عدن بين اليوم والأمس

صالح الحكمي
الأحد ، ٠٣ سبتمبر ٢٠١٧ الساعة ١٠:١٩ مساءً
 
لم تغفل كتب التاريخ والجغرافيا مكانة وأهمية عدن منذ عصر التدوين الأول، ولم يمر بها مؤرخ أو رحالة إلا وتغنى بها وتحدث عن أهميتها ومكانتها وانفرادها بمميزات قل أن تجدها في مدن عالمية أخرى، ويكفي ذكرها في سفر حزقيال من العهد القديم، أما موقعها الجغرافي، وتموضعها على البحرين الأحمر والعربي فهبة من هبات السماء، لذا فقد جعلتها هذه المكانة محط أنظار العالم ومطمعا للأصدقاء والأعداء ولكل من يفكر بغزو مدينة سابقا أو يسافر للنقاهة والاستجمام، فضلا عن التجارة والنشاط الاقتصادي، منذ الغزو البرتغالي فالعثماني فالبريطاني...الخ. ولعل الجميع يعرف تاريخ عدن وتفاصيله على مدى التاريخ وخصوصا القرون الأخيرة بما فيها من غزو واستيطان، وحل وترحال لمعظم قادة ومشاهير العالم، وعلاقتها التاريخية بالهند وبلاد أفريقيا، لا مجال لسرده في طيات هذه الأسطر.
 
 
لكن وبرغم ما مرت به عدن في أكثر من مرة من حروب وصراعات ودمار يجعلها خارج الجغرافيا  وفي قوائم المدن المنكوبة، والغير صالحة للعيش فيها لعشرات السنين، بالرغم من ذلك إلا أنها وبما حباها الله من مميزات تتمكن من الوقوف سريعا حيث يهيئ الله لها رجالا في كل مرة تتعثر فيها وينهضون بها لتتبوأ مكانتها كمدينة يهوي الناس إليها مهما كان وضعها.
 
 
في العام 2014م بدأت عربة الحوثي الغازية بالتحرك لإسقاط المدن اليمنية واحدة تلو الأخرى حيث أسقطت عمران ثم تلاها عاصمة اليمن صنعاء، لتسقط الدولة بأيديهم ويحكمون انقلابهم، ومع كل تلك الأحداث الجسام لم يتحرك أحد تحركا جديا من دول المنطقة والإقليم أو الدول الكبرى ،ماعدا بعض بيانات التنديد الخجولة، ودواليك دواليك استمرت عربة الحوثي -بعد أن وصل الرئيس إلى عدن وأعلنها عاصمة مؤقتة- حتى وصلت تعز وكرش وما أن طرقت أبواب عدن وبدأت باجتياحها حتى تحرك العالم فجأة، وأعلن عن تحالف عربي بقيادة السعودية إيذانا بإطلاق شرارة الحرب مباشرة لردع الإنقلابيين، وإيقاف تهورهم، وكأن الجميع يقول إلا عدن! حينها ركز التحالف على تحريرها وبذل كافة أنواع الدعم لرجال المقاومة الذين هبوا من أغلب المحافظات -بما فيها الشمالية- وسالت دماء، وتساقطت رؤوس في سبيل تحريرها، وكان التحرير حليفها بإرادة وسواعد الأبطال، ليتنفس اليمنيون الصعداء فرحا وابتهاجا بهذا النصر العظيم، وكل مواطن ينظر إليها وكأنها محافظته التي تحررت، بل أصبحت منطلقا لتحرير المحافظات المجاورة.
 
 
كانت عاصمتنا المؤقتة بعد التحرير أمل اليمنيين الأوحد المعقودة عليه الكثير من الآمال والرجاءات، للتموضع كمرتكز وأرضية للقيادة الشرعية والعسكرية تنطلق من خلالها لتطبيع الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية والخدمية -ليس في عدن فحسب؛ بل في كل محافظة ستتحرر- ، وفي علم الحروب يعلم الجميع أنه بعد إغلاق الملف العسكري وانتهاء الحرب تكون قد دخلت حربا أشد ضراوة وصعوبة، تتمثل في الملف الأمني وتبعاته وكيفية الحفاظ على النصر وتطبيع الأوضاع في مختلف المجالات بدءا بتحقيق الأمن ومرورا بتوفير الخدمات الأساسية وإعادة الإعمار وتوفير أدنى مقومات الحياة الطبيعية، وهو ما خاضته القيادة السياسية العليا بكل عزم وإصرار، وشقت طريقها بين الصخور رغم العوائق والصعاب المدلهمة التي عايشها وشاهدها الجميع  وما ألم بعدن من منعطفات خطيرة كادت تعصف بها وتعيدها إلى نقطة الصفر، ولعل أهمها الاضطرابات الأمنية والعمليات الإرهابية المتكررة، وأزمة الكهرباء، والمياه، وانعدام المشتقات النفطية، وعدم صرف رواتب المدنيين والعسكريين، وغيرها الكثير التي جعلتها في وضع استثنائي، وعلى صفيح ساخن، وما زاد الطين بلة هو فشل من إإتمنتهم القيادة السياسية لإدارة ملف عدن للحد الذي وصلوا فيه إلى الإنقلاب على عدن والتنكر لها بإعلان ما سمي ب "المجلس الانتقالي" ، لكن وبالرغم من كل ذلك استطاعت عدن الوقوف على قدميها شامخة متخطية كل المؤامرات والعواصف بفضل القيادة الحكيمة ممثلة بفخامة الرئيس هادي وجهود الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيس الوزراء الجبارة التي لامسها الجميع منذ اليوم الأول لتعيينه.
 
 
اليوم وبعد فشل كل المؤامرات التي أحيكت لعدن، عادت الحياة لعدن، عاد الأمن والاستقرار، عادت الخدمات الأساسية وتحسنت بشكل كبير، عادت البسمة لثغر اليمن، وكما قال بن دغر قائد مسيرة التغيير في عدن، "الرئيس المحارب" -كما أسميه- أثناء مغادرته عدن للتشاور مع الرئيس هادي قبل أسابيع: "لقد أثمرت جهودنا خلال عام كامل من الإعداد والتحضير والمتابعة والمناقصات وتوفير المال، وتنظيم الجهود، من تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض.. من افتتاح مشاريع، ووضع حجر أساس لأخرى،.. ولكن غيابنا لن يطول يا عدن، وعيوننا وقلوبنا مع عدن والوطن الكبير وأقرب إليها من حبل الوريد"، وبالفعل لقد أثمرت جهوده وأزهرت على جبين عدن وسواحلها، ولامسها كل المواطنين؛ فالحالة الأمنية مستتبة، والكهرباء والمياه والمشتقات النفطية متوفرة، والمرتبات تدفع، وعجلة التنمية وإعادة الإعمار تجري على قدم وساق، والمؤسسات الحكومية تعمل بشكل طبيعي، والبنوك أبوابها مفتوحة، والسيولة النقدية متوفرة، وذلك جزء من جهود ومتابعة "محاربنا الشرس" ، التي لا ينكرها إلا جاحد أو حاقد لا يريد لعدن وأهلها أن ينعموا بالأمن والاستقرار والسلام والحياة الكريمة.
 
 
نعم لقد خرجت عدن من عنق الزجاجة، وسقطت رهانات المتربصين والكائدين والحاقدين، وتحطمت مساعيهم الهدامة على صخرة الإرادة والعزيمة التي اتخذتها الحكومة ممثلة برئيسها شعارا لها في مهمتها الصعبة، وعقدت العزم على  ذلك لإعادة عدن لمكانتها وتموضعها الذي تستحقه بين مدن العالم -ولا عزاء لهم- ولعل مصابهم جلل وهم يرون ثالث رجل في هرم السلطة والرجل الأول الذي يتواجد في عدن اليوم، يشارك قيادات المحافظة و وجهاءها والمواطنين صلاة العيد بالأمس بينهم ويتبادل معهم السلام والتهاني، ويرونه اليوم وهو يتجول في شوارع وشواطئ وحدائق ومتنزهات عدن دون حراسة مشددة أو احتياطات أمنية عالية، يشارك المواطنين أفراحهم بعيد الأضحى المبارك، ويحتسي "الشاي العدني" معهم في الهواء الطلق؛ بل ويلتقطون معه الصور التذكارية، وكأنه في أحد شواطئ مدينة أوروبية تنعم بأمن واستقرار عاليين، ولا أدل مما قام به الدكتور بن دغر على أن عدن اليوم ليست عدن الأمس.. عدن اليوم التي باتت على قدر كبير من الأمن والأمان والاستقرار الخدمي والاقتصادي وهي رسالة عظيمة للداخل والخارج. ورغم كل ما تحقق من إنجازات عملية إلا أن دولة رئيس الوزراء يدرك بأن ما يجب أن يتحقق لا يزال من الكثرة بحيث لا يسعه إلا أن يشحذ العزم ويوطن الهمة لخوض القادم بناء على ما مضى وبالبناء على الشوط الأول، حتى تصبح عدن أرضية آمنة للاقتصاد والاسثتمارات ورؤوس الأموال الخارجية وتلك مكانتها الحقيقة منذ القدم.
 
 
كل عام وأنتم وعدن وكل شبر في اليمن بألف خير وينعم بأمن واستقرار وهي أيضا موصولة للرئيس المحارب:
 
ها أنت عُدتَ كما وعَدتَ ممجدا
هم هكذا من يصنعون السؤددا
 
ها أنت في عدنٍ تعايد أهلها 
ترعى مصالحها تمد لها اليدا
 
واخترت عيدك باذلاً بعزيمةٍ
لا مظهراً وهناً ولا مترددا 
 
سعدت بعودتك الجماهير التي 
أوعدتها وصدقت فيها الموعدا
 
"بن دغر" فاقبل تهنئاتٍ صغتها
بالعيد أنت ختامها والمبتدا
الحجر الصحفي في زمن الحوثي