شرعية 1966م وشرعية 2017 م دعوة للتأمل

د.كمال البعداني
الاثنين ، ١٤ أغسطس ٢٠١٧ الساعة ٠٥:٠٥ مساءً
 
 
عندما وجد الكثير من قيادات الدولة العليا في صنعاء عام 1966م أن السياسة المصرية في اليمن تسير بإتجاه غير مناسب لمصلحة اليمن ومعركته مع القوات الإمامية وغير مناسب للمستقبل السياسي للبلد كذلك ووجدوا في كثير من تصرفات القيادة المصرية بخصوص اليمن ما اعتبروه انتقاص من السيادة اليمنية ومحاولة فرض الوصاية على القرار اليمني وعلاقة اليمن الخارجية قرر هؤلاء الذهاب إلى القاهرة لمقابلة القيادة المصرية للاحتجاج على تلك التصرفات والتوضيح لهم أن مايجري في اليمن لا يخدم الهدف الذي أتت مصر لدعمه ومساندته بنا على طلب القيادة الشرعية في صنعاء آن ذاك والمعترف بها دوليا ولا يخدم حتى مصر نفسها .
 
أرادوا أن يوضحوا للقيادة المصرية أن الكثير من القرارات المصرية تجاه الأوضاع في اليمن كانت وفق تقارير مغلوطة كان يتم الرفع بها من صنعاء وغير صنعاء من جهات لها أهداف خاصة
 
 
ذهب أولئك إلى القاهرة للاحتجاج على تصرفات يعدونها اضعاف لشرعية الدولة كمنظومة متكاملة وعلى تصرفات يرونها تساهم بشكل كبير في إطالة أمد الحرب في اليمن ذهبوا إلى هناك وفي اليمن ما يقرب من سبعين الف جندي مصري وقد سقط منه ما يزيد عن عشرين ألف في الكثير من جبال اليمن ووديانها دفاعا عن ثورة سبتمبر ذهبوا إلى هناك والميزانية بالكامل للدولة وميزانية الحرب تقدم من القاهرة مع تشييد العديد من المشاريع وفتح المدارس وفتح الكليات العسكرية المصرية لأبناء الجيش اليمني وكذلك الجامعات المصرية أمام الطلاب اليمنيين وغير ذلك من أنواع الدعم .
 
 
ذهبوا إلى هناك وأبواب مصر مفتوحة لكل ابناء اليمن وليست مغلقة أو مستثناه للجنسية اليمنية ومع ذلك ذهب الوفد إلى القاهرة من أجل المحافظة على القرار اليمني وسيادة الدولة والذي ناضل أبناء اليمن من أجلها طويلا ذهبوا ليقولوا لهم في القاهرة انتم اتيتم لمساعدتنا فلا تضعفونا وتضعفوا انفسكم أمام العالم .
 
فضعفنا ضعف لكم وضياع لتضحياتكم كان ذلك الوفد الذي ذهب إلى القاهرة مكون من خمسين شخصية يمنية تقريبا من كبار قادة الدولة مدنيين وعسكريين من كل مناطق اليمن يتقدمهم الفريق حسن العمري نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكذلك أعضاء المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني والأستاذ أحمد النعمان . 
 
ومعظم الوزراء في حكومة العمري وكذلك رئيس أركان الجيش اليمني وقائد القوات الجوية ووزير الداخلية وغالبية قادة الوحدات والقطاعات العسكرية والأمنية وغيرهم من المسؤلين منهم العقيد إبراهيم الحمدي الذي كان يشغل منصب السكرتير الخاص للفريق العمري.
 
وصلوا إلى القاهرة على أمل اللقاء بجمال عبد الناصر او بالمشير عبد الحكيم عامر ولكن اللوبي الذي كان يحيط بعبد الناصر حال دون ذلك واجتمع بهم بدلا من ذلك شمس بدران وزير الدفاع المصري ومعه قادة المخابرات فاحتج الوفد اليمني واعتبر ذلك استهانة باليمن فانسحب العمري والارياني والنعمان من الاجتماع وكلفوا الدكتور حسن مكي وزير الخارجية ليكون رئيسا للوفد اليمني في هذا الاجتماع وهو الأمر الذي قابله المصريون بردود أفعال انفعالية كما ذكر ذلك الدكتور حسن مكي في مذكراته . 
 
خرج شمس بدران عن اللياقة وخاطبهم بجلافة وكال التهم للحكومة اليمنية بالخيانة وهنا انتفض الدكتور حسن مكي من مكانه وقال لبدران نحن هنا نمثل الحكومة اليمنية ويجب أن يكون الحوار متكافئا بين الطرفين ثم أمر الوفد بالانسحاب وعندما لم يصلوا معهم إلى نتيحة رغم المساومات تحت الترهيب والترغيب تم سجن الوفد الحكومي بالكامل داخل السجن الحربي كأول حدث من نوعه في التاريخ ولم يستثنى منهم غير القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي تم وضعه تحت الإقامة الجبرية مع الأستاذ عبد السلام صبرة نائب رئيس الوزراء ظلوا في السجن الحربي لما يزيد عن عام كامل تحت ظروف قاسية ومعظمهم في زنازين انفرادية .
 
 
وقد قال الفريق العمري عند دخولهم السجن كنا نتوقع ذلك ولكن أن نسجن نحن مدة من الزمن خيرا من أن تسجن اليمن لعقود من الزمن ومن النوادر أن الأستاذ النعمان عضو المجلس الجمهوري طلب ذات يوم من السجان أن يفتح له باب الزنزانة للذهاب إلى الحمام ولكن العسكري قال له بجلافة ممنوع يابن ال ... فضحك النعمان وقال كلمته الشهيرة. . كنا نطالب بحرية القول واليوم نطالب بحرية البول ...
 
 
وبعد هزيمة مصر في 67م وتوسط العديد من الدول لدى القيادة المصرية وفي مقدمتها السودان ممثلة برئيس حكومتها آن ذاك ( محمد محجوب ) تم اطلاقهم من السجن في شهر أكتوبر 67م بعد مكوثهم فيه من شهر أغسطس من العام السابق . 
 
عاد ذلك الوفد إلى اليمن وبعد أسابيع من عودتهم قامت حركة 5 نوفمبر 67م ضد الرئيس السلال والذي كان مدعوما من مصر قامت الحركة وكان الزعيم السلال يعلم بها مسبقا ولهذا فضل أن يكون ذلك وهو خارج اليمن فتوجه إلى العراق في زيارة رسمية وقال لهم قبل المغادرة أهم شي حافظوا على الجمهورية وقد تولى الحكم بعده القاضي الارياني وكان الجيش المصري قد انسحب بالكامل من اليمن بعد هزيمة 67م انسحب بعد تضحيات جسيمة قدمها في اليمن انسحب ولم يؤسس قاعدة عسكرية في اليمن أو يحتفظ بجزيرة أو بقوة هنا وهناك انسحب ولم يحاول بناء مليشيات مسلحة أو تنظيمات عسكرية في وجه الدولة اليمنية .
 
ولذلك يتذكرهم أبناء اليمن بكل فخر وبعد أيام من حركة 5 نوفمبر اطبقت القوة المعادية للجمهورية الحصار على العاصمة صنعاء فكان جل الذي قادوا الدفاع عن صنعاء في ملحمة السبعين الشهيرة هم من الذين تم سجنهم في القاهرة وعلى راسهم الفريق العمري بطل حصار السبعين يوما الذي تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الحكومة (حكومة عسكرية ) وكان أعداء الثورة يحاولون أبعاده عن المشهد العسكري وعملوا على تشويهه بكل الطرق ورفع التقارير ضده إلى القيادة المصرية نظرا لمكانته داخل الجيش وشخصيته الكارزمية وفعلا قاد معركة السبعين ومعه الكثير من قادة الجيش وفي مقدمتهم قائد قوات الصاعقة النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب والذي صدر قرار بداية الحصار بتعيينه رئيسا لأركان الجيش اليمني ( لم يكن من الذين سجنوا في مصر ) وغيره من القادة والضباط والأفراد وبقية أبناء اليمن الذي دافعوا عن صنعاء خلال السبعين يوم في حين كانت جميع اذاعات العالم تؤكد أن سقوط العاصمة اليمنية صنعاء مجرد ساعات لا أكثر .
 
وبعد النصر العظيم ذهب وفد يمني كبير إلى القاهرة الكثير منهم من الذين كانوا في السجن الحربي وعلى رأسهم الفريق العمري الذي احتضنه الزعيم جمال عبد الناصر وعينه تدمع وقال له لقد ضلمناكم يا حسن كان الكثير يعتقد انكم ستنضمون إلى القوات الإمامية بعد عودتكم من القاهرة نكاية بنا شكرا لكم لقد كنت استمع الى الراديو واتابع أخبار صنعاء وأقول في نفسي ماذا سأقول لأسر ما يقرب من ثلاثين ألف جندي مصري استشهدوا في اليمن ماذا سأقول لهم فيما لو سقطت صنعاء ؟؟ . 
 
 
انتم لم تدافعوا عن صنعاء ولكن دافعتم قبلها عن القاهرة لو فشلنا في اليمن فلن تقوم لمصر قائمة في المنطقة والعالم لعقود من الزمن .. شكرا لكم يا أبنا اليمن .... أولئك هم قادة الشرعية في عام 1966م قالوا لا في وجه مصر العظيمة ومعها سبعين الف جندي في اليمن سقط منهم ما يقرب من ثلاثين ألف .. 
 
فماذا عن قادة (الشرعية ) لعام 2017م ؟ ماذا قالوا لدولة أتت من أجل اليمن كما تقول واذا بها تدمر وتعبث بالنسيج الاجتماعي وتعبث بالجغرافيا وتعمل على تمزيق اليمن وتبني المليشيات وتستولي على المطارات والموانئ والجزر وحقول النفط والغاز وتهين كبار رجال الدولة وتعتقل الكثير منهم وتؤسس السجون داخل اليمن وخارجه تمنع الرئيس من العودة وتحارب نائب الرئيس بكل الطرق والأساليب وتعرقل عمل الحكومة وتتبنى المعارضة تفتح أبواب العاصمة المؤقته أمام الذين لا يعترفون بالشرعية وتغلقها أمام قادة الشرعية وهي التي جت كما تقول من أجل دعم الشرعية فماذا قال لها قادة( الشرعية ) ؟ 
 
نستطيع معرفة الإجابة من خلال معرفتنا انه تم منع الطائرة من الهبوط في مطار عدن (13) مرة وهي الطائرة التي تحمل مرتبات موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري بالإضافة الى ميزانية تسيير أعمال الدولة . فهل لو تم الاحتجاج ورفع الصوت عاليا في المرة الأولى أو الثانية التي تم فيها منع الطائرة من الهبوط هل كانت ستصل مرات المحاولة إلى الرقم ( 13 ) ؟؟ طبعا الرقم مرشح للزيادة وخيرة الله أحسن من كل خيرة .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي