حلم المدنية والمتشدقين بها !!

كتب
الاثنين ، ١١ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٠٢ مساءً

محمد سعيد الشرعبي
لقد انتهى عصر الشعارات وإلى غير رجعة ،وبدأ زمن العمل والتفاعل مع قضايا البلد وفقاً لمتغيرات الواقع الجديد الذي فرضته الثورة السلمية ،ولهذا الواقع المغاير للماضي ادواته السلمية وتعبيراته السياسية والمدنية ،وجميع القوى الفاعلة في المجتمع في امتحان حقيقي وتأريخي بين التعاطي الإيجابي او السلبي مع متغيرات ما بعد الثورة وتحديدا توجهات بناء الدولة المدنية كمطلب شعبي لا خلاف عليه.
ثمة توجهات جادة وأخرى استعراضية على طريق بناء الدولة المدنية ،وفي الايام الأخيرة بدأت قوى قبلية بحشد شتاتها وإشهار تكتلات سياسية والبقية ستعلن تماشيا مع الواقع الجديد الذي لا مكان فيه لأي جماعة او تكتل خارج الإطار السياسي المحتدم في البلاد ،ورغم الفارق بين القوى ومعايير الانضباط بمقتضيات التمدن في الدولة المنشودة.
في حال اقتنع رموز قبائل اليمن بالدولة المدنية دولة القانون والعدل والمساواة بدلا من تحويش مناطق شاسعة خارج نطاق الدولة ،وصدقوا في توجهاتهم الجديدة بالعمل الجاد على تحويل ما يرفعون الآن من شعارات الى واقع عملي ،اعتقد بأن جميع الفعاليات السياسية ودعاة الدولة المدنية سيشاركون وبإخلاص في احداث هذا التحول الممهد لبناء الدولة اليمنية الحديثة الذي ناضل اليمنيون من اجلها ومنهم ابناء شباب ورجال القبائل ..
في حال تحرك عجلات القبيلة نحو التمدن لن يستطيع كائن من كان التشكيك في نوايا هذا او ذاك ،لأن التكتلات القبلية ينقصها العمل الجاد مع بقية مكونات المجتمع للمضي نحو الدولة المدنية ،لذا بالإمكان نجاح وتعدد نماذج تمدين القبيلة التي تعد الضحية الأبرز لغياب الدولة طيلة العقود الماضية لصالح سيطرة المشائخ في معظم محافظات شمال البلاد ...
بلا شك ، هناك ازمة ثقة كبيرة بين القبائل وفعاليات المجتمع المدني ،لكن لا اعتراض لأي يمني عن واجبه في المشاركة في مساعدة القبائل على الانخراط في الدولة المدنية في حال وجد توجهاً مدنياً حقيقياً لقبائل اليمن ورموزها لو كانت توجهات نابعة عن قناعة تامة بالدولة المدنية وما ترتب عليها من التزامات سلمية من قبل الجميع .
بل على العكس من توقعاتهم بتعالي فعاليات المجتمع المدني عن حلم ابناء القبائل بالدولة المدنية ، يناضل اليمنيون منذ عقود بمختلف اطيافهم لإخراج القبائل من قبضة اللادولة والعودة الى حضن الدولة العادلة التي يفترض بالجميع العمل لبنائها ،واعتقد بأن الثورة السلمية كانت بداية مشجعة لتقارب المجتمع المدني مع ابناء القبائل في ساحات الثورة بمعزل عن سيطرة دولة المشائخ ..
لهذا يجب تكثيف الجهود من قبل الجميع لإحداث هذا الانقلاب الجذري في الوعي القبلي وما عدا ذلك ستظل القبيلة خارج الدولة والتعبيرات العصرية ،لكن الأمل كبير لإنجاز هذا التحول في عمق القبيلة نظرا لوجود نماذج مدنية مشجعة من ابناء القبائل ..
هنا فقط يجب أن تتوافر الإرادة الجادة والسلمية لتمدين القبيلة وتحويلهم الى مجتمع منتج بدلا من ابقائهم كقوى مجتمعية خارج العصر والتأريخ نتيجة سيطرة الوجهات القبلية على انفاس الناس العاديين الحالمين بدولة العدل والأمن والإستقرار ،ولو اثبتت الأحداث الراهنة بمحاولات المشائخ ابقاء القبيلة عائقا كبيرا في طريق بناء الدولة المدنية الحديثة ،فالمدنية ستتجاوز اسوار الماضي المضروبة حول مضارب القبيلة ..
وبين واقع مرتبط بماضي اللادوله وتوجهات معلنة عن نية البعض اعتزامهم الذهاب الى المستقبل بأدوات وتعبيرات العصر ومن يعتقدون بإمكانية الذهاب الى المستقبل من خلال رفع شعارات الدولة المدنية جنبا الى جنب مع قاذفات rbg وصواريخ لو ومواكب المرافقين المدججين بالأسلحة ولا علاقة لهم بالواقع المدني الجديد الذي يجب أن يُؤمن به الجميع ويعملون على تهيئة الأجواء لسرعة إنجازه..
وبقدر ما يُمثل الشعور الشعبي بالحرية والتغيير ومطلب الجماهير بالدولة المدنية الحديثة الذي يشكل السلاح السلمي للمضي في سبيل بناء الدولة ،قد لا يُشكل كل اشهار سياسي قبلي مؤشرا على قناعة رموز القبائل بجنوحهم نحو المدنية وتعبيراتها السياسية السلمية كما لا يُعد ما ترفعه من شعارات توقفها عن ممارساتها الماضوية ،كون اكثر المتشدقين بالمدنية مثقلين برصيد سيء يتعارض مع الدولة وأبجديات التمدن ..
وقبل هذا كله ،يجب أن يفهم المهرولون نحو المدنية أنها ليست ايقونة للزينة وترديد شعارات المدنية دليل على تغيير السلوك السياسي لهذا او ذاك ،واخشى أن تكون المدنية مجردشعار يرفع كضرورة سياسية او كلام يردد بلا استيعاب من باب مواكبة التغيرات الحاصلة في المشهد السياسي بفعل الثورة السلمية ،يُقبل عليها البعض دون وعي كامل بمقتضيات التمدن وواجباته في حياة الافراد والجماعات.
المدنية ليست لازمة بلا معنى ،بل ممارسة وفعل نضال سلمي عميق بأدوات العصر غير الجارحة ، ينتهجه الافراد أو التكتلات والأحزاب والجماعات ،ومع هذا يظل معيار التمدن مرتبطاً بتفاعل دعاة المدنية مع المجتمع وفعاليته السياسيه في ممارسات يومية منسجمة مع روح المدنية ودولة القانون ..
وبالعودة الى موضة التشدق بالمدنية من الافراد والجماعات وبالذات القبائل المعروفة في اليمن بعيشها خارج دولة القانون،في حين ُتشكل الاداءات السيئة والمنافية للقانون والتوجهات المدنية من قبل رموز قبليين كثر خلال العقود الماضية عامل صد نفسي كبير لدى اليمنيين بمختلف توجهاتهم ،ولو كانت النوايا صادقة لدى هذا او ذاك..
لا نعيب قبلياً يؤمن بالمدنية و دولة القانون ،لكن تأريخا من سلبية الممارسات في الشأن العام لمن اسلفنا ذكرهم ،تفقد ما يعلن من توجهات مدنية لبعض الوجهات القبلية مصداقية تلك التوجهات ،لهذا علينا الاعتراف بوجود ازمة ثقة كبيرة بين الناس ومن يتشدقون بالمدنية من القبائل وغيرهم..
وفي ظل بقاء القبلية وجهات وتكتلات ما قبل الدولة عائقاً في طريق الدولة المدنية ،اعتقد جازما بأن اي تجربة لأي طرف قبلي ستنتهي بالفشل ما لم تتوافر النوايا الصادقة و توجهات جادة تعززها الممارسات السياسية المتناغمة مع توجهات روح الدولة المدنية ..
وعليه يجب أن ندرك بأن المدنية مخرج آمن للبلاد والعباد من الفوضى وحالة اللااستقرار التي يعيشها البلد من عقود خلت ،وبقدر ما هي امتحان نضالي لا نهاية له ،فالمدنية سلوك وممارسة رفيعة وسامية وليست ايقونة للإقتناء اللاواعي في نظر من يرفعونها - هذه الايام - بوصفها شعارا براقا يبروزون من خلالها تكتلات قبلية وجهوية من عصر ما قبل الدولة تماشيا مع المرحلة دون التزام بمسؤولياتهم نحو الدولة والمجتمع الثائر وتضحيات الناس العاديين من اجل تحقيق الحلم اليمني بالدولة اليمنية الحديثة ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي