مظلومية.. تعز.. قضية بحجم الوطن!!

كتب
الجمعة ، ٠٨ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥١ مساءً
  د.عبد الله معمر الحكيمي ظهرت أحاديث كثيرة في الأيام الأخيرة حول مظلومية تعز والحديدة، بل إن البعض اشترط حضوره مؤتمر الحوار الوطني بالأخذ بمظلومية تعز والحديدة، وفي ذات الوقت يتم الحديث عن وجود قضايا للعديد من المناطق الأخرى في اليمن، وفي أحيان أخرى يتم تجاهل الحديث عن وجود مظلومية لتهامة وتعز، بينما يطفو الحديث عن قضايا وبالتحديد الجنوب وصعدة وتهامة ويتم التجاهل لتعز.. وهو ما أود توضيحه وإن كنت أتعاطف كثيراً مع قضية تهامة إلا أنني سأدع الأمر لأهلها فمكة أخبر بشعابها. وإلى كل من يتجاهل تعز ويجلها أو يرى أنها مظلومية - أياً كان أو كانوا - عليهم أن يصحوا من الهذيان ليعيشوا قليلاً في حالة من الصحيان بعيون مفتوحة وقلوب خالية من الرومنسية والشاعرية لينظروا أن تعز لا تعني العليمي، ولا البركاني, ولا الجندي, فمثلهم ليسوا مظلومية ولا حالة الانعتاق منها, وليسوا قضية أيضاً ولا يمثلونها. فتعز تمثل أنموذجاً لاستلاب تاريخي لحقوق بشرية وكرامة إنسانية أمام واجبات خراجية فرضت وتفرض عليها منذ زمن ليس بقريب, بعيداً عن واجبات إنسانية ومشروعية وأخلاقية وبعيداً عن مشروعية العدالة الاجتماعية والدينية والسياسية, وبعيداً عن الحق الإلهي والإنساني والالتزام الأخلاقي تجاه الوطن والواجب، مقابل مزيد من ممارسة الظلم والقهر الاجتماعي والاستبدادي السياسي. تعز ليست قضية أو مظلومية, فتعز عطاء بلا حدود وبدون مقابل, تعز تعطي دوماً، لقد أعطت منذ العام 1920م في حركة المقاطرة, وأعطت في حركة الأحرار وثورة 1948م, وثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر, ولم تأخذ شيئاً, أعطت كما تعطي الأم لأبنائها, وأخذت مقابل ذلك التمييز الجغرافي ضد أبنائها، بالرغم من كثافتهم السكانية، والتي يخفض عددهم في السجلات الرسمية بكل تعداد سكاني بمعدل 20 ـ 25 % مقابل رفع أعداد الآخرين. تعز أعطت اليمن كل اليمن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه, أعطت اليمن علماً وثقافة وأدباً وخبرات, وحنكة سياسية مقابل السجون الأمنية والسياسية وتقليم الأضافر وقلع العيون, تعز أعطت مدافعين عن الكرامة مقابل الاستهجان والاستحواذ والعكفة أو العسكري بقاء, والمنفذ القادم من أي جزء من الوطن إلى أقصى منطقة في تعز (العجعجي ابن العجعجي) والمرأة التي (لا تشخ من الطاقة). تعز الوحدوية دوماً وعبر التاريخ مقابل الاتهامات الدائمة لكل من قال أن لتعز حقاً على الوطن... بالعنصرية والعمالة للاستعمار والخارج والتآمر ضد الوطن. الوطن المنهوب لجماعة ما, ومن جماعة ما, ليس من الآن ولا من الأمس القريب, بل من العديد من الأئمة المصطفين منذ زمن الإمام المتوكل على الله إسماعيل, الذي ظل يدعو الله طيلة حياته أن يغفر له رب العباد إن كان قد ترك قليلاً من المال بأيدي (الشوافع)...اللهم سامحه واغفر له على خطئه إن كان قد ترك قليلاً من المال في يد (الشوافع) ولم يتمكن من أخذه عليهم لسهو أو لعدم معرفة بمكانه أو لوجود الشافعي في رأس جبل لم يتمكن الإمام المتوكل على الله إسماعيل, أو أحد عسسه من الو صول إليه. فتعز إذن ليست قضية أو مشكلة أو مظلومية يستعطف بها الأبناء الطيبون في الجزء الجنوبي الغربي من اليمن, وليست معضلة أيضاً يصاب منها الجسد بوهن شديد.. لكنها حق من زمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن ليس حق تقرير المصير, وإنما مقابل عطاء أبنائها، حقهم في المساواة مع الغير في المواطنة. تعز وطن في زمن الاعتراف بالأوطان والمشروعية الدولية للأوطان, تعز مواطنة متساوية مع جميع من في الوطن ومساواة في الواجبات بعد أن ساد النقيضان هناك من يجبي مع الخوف من حساب الله إن ترك شيئاً سهواً ليقتات منه المجبي منه أو يقيت أطفاله. تعز في زمن الثورة الشبابية الشعبية, تعيش ثورة ثقافية من نوع آخر.. ثورة الحقوق والانتصار لوطن.. ثورة قضية هي قضية وطن وليس قضية تعز. فتعز ليست مظلومة بل تعز المسلوب حقوقها كما سلبت حقوق الغالبية من أبناء الوطن لصالح الأقلية. لكن انكفاء العديد من أبناء المناطق في اليمن على أنفسهم ولم يجعل تعز تنكفىء على ذاتها بل ظلت تعافر دوماً بموجب قانون الدافعية المعاكس كلما زاد الفعل زاد رد الفعل المضاد له في الاتجاه والمساوي له في القوة, فالقوة في المقاومة هو نوع من الرفض المضاد لعمليات الاستلاب المنافي بكل أنواعه وأشكاله. وكلما وُجد نوع من أنواع المقاومة العقلانية والحكيمة كلما أًلبس أبناؤها لباساً غير لباسهم واتهموا بالعنصرية والطائفية والمناطقية وعدم الرجولة, وكأن المقامة العنيفة هي السمة الغالبة لقيم الرفض والمقاومة والمحبذة أيضاً في زمن السلم والأمن الاجتماعي. تعز مدنية بامتياز ترى في من يمثلها في مجلس النواب أن يكون من اليمن أولاً وليس منها, لذلك صعد منها وبأصوات أبنائها أربعة لعضوية مجلس النواب, ولم تنظر إن كانوا من أبناء تعز أم لا، فهي مدنية لكل اليمنيين وتتسع للجميع؛ كونها تنبذ المناطقية الجغرافية والسلالية والعشائرية والقبلية وتقدس المدنية والتوجه نحو المستقبل ليس لها بل لكل أبناء اليمن. نعم تعز قضية لكنها ليست بحجم تعز بل بحجم الوطن اليمني, فالمخبازة والبوفية ليست حقاً منهوباً لأبناء تعز من الغير, بل حق مفروض على أبنائها بدلاً من الانكفاء, والتقوقع نحو الذات الحزينة, ورفض ومقاومة لحق مستلب من حقوق المساواة بينهم وبين الآخر في المواطنة, وهما (المطعم والبوفية) ليستا نهباً من أحد يساوي نهب المال العام للدولة ونهب الأراضي وحقول النفط, وسياسة الاستحواذ على المال والسلطة والقوة في الدولة اليمنية. ومع ذلك فتعز قضية بأقل من دولة.. فلم تحلم تعز يوماً بأن تكون دولة مستقلة ومنسلخة عن الوطن اليمني، ولم تنزع تجاه ذلك أيضاً, فهي وحدوية تؤمن بضرورة أن يظل الوطن اليمني واحداً، وتدافع عن هذا المبدأ، مع تمسكها بالعدل والمساواة والشراكة المجتمعية لجميع أبناء الوطن في السلطة والثروة والقوة دون تمييز، ويكون الدين لله وحده الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. *أستاذ علم الاجتماع - جامعة صنعاء
الحجر الصحفي في زمن الحوثي