كان ركوب الاخوان على ثورة الشباب واضح وجليا وبادوات شاهدناها بعيوننا وشهدناها في الساحات وبمنطق الغلبة العددية التي يتفاخرون بها ووفرة الدعم المالي الذي يضاعف هذه الغلبة  ويحولها الى فعل خاصة وانني أستطيع ان اجزم ان هذه الجماعة قد تم تدريبها وتدريب كوادرها في زمن ما ومكان ما على تنظيم الساحات والسيطرة عليها بمساعدة وعون المحيط الذي صنعوه بذكاء شديد وحرفية أشهد انهم كانوا يطبقونها بالحرف ونحن فقط نسير على الخطوط التي كانوا يرسمونها هم بمكبرات الصوت لديهم ووعاضهم وقاداتهم العسكريين وقبائلهم ومخبرييهم وعسسهم ومعتقلاتهم وتعليماتهم و إعلامهم المحلي والعربي والدولي الذي كان لا يتحرك الا بما يرسم له بدقة متناهية.

 

ان هذا التنظيم الدولي الضخم في تمويله وتنظيمه لا ينكرقوته  الا جاحد وهو السر الذي مكنه في ان يكون ورقة رابحة على طاولة الكبار من امريكا الى ايران و إسرائيل نفسها وليس شرطا ان تعرف الجماهير هذه الصفقات ولا هي تتبعها بل هناك قنوات خاصة جدا هي من تدير اللعبة الدولية وتطبقها بحسب الاتفاقات بما يخدم مخطط الجماعة واهدافها طبعا وهنا أيضا اريد أن أؤكد ان شباب الجماعة قد يكونون فعلا مؤمنيين انهم يجاهدون من اجل الحق والدين ولكنهم غصب عنهم مسيرون تماما لان طريقة وهيكل هذه الجماعة لا تسمح لهم بالنقد والنقد الذاتي ولا الاعتراض ولا الاختلاف لان ذلك يعرضهم للتخوين والردة والتكفير.

 

ساكتفي بتلك اللمحة السريعة عن هذا التنظيم الاخواني الاخطبوطي الكبير الذي كاد يخنق مصر باذرعه لانه بالطبع لا يستطيع إبتلاعها ولا السيطرة عليها لان مصر اكبر و أعظم من هذه الجماعة مهما عظمت قوتها وسر قوة مصر هو شعبها وشبابها ومن خلفهم و من بينهم جيش مصر العظيم الذي يعتبر صمام امان مصر وسر قوتها وصمودها ونجاحها في كسر هذا المخطط بعد ان ثار الشعب المصري البطل في 30 يونيو منطلقا من ورقة بسيطة صاغتها اصابع شباب تمرد الابطال و الذين لن ينسى لهم التاريخ هذه المبادرة التي تدحرجت ككرة الثلج في اوساط الجماهير المصرية المتعطشة لاسقاط حكمهم لتكبر وتكبر وتكبر لتطلق صرخة الجماهير المصرية مدوية في شوارع مصر و ازقتها أمام عيون العالم المذهول من حجم هذه الثورة الغاضبة التي عبرت عن الرفض الكامل لهذه الجماعة و التي أخرجت القوة الكامنة في الشعب المصري حين وجد نفسه محاطا باذرع الاخطبوط الاخواني الذي كاد يجهز على الدولة المصرية العريقة والعظيمة وتحويلها الى فرق وجماعات تتقاتل و تتناحر و تدوس على كل قيم الدولة المدنية التي عرفها المصريون من ألآف السنين ناهيك عن محاولتهم اخونة مؤسسات الدولة التي هي سمة من سماتهم وسمات كل الجماعات الدينية التي تسطوا على الحكم وتتعامل مع الدولة و كأانها فيد و غنيمة لها ولاتباعها وليفهم القارئ كيف يترجم ذلك ما عليه إلا ان يتابع ما يقوم به الحوثيون اليوم في صنعاء وما تقوم به ادوات الاخوان في اليمن في الجيش و الامن والمؤسسات والوزارات التي يهيمنون عليها وكذا الوزارات التي يرغبون السيطرة عليها.

 

اعود هنا لاقول اني ومنذ اللحظة التي هبطت فيه الطائرة التي اقلتنا من كوالالمبور الى القاهرة كانت الوجوه المبتسمة هي ما أرى والترحيب المصري الجميل هو ما أسمع ودخلت مصر أمنا بدون إعاقة او تعكير مزاج و انتقلت وتنقلت فيها متحدثا مع اهلها وناسها في التاكسيات والمطاعم والسوبرماركات عبر شورعها النظيفة و أمنها المستتب فحمدت الله الف مرة ان مصر نجت من الكارثة التي حلت بنا في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومصر هي من منعت أسقاط دول اخرى في الخليج العربي في الامارات والسعودية والبحرين في نفس الفوضى المدمرة التي سمتها جونزليزا رايس بالفوضى الخلاقة والتي قادتها الجماعات الدينية في الوطن العربي مدعومتا من ايران وتركيا وقلب الاعلام الاخواني الدولي  في قطر.

 

وصولي لمصر صادف إحتفالات مصر بنصر اكتوبر العظيم الذي احياها المصريين واحتفوا بها واحتفلوا متوجين هذا النصر بنصر رياضي كبير بوصول منتخب مصر لنهائيات كأس العالم في روسيا العام القادم وهذا الحدث الكبير اعاد للمصريين الفرحة التي كما قالوا افتقدوها بسبب الاحداث التي مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير وما تلاها من تطورات وصولا الى الارهاب الذي أصاب مصر في مقتل حيث نجح الارهابيون من خلاله بتدمير السياحة في مصر وهي احد اهم أعمدة الاقتصاد المصري والذي كان يدر على مصر حوالي 12 مليار دولار سنويا  و المعروف ان هذه الجماعات الارهابية تعلن ولائها للجماعات الدينية التي أسقطت حكمهم ثورة 30 يونيو بعد ان إختار جيش مصر العظيم الانحياز للشعب في مواجهة السلطة الجائرة حتى ولو كانت منتخبة كون الشعب هو مصدر السلطان ومانحها.

 

باختصار فانني كعربي يمني لا يمكن الا ان اقول شكرا لمصر العروبة بارضها وشعبها وجيشها العظيم الذي يمثل كل المصريين والتي قتحت ابوابها للشعب اليمني وهي ميزة لا يمكن ان تجدها في بلد آخر غير مصر ومنذ اللحظة الاولى لدخولك مصر وهي إحساسك انك في بلدك دون تفرقة او تمييز او خوف او ارهاب .

شكرا مصر...

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي