أكتوبر الماضي والحاضر

محمد بالفخر
الجمعة ، ١٣ اكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٠٥:٠٧ مساءً

بعد يومين سيُحتَفَلُ بذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة التي انطلقت شرارتها الأولى من قمم جبال ردفان ضد الاستعمار الانجلوسلاطيني كما تقول ادبيات الثورة فأجبرت المستعمر البريطاني على الرحيل قبل ثمانية وستون يوما  من الموعد الذي حدده هو لرحيله امام لجنة تصفية الاستعمار الدولية وشتت مشروعا لدولة اتحادية في جنوب الجزيرة العربية  ( اتحاد الجنوب العربي ) ربما لو كتب له البقاء والاستمرار  لكان النموذج المثالي في المنطقة لما تمتلكه حينها البلاد جميعها من مقومات المكان والزمان والثروات المدفونة في باطن الأرض وفي جوف البحار  واهم من ذلك الثروة البشرية والعقول المستنيرة والتي لا تقارن بغيرها ولا نظير لها في ذلك الوقت في بلدان كثيرة على اقل تقدير ،

المهم تحقق لثوار أكتوبر ما أرادوا خرج المستعمر البريطاني في 30 نوفمبر 1967 وثبتوا الهوية اليمنية لمناطق الجنوب والحقوا حضرموت بتاريخها وهويتها الضاربة في أعماق التاريخ الى هويتهم الجديدة ونالها ما نال عدن واخواتها من العنف الثوري والأيام المجيدة التي قفزت بالجميع الى مصاف المنظومة الاشتراكية العظمى.

 

وطمس مؤرخي أكتوبر اول ثورة قامت في حضرموت عام 1945 بقيادة الهمام عبيد صالح بن عبدات الذي حمل مشروعا وطنيا لحضرموت فسارعت بريطانيا لإجهاضه في مهده وتعرضت مدينة الغرفة في وادي حضرموت لحصار وقصف جوي من قبل سلاح الجو البريطاني لمدة عشرون يوما متتالية فلم تنل هذه الثورة نصيبها من الاهتمام ولو النزر اليسير من اهتمام مؤرخي ما بعد أكتوبر.


وان كان من شيء يذكر لقاطفي انتصار أكتوبر وان تحسب لهم كمنجز حضاري هو المساواة في الظلم بين الجميع،

وأيضا تحقق في عهدهم شيئا بسيطا من العدالة الاجتماعية بين افراد المجتمع واختفت ظاهرة التمايز الطبقي السائدة في المجتمع وتحقق لكثير من الطبقات المستضعفة والمظلومة سابقا شيئا من التعليم والمناصب والوظائف بالإضافة الى مساواتها في نمط العيش مع الملاك وأصحاب المال وخاصة بعد أن ساد قانون التأميم وقانون الإصلاح الزراعي.

 

وان ذكرنا ثوار أكتوبر وخاصة الذين قضوا نحبهم  فهم كما يعلم من عاصر الثورة ومن كتب عنها بحيادية لم يكونوا يحملون أفكارا شيوعية و لم ينضوي أي منهم تحت راية نجمة الاشتراكية الحمراء بل كانوا كمعظم أبناء الوطن يتلقون تعليمهم وشحذ هممهم وتحميسهم للنضال وقتال المستعمر على ايدي رجال من العلماء والمتعلمين والمثقفين والمشايخ وقد كانت لخطب الشيخ محمد سالم البيحاني رحمه الله وغيره من الدعاة اثرا كبيرا في اذكاء روح الجهاد والمقاومة لدى كافة افراد المجتمع الذين ضاق بهم ظلم الاحتلال فحملوا على عواتقهم شرف التحرير فقادوا نضالا شجاعا افضى الى التحرير وكما حصل في معظم البلاد العربية رحل الاحتلال شكلا وبقي مضمونا فتسلط على البلاد أشخاص اعتلوا موجة التحرير وباسم الثورة ساموا الناس العذاب وامعنوا في القتل وتكميم الافواه وحقق المستعمر دمارا للبلاد التي حررها الابطال بدمائهم واشلائهم عن بعد ودون ان يخسر طلقة واحدة او يفقد جنديا من عسكره ، وفي الوقت نفسه لم يسجل المؤرخون أي دور لعلماء الدين والمصلحين بل تم طمس تاريخهم كما طمست الآية القرآنية (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) التي تصدرت اول بيان للجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل .

 

ثورة أكتوبر شرف ومجد وتاريخ يجب ان ينفض عنه غبار الزيف الذي اعتلاه ومن حق شهداء أكتوبر ومن أشعلوا الثورة علينا ان نعيد ترتيب اوراقنا الوطنية بعيدا عن دجل بعض الساسة الذين يزايدون باسم الثورة وهم لم يقدموا للجنوب شيء سوى خسائر متلاحقة وعداوات فاقت عداء الشعب للمحتل البريطاني وقتها.

 

كل ما بقي لنا من الثورة وذكرياتها مجرد احتفالات يسود فيها لحن وغناء وكلمات جوفاء لكن على الواقع تخلف وتناحر وعداء واستعداء

وقطعا سيكون الاحتفال بعد غد مختلفا وأكثر تفرقا عن ذي قبل مع ان الاحتفال بالثورة يمثل رمزية وطنية يجب ان نتجاوز فيها خلافاتنا وتشرذمنا الا ان هناك من يصر على تعميق حالة التشظي مع انه أدبا وعقلا ومنطقا يجب ان يكون تلميذا صامتا يستمع لمن عاصر الثورة وشارك فيها لا ان يجعل من نفسه صنما يعبد. ومن المفارقات العجيبة ان المحتفلين بأكتوبر يعلنون ان من أهدافهم إقامة دولة الجنوب العربي اولم تكن ثورة أكتوبر هي من قضت على مشروع دولة الجنوب العربي وكذلك دولة حضرموت؟! فلماذا الاحتفال بها اذن؟!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي