هل قبائل الشمال خائنة وضعيفة؟

محمد عبدالله الصلاحي
الثلاثاء ، ١١ ابريل ٢٠١٧ الساعة ٠١:٢١ صباحاً
                      
 
«مقال للنخبة الجنوبية، سيقرؤه المُثقَّف مِنْهُم، ويهتم به من يُريد أن يعرف، ويُوقن به المنصِف، والبقيَّة ربما لا يروق لهم»
 
 
- لو سألت بعض أبناء الجنوب، كيف هي قبائل الشمال؟
إجابتهم ستكون عامة: «قبائل خائنة وهشَّة وضعيفة، لم تصمد أمام الحوثيين»!
 
- تلك نظرة خاطئة، وقاصرة. تفتقد للإلمام بتفاصيل الأحداث في الشمال، وتكوين قبائله، وأدوارها التاريخية. والجنوبي بطبعه يأخذ الأمور بسطحيتها دون التعمُّق ومعرفة حقيقتها. وهنا سأتعرض وبإيجاز كيف يتعامل الشمال في حروبه.
 
- حين تقدّم الحوثي من صعدة إلى خارجها، واجه مقاومة شرسة على أطراف حدود قبائل حاشد في عمران، عجزت فيها المليشيا الحوثية عن تجاوز حاشد.
 
- عمران هي بوابة صنعاء الشمالية. وسقوطها يعني سقوط صنعاء.
- الخارطة القبيلة في عمران منذُ ما قبل خروج الحوثي من صعدة كانت تشهد بعض التأييد الكبير لهم. فقبائل مثل «حرف سفيان» التابعة لبكيل كانت تؤيد الحوثي. ومثلها أيضاً قبائل «قفلة عذر» التابعة لحاشد.
 
- مع وصول الحوثيين إلى مشارف مناطق قبائل حاشد، وبعد عجزهم عن تجاوز حدودها. لجأوا إلى الخيار الآخر.
 
- عملوا على استمالة كبار المشايخ فيها عبر المخلوع، فاستمالوا الشيخ علي حميد جليدان، وحمود عاطف الشرفي، ومبخوت المشرقي «صهر المخلوع» وهؤلاء هُم مشايخ قبيلة «بني صريم» التي تُشكِّل ثقلاً كبيراً في قوة حاشد القبيلة والعسكرية، ومركز عاصمتها «خمِر».
 
 
 
- لم يكتفي الحوثي بهذا، بل توغَّل في استقطاباته أيضاً في العمق المؤيد لآل الأحمر في «العصيمات» -كبرى فروع حاشد القبلية-، فعمل على استقطاب بعض مشايخها، منهم الشيخ صالح أبو عوجاء، أحد كبار مشايخ العصميات.
 
- ثم تمدَّد في تحالفاته أكثر، فعقد صفقة تحالف مع آل أبو شوارب «أصهار المخلوع» ومشايخ قبيلة خارف، وتُشكِّل ثالث أركان قوة حاشد، بعد العصيمات وبني صريم.
 
 
- وبعد أن عَمِل الحوثي على استمالة مشايخ حاشد إلى صفه، استفرد بـ آل الأحمر الذين كانوا حينها وحيدين في الواجهة. وحينها اتَّحدت قوة الحوثيين مع قوة قبائل حاشد في مواجهتهم، ولم يكن بمقدور «آل الأحمر» بما تبقَّى معهم مِن مقاتلين الصمود في وجه الحوثي وحلفائه من القبائل.
 
 
 
- من هذا نستنتج أن حاشد لم تسقط، بل تحالف الحوثي مع الكثير من مشايخها، في مواجهة من تبقَّى خارج خارطة تحالفاته.
 
 
 
- ومثلها أرحب لم تسقط، الذي حدث أن الحوثي تحالف بعض مشايخها، أمثال الشيخ نبيه أبو نشطان، والشيخ فارس مجاهد الحباري، ويحيى علي الحباري ثم ضرب بهم القبائل التي لم تواليه.
 
- ومثلها البيضاء لم تسقط. لولا توقيع مشايخها وثيقة عدم قتال الحوثي، أمثال الشيخ الخضر عبدربه السوادي.
 
 
 
- القبائل المحيطة بصنعاء لم تسقط، ولم يهزمها الحوثي، لكنه تحالف مع بعضها واستمالها إلى صفّه، وقاتل بها القبائل التي لم تُؤيده. ولو اِنفضَّت تحالفاتهم مع الحوثيين لما اِستمر بقاء الحوثي يوماً واحداً في صنعاء.
 
 
 
- وغيرها من القبائل، لم يكن بمقدور الحوثي تجاوزها، فعمد إلى التحالف معها، أو تحييدها، ليتجنّب مواجهتها.
 
- وقبل هذا، في التاريخ الملكي لليمن. لم يكن بمقدور الأئمة حُكم اليمن، لولا استعانتهم بالقبائل، وتجشييهم لها. وحينما ثارت قبائل «حاشد» ضد الأئمة، بعد مقتلهم لشيخها «حسين بن ناصر الأحمر»، وابنه «حميد بن حسين بن ناصر الأحمر» اِلتجأ الأئمة للقبائل الموالية لهم لتحميهم من سقوط حُكمهم. وبعد حربٍ طويلة بين القبائل الجمهورية والملكية اِنتصرت الثورة، وأُسقِط حُكم الأئمة.
 
- بالنظر إلى خارطة الحرب، من هُم المقاتلين الذين يستمد مِنْهُم الحوثي قوَّته؟
- بالتأكيد هُم أبناء القبائل المتحالفة معه، ولولاهم لما استطاع الخروج من كهف مرّان.
 
 
 
- من هذا يتَّضح أن للقبائل المناهضة للحوثيين دوراً محورياً في حسم معركة التحرير. والمملكة تُدرك هذا، نظراً لمعرفتها بخبايا وتفاصيل الحياة القبلية والسياسية في اليمن، منذُ ما بعد الثورة.
 
 
- لذا فهي تعمل جاهدة على تعزيز تماسك القبائل الموالية للشرعية، واستقطاب واستمالة بعض المشايخ الذين لا زالوا على ولاء للحوثيين.
 
- تاريخياً، يتعامل الشمالي بعقله، والجنوبي بعاطفته. وهنا سأتعرض مثالاً:
- في حرب (1994م) كان الشمال أكثر عدداً وقوة، مقابل الجنوب المُفكَّك والضعيف، وقليل العدد.
 
 
- ومع هذا لم يكتفِ المخلوع بقوته، وكُثرة عدد جيشه، أمام ضعف الجنوب وقِلَّة عدد جيشه. بل زاد أن قام بمعيَّة مساعده ويده اليمنى -حينها- علي محسن الأحمر، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بالتواصل مع كل مشايخ قبائل الجنوب والقادة العسكريين. يطلبون مِنْهُم الانضمام إلى صفوفهم مُقَابِل منحههم امتيازات خاصة في الدولة بعد الانتصار، أو في أقل الأحوال أن يلتزموا الحياد، وعدم اعتراض ومقاومة تقدُّم جيش الشمال إلى عدن، ونجحوا في استقطاب وتحييد الكثير.
 
 
 
- بمُقَابِل هذا، لم يُحاول قادة الجنوب فتح قنوات تواصل مع مشايخ وقادة الشمال لاستمالتهم إلى صفّهم، رغم أن الفرصة كانت مُتاحة بشكل أفضل. بسبب تواجد عدد غير بسيط من مشايخ الشمال من ذوي التوجُّهات القومية العربية والذين كانوا على صِلة بنظام دولة الجنوب، مثل كبير مشايخ قبائل بكيل «الشيخ سنان أبو لحوم»، وثاني أكبر مشايخ حاشد «الشيخ مجاهد أبو شوارب»، الذي عمل المخلوع على مصاهرته لاحقاً، كعادته في مصاهرة كبار المشايخ. ومعهم أيضاً مشايخ قبائل «نهم» أصحاب التوجُّهات القومية حينها.
 
 
 
- تعامُل قادة الشمال وقادة الجنوب في تلك الحرب، أوضح بشكلٍ جلي، كيف يُدير الشمالي حربه بأقل الخسائر. وكيف يستفرد الجنوبي بقرارات خاطئة، يستمدَّها من نظرة أكثر خطأً.
 
- نظرة التعميم الخاطئة حينها «معاداة كل الشمال»، أوقعت الجنوب في فخ السقوط السريع والمدوُّي. والنظرة الحالية في «تخوين كل الشمال» لن يسلم من ضررها الجنوب.
 
 
 
- النظرة الممزوجة بغباء قادة الجنوب حينها، أفضت إلى هزيمة منكرة للجنوب. والمفارقة أن جيل اليوم الذي ينعت أولئك القادة بالغباء يُمارس ذات نظرتهم لواقعية الأمور، بحيث يَرَوْن في «كل الشمال» أعداء للشرعية أعداء للتحالف، ووحدهم «الجنوبيون» الأتقياء، الأنقياء!
 
- لسنا في الجنوب «غرندايزرات» لا تُهزم، وأبناء الشمال مخلوقات هشَّة و«خائنة»!
 
 
 
- فلولا العاصفة التي كانت خير عوناً لنا، ومعها الجهود على الميدان، لرأينا الحوثي حتى اليوم يسرح ويمرح في الجنوب.
 
- ومثلما كانت العاصفة عوناً لنا، كانت عوناً في مأرب والجوف وغيرها من المحافظات الشمالية التي تحرَّرت، أو تحرَّرت أجزاء منها.
 
- ولأولئك الذين يَرَوْن في لقاء المشايخ بولي ولي العهد دون نتيجة. هل ستكون قبائل الجنوب الخيار البديل لتحرير صنعاء؟
- بالتأكيد لن تكون، ولن تستطيع. لذا دعوا المملكة تشقّ طريقها. فهي تعرف ما تظنون أنها لا تعرفه، لكنّها ذات باعٍ ونفس طويل، يفت الصخر، ويفلّ الحديد.
 
 
 
- نقطة هامة، تجاوزها الكثير بقصد أو بغير قصد. وهي أنهم في كتاباتهم يحصرون أن لقاء ولي ولي العهد كان فقط بمشايخ قبائل الشمال دون غيرهم. في حين أن اللقاء شمل كل مشايخ قبائل اليمن الموالية للشرعية في الجنوب والشمال على حدٍ سواء. رغم أن موضوع اللقاء تمحور حول معركة «تحرير صنعاء».
 
 
 
- في قولي أعلاه، وقائع مبنيَّة على حقائق تغيب عن الكثير مِن أبناء الجنوب. لذا لن تروق لبعضِهم، لكنَّها الحقيقة.
 
- في كل شيء، وعن كل شيء، الكلام عن عدم معرفة يُورِث هزالة الطرح، وسطحية القول، والفعل بناءً على قولٍ عديم المعرفة يُولِّد الهزيمة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي